Tuesday  12/04/2011/2011 Issue 14075

الثلاثاء 08 جمادى الأول 1432  العدد  14075

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

هناك مقولة كثيراً ما أسمعها هذه الأيام؛ فحواها أن كاتب الرأي يجب أن يكون متخصصاً؛ وبالتالي لا يجوز لشخص أن يناقش قضية شرعية، أو يكتب رأياً له علاقة بالدين- مثلاً - إلا أن يكون متخصصاً شرعياً، بغض النظر عن استقامة وتماسك الحجة و(تأصيله) لما يطرح في كتاباته.

وكاتب الرأي ليس بالضرورة أن يكون متخصصاً، فالرأي معرفة وليس مهنة؛ من ملك أدوات المعرفة يستطيع أن يدلي بدلوه فيها. وقد عرفت الثقافة العربية كتاباً عظماء كتبوا وبحثوا وأبدعوا، وأثروا الثقافة العربية، رغم أنهم غير متخصصين علمياً في ما يكتبون فيه؛ فلم يعترض أحدٌ على عباس محمود العقاد - مثلاً - من منطلق أن كتاباته الإسلامية لا يمكن قبولها لأنه غير متخصص في الشريعة، وجل كتاباته ومؤلفاته في هذه المضامير، رغم المعارك الأدبية المتعددة التي خاضها مع كثير من معاصريه. وفي المقابل هناك أناس يحملون شهادات عليا في تخصصات شرعية، وعلاقتهم بالتخصص الذي يحملون شهادته انتهت بمجرد أن حصلوا على الشهادة؛ فلم يقرؤوا منذ ذلك الحين كتاباً واحداً؛ بل لا يحرص بعضهم حتى على الاطلاع على الصحف والمجلات وما يُثار فيها من آراء؛ وكثيراً ما أقابل مثل هؤلاء، الذين انقطعت علاقتهم بالقراءة بمجرد أن تسنّموا مناصب وظيفية، فطلقوا الكتاب والقراءة والاطلاع طلاقاً بائناً، وتفرغ كثير منهم لأعمالهم الوظيفية، وتنمية علاقاتهم المجتمعية، وفي أوقات فراغهم (يطقطقون) في بعض الاستثمارات العقارية والاتجار بالأسهم.

الغريب أن مثل هؤلاء هم أكثر من (يغثك) في الادعاء أنهم يختلفون معك، ولا يعيبهم إطلاقاً أن يكون لهم وجهة نظر مختلفة عن رؤيتك، لكن عندما تناقشهم في بعض الآراء التي (يقولون) إنهم يختلفون معك فيها تجد أنهم أجهل من حمير أهلهم في ما يختلفون معك فيه، وأنهم - حتى في تخصصهم - يغرقون في شبر ماء، غير أن ضرورات (البرستيج والترزز) جعلتهم يُظهرون أنهم يختلفون معك ليكون لهم قيمة، وليخفوا في الوقت نفسه ضحالة معينهم، ومحدودية ثقافتهم واطلاعهم. وكثيراً ما يُقال لي إن فلاناً من الناس يقول إنه يختلف معك، وأنا أدرك أن هذا الإنسان لمعرفتي به، وبضحالة معينه الثقافي، هو (مع القوم يا شقرا)؛ فلا يحمل لا ثقافة ولا فكراً يُعوّل عليه، ولم يكن له في قضايا الفكر والثقافة سابقة ليكن له فيها لاحقة، فهو لا يعدو - كما يقولون - أن يكون (رَجّال أجودي) وضع نقطة في نهاية الجملة؛ ورغم حبابته، أو بلغة أدق: (ضحالته)، إلا أنه أراد أن يكون له رأي، فقرر أن يخالفك ليس انطلاقاً من وجهة نظر أخرى تحتمل الصواب مثلما تحتمل أيضاً الخطأ، وإنما ليكون له صوت بين الأصوات؛ وموقفه هذا لا يختلف عن ذلك الذي قال: (سمعت الناسَ يقولون شيئاً فقلته) ليس إلا.

الرأي والرأي الآخر دائماً وأبداً، هما (قَدَما) الحراك الثقافي الذي تسير به وتتطور المجتمعات في كل العصور؛ فإذا ألغيت أو قيّدت هذا الرأي لصالح رأي آخر، أو كمّمت فَمَ هذا انتصاراً لما يقوله ذاك، فأنت تقيّد الحركة، وتعيق التنمية، وتفرض (السكون)؛ وستجني في نهاية المطاف حتماً مجتمعاً (مريضاً) متكلساً لا يتنفس إلا برئة واحدة. دع الناس يتناقشون، ويتحاورون، و(يختلفون)، ويرد بعضهم على بعض؛ ومن يملك القول الأقوى، والحجة الأمضى، والرأي الأقرب إلى الصواب، سيفرض وجهة نظره في النهاية.

إلى اللقاء.

 

شيء من
كُتَّاب الرأي.. والتخصص
محمد عبد اللطيف آل الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة