Monday  18/04/2011/2011 Issue 14081

الأثنين 14 جمادى الأول 1432  العدد  14081

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لقد أثارت العاصفة السياسية التي هبَّت على العالم العربي ابتداءً من تونس باتجاه المشرق العربي تساؤلات حول الأسباب التي حركتها وزادت من تسارع وتيرتها، ولا بد من التذكير أولاً بأن مثل هذه العاصفة السياسية

سبق أن هبَّت على العديد من مناطق العالم، بما في ذلك شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؛ لذا فما حدث ليس بظاهرة جديدة في عالم السياسات الدولية، وإن اختلفت المسببات.

اختلفت التفسيرات حول أسباب العاصفة السياسية العربية باختلاف منهج التحليل وخلفية المحلل؛ فمن المحللين من أشار إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها ارتفاع نسبة البطالة بين السكان، على أنها سبب ما حدث ويحدث في العالم العربي، وأن (محمد البوعزيزي) الشاب التونسي الذي حرَّك العاصفة كان يعاني البطالة، وسد باب الرزق في وجهه. ومن المحللين مَنْ ذكر الفساد الإداري في أجهزة الحكومات العربية، بما في ذلك استباحة المال العام، وتفشي المحسوبية المناطقية والفئوية، وأن هذا الفساد نهش في أنظمة الحكم العربية حتى العظم؛ ما جعلها قابلة للسقوط في أول هبة شعبية. في حين أشار البعض إلى انعدام العدالة في أبعادها المختلفة، ويأتي في مقدمتها عدم احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوقه الدينية والمدنية والسياسية، وأن عدم احترام هذه الحقوق هو السبب في عدم الاستقرار؛ حيث إن انعدام العدالة يُفقد الإنسان قيمة الانتماء للوطن، ومن ثم لن يجد ما يخسره عندما يأخذ بخيار تغيير النظام سواء بالاحتجاج السلمي أو العنف السياسي.

ثم أدلى المحللون السياسيون برأيهم، وذكروا أن منهج العامل أو السبب الواحد قد انتهى في مجال العلوم الاجتماعية، وأنه لا بد أن هناك أكثر من سبب لهذه العاصفة السياسية التي هبَّت على العالم العربي، وأن مجموع هذه الأسباب يكمن في غياب التنمية السياسية؛ فالتنمية السياسية هي التي تربط العلاقة بين الأسباب سالفة الذكر، وتبحث عن أفضل الحلول لها؛ ذلك أن التنمية السياسية تسعى إلى التقليل من الشخصنة في صنع القرار، والتركيز على مأسسة مؤسسات الدولة، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرارات الوطنية بغية ترشيد مخرجات الحكومة من القرارات وبما يخدم الصالح العام.

إن المواطن حينما يكون مشاركاً في القرار، سواء من خلال الرأي أو مؤسسات المجتمع المدني كالمؤسسات التمثيلية أو السياسية، يتحمل تبعات القرار، أما حينما يُحرم من المشاركة ويعيش حالة فقر سياسي فإنه يشعر بأنه منبوذ في وطنه، ويعيش حالة غُرْبة قد توجِد بيئة ملائمة لخطفه من فئات قد تستثمره لتحقيق أجندتها الخاصة التي قد تكون ضد الصالح العام. لا شك أن الفقر سبب، والبطالة سبب آخر، لكن من يزور الهند أو البرازيل سيرى أن حالة الفقر والبطالة أكثر من تونس ومصر ومع ذلك تعيش كل من الهند والبرازيل حالة استقرار سياسي؛ لأن كلاً من الشعبَيْن الهندي والبرازيلي يشاركان في مدخلات قرارات حكومتيهما، ويمارسان الرقابة الفعلية على تنفيذ هذه القرارات؛ لذا فهما يقنعان بما يأتيهما من موارد الدولة، ويتحملان تنمية مشاركتهما في مدخلات ومخرجات حكومتيهما.

إن الجماهير التي هبَّت في تونس ومصر هبَّت من أجل نيل حقوقها في أبعادها المختلفة، بما في ذلك الحق في المشاركة الحقيقية في صنع القرار؛ فمن خلال هذه المشاركة يتم توفير فرص العمل، ويتلاشى الفساد، وتُحترم حقوق الإنسان، ويبرز الانتماء الحقيقي للوطن، ويتحقق الاستقرار السياسي الذي يوفر المرتكز الأساسي للتنمية في مختلف أبعادها.

عضو مجلس الشورى

 

التنمية السياسية والاستقرار السياسي
د. محمد بن إبراهيم الحلوة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة