Wednesday  27/04/2011/2011 Issue 14090

الاربعاء 23 جمادى الأول 1432  العدد  14090

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

التراث كلمة ذات سحر وجلال. السحر يأتيك من متعة الذكرى والحنين إلى عالم آبائك وأجدادك وربما طفولتك، فترى الماضي مبسوطاً أمام ناظريك ينتقل إليك دون أن تقوم من مقامك، أو يأتيك من متعة إشباع الفضول عند النظر إلى كل هذه الأشياء التي كان الأولون يستخدمونها - إن كنت ممن لم يدرك زمانهم - فتعجب من كفاءتها الوظيفية ومن الذوق والجمال الذي يزينها على الرغم من بساطة أشكالها - حتى السواني تعزف أجمل الأنغام! أما الجلال فيأتي من تمثّل ما يوحي به هذا التراث من مقدرة الأولين على تطويع ظروف العيش المحيطة بهم وما يعتورها من شظف وشح في الموارد وبيئة قاسية، فلم يتواروا بين الحفر، بل صمدوا على الأرض يستغلون ما بها من خيرات قليلة فيأكلون منها ويصنعون من خيرات خيراتها مقومات حياتهم من فرش وأثاث ولباس ومسكن ومركب وآلات زرع وسقاية، يصنعون ذلك كله - أو جلّه - بأيديهم ومن خامات أرضهم صناعة محلية لا شرقية ولا غربية. ثم ها نحن الآن نطل على تراثهم ونحن أكثر مالاً وأغزر علماً، لكن لا شيء نصنعه بأنفسنا من مقومات الحياة - مثلما كانوا يفعلون - بل نستورد كل شيء ونستهلكه، ما خلا النزر اليسير. هل توقفت بنا عجلة الزمن؟ هي لم تتوقف، والدليل على ذلك أننا انتقلنا بسرعة من عصر الصناعات الحرفية والأدوات اليدوية إلى عصر التكنولوجيا المتقدمة وثورة المعلومات، وصرنا لا نشاهدها بل نستوردها ونستهلكها بشراهة، وعلى آخر طراز يخرج من مصانع العالم المتقدم، وليس من مصانعنا. هل يمكن أن يكون الذي توقف فعلاً هو عجلة الفكر العلمي والإبداع، كما لو أن حبالاً تجرّها إلى الوراء؟ آباؤنا وأجدادنا فكروا وأبدعوا بما يلائم علم زمانهم وبما هو تحت أيديهم من موارد وإمكانات فبنوا وصنعوا وأنتجوا. أما نحن فلا نزال - على الرغم من ركض المستهلكين - متأخرين عن انتهاج الفكر العلمي والابداع الذي يلائم علم زماننا وتقنيات عصرنا، هذا هو الدرس الجليل الذي نخرج به عندما نجعل التراث جزءاً من ثقافتنا، وعندما نقيم المهرجانات للاحتفاء به.

ومن غير شك فإن المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي مضى على إقامته سنة بعد سنة في الرياض أكثر من ربع قرن، قد صار مدرسة لثقافة التراث وبوابة تهب عبرها رياح لواقح بأصناف الثقافة العصرية، وصار نموذجاً يقتدى به.

هذا المهرجان الوطني يستوعب تراث كل مناطق المملكة - بل وتراث دول أخرى غير المملكة، فتعرض فيه أبرز معالم تراثها، مما يضيف امتداداً للأفق التراثي تكبر معه المتعة وتنوعاً تزيد معه الفائدة.

لكن ذلك كله يختلف عندما تزور مهرجاناً محلياً للتراث يقام في موقع المنبع والأصل، مثل المهرجان التراثي في مدينة المجمعة. لقد فرحت بما شاهدته في هذا المهرجان عندما زرته في أسبوع عطلة الربيع. ما هو معروض فيه قد لا يختلف في أنواعه كثيراً عما هو معروض في الجنادرية. وجه الاختلاف يظهر في البيئة التي أقيم المهرجان في ربوعها، فقد مثّلت لب المهرجان وقوامه ومسرحاً طبيعياً لفعالياته - كأنما بعثت فيها الحياة من جديد. فالأماكن فيها حقيقية وقائمة تشهد بحياة العصر الذي عاش فيه آباؤنا وأجدادنا وعشنا - نحن الكهول وكبار السن - طرفاً منه. ألعاب الأطفال القديمة والحرف اليدوية والآلات البسيطة كلها معروضة في موقع السوق القديم الذي لا يزال قائماً بعد ترميمه. وقريباً منه مساجد المدينة القديمة وآبارها (ركاياها) التي ينزح منها الماء بالدلو فيصب في أحواض حجرية (قرو) يشرب منها الناس ويتوضأون. أما أساليب التعليم القديمة فيتم تمثيلها في أقدم مدرسة بالمجمعة (مدرسة أحمد الصانع) التي أبقاها أهل المجمعة على وضعها القديم، تقديراً لدورها التاريخي ودور صاحبها في محاربة الجهل. لكن أيام المهرجان - على أي حال - معدودة ولا يعوّضها لمحبي التراث إلا (متحف المزعل) التراثي الذي أقيم بالقرب من السوق القديم بمبادرة خلاقة من أبناء عبدالله المزعل في منزله نفسه. وهو بيت من الطين بني كسائر البيوت القديمة قبل أكثر من نصف قرن. وقد جمع فيه أبناء (ابن مزعل) آلافاً من القطع والأدوات الصغيرة والكبيرة التي كان الناس يستعملونها في حياتهم اليومية، كلها موزعة بشكل مرتب على غرف البيت وأقسامه. في الروشن، في غرفة القهوة بوجارها ومعاميلها، في غرف النوم بأوتاد تعليق الثياب، في المصباح (وسط البيت)، في المطبخ الذي تصطف فيه القدور والصياني ويجلل جدرانه سواد (السنو) - وفي أرجاء البيت يرى الزائر ما صنعته الأيدي الماهرة من السعف (سفرة، مبرد، فراش) ومن الجلد (صميل لخض اللبن، قربة لتبريد الماء، جاعد للأطفال... إلخ).

وهكذا لا يخطر على بال الزائر أي شيء من حياة ذلك العصر المنزلية إلا وجده في هذا المنزل العتيق، حتى الكتب المدرسية التي كانت تدرّس في السبعينيات الهجرية لها حضور في مكتبة المنزل مع كتب أخرى ودوريات.

مساهمة المواطنين الأوفياء في تنمية الوعي التراثي لا تقتصر على هذا النموذج الفذ. فإن من المعالم التراثية في المجمعة التي شاركت في المهرجان بيت العم محمد الربيعة بطرازه البنائي الطيني البديع. وكذلك حويط مسجد باب البر الذي أعاد تأهيله المواطن خالد المزيني بقليبه والسواني والمنحاة وعدد من النخلات الباسقات - (حويط) تصغيرحائط كماكان البستان يسمى، لكن أكثر ما شد انتباهي في ذلك المهرجان هو الحضور الكثيف للزوار رجالاً ونساءً وأطفالاً.

ما تحدثت عنه هو ما استطعت زيارته. وقد سمعت من الكثيرين ثناء على جهود العاملين من أبناء المجمعة والدعم الكبير الذي تقدمه الهيئة العليا للسياحة والغرفة التجارية الصناعية بمحافظة المجمعة. ولكن الحاجة قائمة إلى حماس أكثر ودعم أكبر. فالتراث ليس فقط مصدراً من مصادر الثقافة، بل هو من أهم منشطات السياحة.

كثر الله من أمثال هذا المهرجان في المجمعة وغير المجمعة.

 

مهرجان التراث في المجمعة.. التراث على أصوله
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة