Thursday  28/04/2011/2011 Issue 14091

الخميس 24 جمادى الأول 1432  العدد  14091

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

الأميرة صيتة وحياة النبل والخلق والفضيلة

رجوع

 

كنت مساء يوم السبت من الأسبوع الماضي في زيارة مباركة لشيخ جليل وعالم قدير ألا وهو فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الصالح أستاذ الدراسات العليا بالجامعات السعودية ومعاهدها العليا وعضو المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمشارك في مؤتمرات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية والخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة والخبير في مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.. إن شخصية هذا العالِم الفذ فريدة من نوعها فهو مع غزارة عِلمه وجلالة قدره وعلو منزلته يملك قدراً عالياً من التواضع واللطف ولين الجانب، ويتسم بالحكمة وسداد الرأي ونفاذ البصيرة، وهو - حفظه الله - ممن يبعث على البِشر والأنس، وذلك من خلال طلاقة محياه وبشاشة وجهه وكلماته التشجيعية المتفائلة، حتى غدا بذلك قريباً من قلب كل إنسان حظي بالتعرف عليه، وصار بتلك السجايا الحميدة محبوباً عند كل من نال شرف مجالسته وظفر بجميل مؤانسته.. إنه الشيخ الصالح اسماً ورسماً ومنهجاً وسلوكاً، فلقد عرفه الكثيرون قبلي فنهلوا من ينبوع علومه وغرفوا من بحر معارفه وتحلوا بكريم صفاته، أما أنا فلم يقدر لي فيما مضى أن أستفيد من قرب من هذه الشخصية العلمية الأخلاقية الرائدة، وذلك لبعد مكاني عنه، أما الآن وقد تقاربت الديار فقد رأيت أن أبذل قصارى جهدي لكي أسابق كل من سبقني إليه علَني بذلك أن أدرك ما فاتني من روائع كلامه وبدائع ألفاظه ونفائس حديثه، حقاً فإنني لا أستطيع أن أصف سعادتي البالغة وأنا أجلس بجواره لأسمع من فضيلته أمتع كلمة وأجمل عبارة وأروع حديث، وفي ذلك المساء الحالم وأثناء تشرفي بالجلوس معه بعد صلاة المغرب من ذلك اليوم بدأ فضيلته يتحدث بأعذب الكلام كعادته فأعرته كامل إصغائي وأوليته كل اهتمامي إذ إن منطقه الرزين يمتاز بحلاوة وطلاوة تلامس شغاف القلوب قبل أن تتلقاها الآذان، كان حديث فضيلته في تلك الليلة النيِّرة عن امرأة نبيلة صالحة تقية، أراد الله أن يقضي نحبها غير أنه سبحانه قد أبقى على جميل ذكرها، إنها فقيدة الوطن صاحبة السمو الملكي الأميرة صيتة بنت عبد العزيز آل سعود - يرحمها الله -.. إن الدنيا دار زوال وفناء والآخرة خير مستقراً وأحسن مقيلاً، والسعيد من خرج من دنياه بعمل صالح وذكر حسن وثناء من أهل الخير عاطر، ونحسب أن الأمية صيتة - بإذن الله - قد خرجت من هذه الحياة لحياة برزخية أجمل وأطهر وأنقى، فالكل يثني على صلاحها وأخلاقها، والجميع يشيد بأصالتها ونبلها.. كانت - يرحمها الله - كما أخبرنا فضيلة الشيخ مثالاً للتواضع الجم والخلق الرفيع والتعامل الراقي، فقد كان سكنها مع أسرتها المباركة قريباً من سكن دكتورنا الصالح لفترة من الزمن، فكان جميع سكان الحي يمتدحون أخلاق هذه الأميرة الأصيلة، ويثنون باستمرار على ما وهبها الله من دين وورع وتقوى، فلقد كانت - يرحمها الله - محبة للخير بشكل منقطع النظير تبذل الجاه والمال لتقضي حوائج الناس وتدخل السرور على قلب كل محتاج، حتى لهجت العديد من الألسن بالثناء عليها، وتضرعت الكثير من الأكف بالدعاء لها.. رحمها الله وغفر لها فقد كانت بحق رمزاً للكرم والجود ومناراً للنبل والشرف.. انتقلت إلى رحمة الله يوم الأربعاء في التاسع من هذا الشهر لكن سجلها الأخلاقي الساطع سيظل يلمع في جبين التاريخ ليكون نبراساً للزمن يستضيء به عبر السنين كل راغب في الخير ومحب للفضيلة.. ما أجمل تلك الليلة الزاهية ونحن نبحر من خلالها في السيرة العاطرة لتلك الفقيدة الفاضلة، وقد لا أكتم أحداً سراً إن قلت إن ذهني قد شرد بي من ذلك المجلس، وأنا أسمع مآثرها الحسنة ليعود بي تفكيري إلى الوراء كثيراً حيث نساء الرعيل الأول الرائدات في الخير والبر والصلاح، فما كانت تمتلكه الأميرة صيتة - يرحمها الله - من سجايا كريمة وصفات نبيلة جعلتها أشبه ما تكون بنساء السلف الصالح اللواتي كتب التاريخ أسماءهن بمداد من نور لتظل مضيئة لامعة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وليس بغريب أن تمتلك فقيدتنا كل هذه الخصال الحميدة والمناقب الجليلة وهي ابنة مؤسس البلاد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - الذي كان مدرسة في النبل والخلق والفضيلة، وهي شقيقة ملكنا المحبوب خادم الحرمين - الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - الذي تعلم الناس منه أنبل القيم وأسمى المبادئ، فباسم الوطن نعزي قائد الوطن في فقيدة الوطن، ونقول ما يحزنك يحزننا يا مليكنا الغالي، وألم فراق أميرتنا صيتة نشعر به كما تشعر به يا والدنا القائد، فأنت لكل مواطن بمثل الروح للجسد فما يفرحك يفرحنا وما يسؤوك يسؤونا بحق، فلا أراك الله بأساً إذ لم نعرف البأس ولا البأساء في عهدك، وليعظِّم الله لك الأجر، ويحسن لك ولذويها وللأسرة المالكة العزاء، ولعل أجمل ما نتعزى بهفقدها أن تكون من تلك النفوس المطمئنة التي رجعت إلى ربها راضية مرضية لتدخل في عباده وتدخل جنته - بإذن الله -.. ومما يحسن ذكره في سيرتها أنها كانت زوجة لرجل مقدام كريم همام سبقها إلى رحمة الله قبل عدة سنوات ألا وهو الأمير عبد الله بن محمد بن سعود - يرحمه الله -، حيث كان من نوادر الرجال في فضله وعلمه وخلقه، كما كان أديباً شاعراً يقصده الناس للاستفادة من روعة أدبه وعذوبة شعره، وهو ممن يُضرب به المثل في الوقوف مع الحق والإصلاح بين الناس وبذل النصح والتوجيه لهم ونشر الخير والمعروف بينهم، فليرحمه الله ويجمعه بزوجته الصالحة في الفردوس الأعلى من جنانه، وبما أن البلد الطيب يخرج نباته - بإذن ربه - فقد منّ الله على الأمير عبد الله وزوجته الأميرة صيتة بإنجاب خيرة الرجال وصفوة الأفذاذ (فهد وتركي وبندر) هؤلاء الأمراء الأجلاء الذين من عرفهم يدرك معنى الخلق والنبل والرقي، ومن تعامل معهم فسيرى أنهم عنوان للتواضع والشهامة ورمز للخير والأصالة، وهم ممن يفخر الوطن بهم إذ إن كل واحد منهم يؤدي رسالته العملية النبيلة في مواقع مرموقة في الدولة وفق ما يتميزون به من أمانة وإخلاص ونزاهة، حتى نالوا بمثل هذه الجدارة أرقى تقدم وأسمى صدارة، وإننا إذ نشاطرهم العزاء في فقدهم لوالدتهم الغالية، لنود أن نقول بأن مصابهم هو مصابنا جميعاً ولا يواسينا أمام لوعة الفراق وحسرة الوداع إلا الرجاء أن يتقبلها الله عنده من الشهداء لأنها قد توفيت على إثر الكثير من الأمراض والأوجاع التي عانت منها في آخر حياتها - يرحمها الله -.. كانت ليلة بديعة بالفعل حيث حلّق بنا شيخنا الصالح في فضاء صالح لسيرة امرأة صالحة، فكانت رحلة إيمانية ممتعة تعلمنا منها أن الحياة الحقيقية هي للروح الطيبة التي تظل مذكورة بالخير وممتدحة بالبر مهما غاب جسدها الطاهر عنها.. وها هي أميرتنا تودع الحياة وتغادر الدنيا لكنها لن تغيب عن الأذهان أبداً، فذكرها العاطر وسمعتها الطيبة ستظل حية في وجداننا وحاضرة في قلوبنا ما شاء الله لنا أن نعيش.. إننا ونحن نذرف الدموع لفقدها نجدنا نبتسم في الوقت نفسه لفألنا بأن الله قد اختارها لجواره لتحظى - بإذن الله - برضوانه والفوز بدخول جنانه.. ما أجمل تلك المعاني السامية التي تأملناها مع شيخنا الجليل ونحن نستعرض حياة فقيدتنا الأميرة صيتة وما تضمنته سيرتها من طهر وشرف ونقاء.. غير أن الحديث قد زاد تألقاً ومضامينه قد زادت رنقاً عندما قرأنا ما كتبه عنها في ذلك اليوم معالي الأستاذ خالد بن عبد العزيز التويجري رئيس الديوان الملكي من شعر ونثر حيث أفردت صحيفة الجزيرة صفحة كاملة في صفحتها الأخيرة لذلك الحدث المؤثر بما خطه ذلك اليراع المبدع، فعرفنا من خلال تلك الكلمات المعبرة ما يمتلكه صاحبها من شعور صادق، وحس نبيل مخلص.. نحييه بعمق على تلك العبارات الرائعة والتي استطاع من خلالها أن يجسد شعور الوطن تجاه فقده الكبير لتلك الأميرة الكريمة.. نعم قد ودعتنا الأميرة صيتة ولكن صيتها لن يموت في داخلنا، وذكراها لن تغيب عن أذهاننا، وألسنتنا لن تفتر بالدعاء لها بالرحمة والمغفرة.. وداعاً أميرتنا صيتة، وشكراً شيخنا الصالح على أن أشركتنا معك في استلهام أسمى معاني النبل من خلال وقوفنا على شاطئ القيم لنرقب سوياً على ضفافه ذلك البحر الممتد بالأخلاقيات العالية الرفيعة لتلك الفقيدة ذات السيرة المجيدة.

لا لم يمت من قد علا بالخير صيته

سيظل في الوجدان حياً دائماً كحياة صيته

سنظل نذكرها فقد كانت لنا رمز الفضيلة

عاشت على طهر وبر ثم ماتت خير ميته

فليرحم الله الأميرة صيتة ويجمعها بذويها في أعالي الجنان حيث السرور الدائم والسعادة الأبدية.. اللهم آمين.

د. منير بن علي القرني

dr-muneer@hotmail.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة