Wednesday  04/05/2011/2011 Issue 14097

الاربعاء 01 جمادىالآخرة 1432  العدد  14097

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لا يمكنني تصور أن تقول زوجة لزوجها (طلقني) ولا يطلقها في الحال، لأن ذلك انتقاص من رجولته، على الأقل في نظر تلك الزوجة التي رفضت الحياة التعيسة معه، وأرادت أن تجعل الطلاق نهاية لهذه الحياة، مع العلم أنه حدث القبول بينهما واتفقا على الحياة بعقد محدد الشروط، وعلى من يخل أحد البنود يكن العقد مفسوخاً.

لكن في لعبة الكراسي الدموية، يزيد عجبي أكثر وأكثر من الحاكم الذي يقول له شعبه (أطلق سراحنا)، ويقول (لا)، بل المزيد من الدم والجثث، والفوضى والعبث بمقدرات البلد الذي يحكمه بالحديد والنار والخزي والعار.

لا يمكن لأحد خارج تونس أو مصر أو ليبيا أو سوريا أو حتى اليمن أن يزايد على خيارات هذه الشعوب التي اختارت الحرية، واختارت أنظمتها خياراً آخر مر في الحلوق.

وأصبح من العبث النظر إلى هذه الثورات على أنها تدخلات أمريكية، أو إيرانية، أو اتهام الشباب بأنهم أصحاب (أجندات)، ولم يخرج حتى الآن أحد يؤكد ذلك.

التاريخ كعدسة الكاميرا تثبت اللحظة، وتلتقط الصورة وتبقى الصورة (اللقطة) باقية في كتب التاريخ يدرسها الناس جيلا تلو آخر.

لا يمكن التغاضي عن المجازر التي نراها لحظة بلحظة عبر الفضائيات التي تغطي العالم من أقصاه إلى أدناه في لعبة الكراسي الدموية، التي تديرها عقول بحجم عقل (العقيد)، بالإضافة إلى المقاطع التي يمتلئ بها موقعا (يوتيوب) و(فيس بوك)، لحظة بلحظة نرى ونشاهد زخات من المقاطع التي يندى لها الجبين، كلها مشاهد دموية، مسلحون يضربون ثائرين في مناطق قاتلة بأسلحة نارية، لا تستعمل، ولا يجب أن تصوب، ولم تخلق إلا لتصوب على الأعداء، وليس على أبناء الوطن الذين كل جريمتهم أن يقولوا كما تقول الزوجة التي تحيا حياة تعيسة (طلقني)، (أعطني حريتي أطلق يدي، إنني أعطيت ما استبقيت شيَّا).

الجريمة ببساطة هي أن صاحب الأرض الحقيقي يريد أن يتمتع بخيراتها، بدلاً من تركزها في يد حفنة قليلة جداً من الناس، جاءوا بنظام المفترض أنه ديمقراطي، بمعنى أنهم كانوا موظفين يشغلون مواقع مختلفة، وتدرجت مناصبهم إلى أن وصلوا إلى مرتبة وزير، رئيس وزراء، رئيس جمهورية، وهكذا، لكن صاحب العقلية الجهنمية (العقيد) مثلاً لا يرى إلا أنه لا يغادر، صاماً كلتا أذنيه عن صرخات الشعب التي تطالبه بالرحيل، ومنحه حبوب الفياجرا لجنوده المرتزقة من أجل افتراس النساء واغتصابهن، واستهداف الأطفال بدم بارد.

حين صرخ التونسيون لابن علي قائلين له (ارحل)، وانضم الجيش إلى خيار الشعب، فما كان منه، إلا أن رحل، والأمر نفسه تكرر بصورة شبه كربونية إلى ميدان التحرير في قلب القاهرة، تزايد ضغط طلب الرحيل، إلى أن رحل (مبارك) وانحاز الجيش إلى الشعب.

القاسم المشترك بين التونسيين والمصريين واليمنيين والليبيين وغيرهم، هو حالة من فقدان الأمل أصابت الشعوب، والدليل هو بعد إعلان الرحيل، أن يتجدد الأمل بصورة كبيرة، وتسري دماء الحماس في عروق الشباب الذي غيروا في أيام أنظمة بلادهم، تلك خياراتهم ولا يمكن لأحد أن يزايد عليها مهما كان.

أي خزي وأي عار، أن تصوب نار الحكومات العربية على صدور أبنائها، أي خزي وأي عار أن يصم الحاكم أذنيه عن سماع جموع شعبه تصرخ (ارحل)، وهو لا يرحل، إلا بموت العشرات، وإطلاق البلطجية على الناس، في سيناريو متكرر، بعقلية تربت على ثقافة النصف الأول من القرن الماضي، والشباب الذي يفتح صدره للرصاص من أجل الحفاظ على مقدرات بلاده، يعي تماماً أنه الأبقى، وهؤلاء الحكام إلى زوال، كما قال الرئيس التركي مخاطباً مبارك قبل إعلان تنحيه.

الأمر يا سادة، يتلخص في كلمات بسيطة، أن الحكم تكليف ومسؤولية، والشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في بقاء حاكمه، حسب تقييمه لحرص الحاكم على المحافظة على مقدرات الشعب أولا، فإذا كانت التعاسة والشقاء من نصيب الشعب، كنصيب الزوجة التي تطلب الطلاق ويخول لها الشرع والعرف الحق في ذلك، فأعتقد أن الحكم الذي كان يقول عنه عمر بن الخطاب (لو تعثرت دابة في طريقها من الشام إلى العراق لسألني الله عنها)، هو الحكم بتحقيق العدالة والشفافية في الوقت الذي لا يمكن فيه استعمال الضبابية، ولا التذاكي على شعب يتواصل مع العالم كله بـ(كبسة زر)، ويرسل رسائله إلى العالم في لقطة مصورة، أو مقطع فيديو ليكتشف العالم من معه الحق، ومن يكابر في إطلاق سراح شعبه، فلا تزايدوا على شعوب طلبت حريتها، ونالتها ببذل الدم، وتطالب بمحاكمة من كان يحكمها بحكم القانون، وليس بحكم الاستقواء الذي مارسه هؤلاء الطغاة أمثال (العقيد) العبقري صاحب النظريات المضحكة المبكية، وحتى يرحل من يطلب شعبه أن يرحل، رحم الله شهداء الثورات العربية.

وندائي إلى هؤلاء القتلة (وجهوا فوهات بنادقكم إلى عدوكم الحقيقي، مغتصب الأرض العربية، لا توجهونها إلى أصحاب الأرض، وتتركوا الأعداء يضحكون عليكم ملء أفواههم).

ليرحمنا الله من الغباء والأغبياء الذي يرون أن التطبيع في مصلحة العرب.

ليرحمنا الله من الأغبياء الذين يرون أن الجهاد هو قتل الآمنين.

ليرحمنا الله من الأغبياء الأوغاد الذين يتوارون وقت الجد، وبعد الحسم، يخرجون شامتين، ليسرقوا إنجاز شباب شرفاء، مدعين أنهم صانعو الحدث ومشاركون فيه، وهم متلونون يركبون الموجة.

ليرحمنا الله في كل وقت من تحمل ذنب الدماء التي تسيل على الأرض العربية في معركة، الشعب فيها حتماً سينتصر.

ليرحمنا الله من لعبة الكراسي التي يدفع ثمنها الكثيرون.. ليرحمنا الله من، ومن، ومن...

aboelseba2@yahoo.com


 

نداء إلى القتلة.. الكراسي لعبة المجازر الـ(دموية)
حسين أبو السباع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة