Friday  06/05/2011/2011 Issue 14099

الجمعة 03 جمادىالآخرة 1432  العدد  14099

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

انشغل الأب وتخلت الأم فتاه الأطفال وضاعوا.. تحولت طفولتهم البريئة إلى مرحلة قتل للعقل الصغير وتدمير للبدن النحيل وكسر للنفس الحساسة. تبخرت الأحلام الوردية بصناعة أجيال المستقبل وسواعد البناء في تنمية مستدامة لوطن طموح. العقل المبرمج لن يكون قادراً على الإبداع لأنه سيحلق بلا أجنحة فيقع قبل أن يرتفع والبدن المدمر بالسموم لن يقدر على الحركة لأن عظامه هشة والشحوم تكبل خطواته المتعثرة والعيون لا تقوى على التمييز فقد دخلت في «شيخوخة مبكرة» والأسنان لم يصمد منها إلا بقايا فقد نخرها السوس وصدع أركانها. والنفس غدت مكسورة فالقمع والتقريع والتحطيم لا تقوى على احتمالها مجتمعة نفسية المخلوق الصغير.

عقل الصغير النحيل لا ينمو في كنف عقول متفتحة ترعاه وتروضه على التحدي ليبدع خارج نطاق المألوف الجامد بل ترعاه عقول تثريه بالروايات الخرافية وحكايات السعالي وأمجاد الآباء والأجداد وبطولاتهم الخارقة وإنجازاتهم التي لا يقيسها بهذا المعيار إلا هم ومن سار على نهجهم. يعيش الصغير طفولته وعقله يكبل ثم يبرمج ليسير في خط واحد كي لا يخرج عن المألوف ولا يعصى الأوامر ولا يخترق الحواجز الوهمية. العقول الصغيرة تصب وتصنع في قالب واحد تفكر بذات الطريقة وتنفذ بنفس الصورة «الكليشة» المرسومة. الولد لازم يصير مثل «أبوه» سبع وداهية وهذا جميل لو كان سبع وداهية! لكن ماذا سيكون لو لم يكن والده سبع وداهية؟ مشكلة كبيرة في طريقة التفكير! والبنت لابد أن تكون مثل أمها وطبعاً رائع أن تكون الأم مميزة في فكرها وسلوكها! الكارثة فقط إذا كان حالها عكس ما ذكر! عقل الصغير ينمو بطريقة غير سوية حفظ واستظهار وتطبيق للقواعد يلتزم فقط بالبقاء في هذه الدائرة الضيقة ولا يستطيع الخروج منها فكيف لهذا العقل أن يبدع ويبتكر ويخترع؟.

في الريف والقرى يتركون أطفالهم الصغار يهيمون على وجوههم في الشوارع تحت أشعة الشمس المحرقة أو لسعات البرد الشديدة يمرغون أجسادهم بالوحل ويملؤون بطونهم بالتراب ويلتهمون المخلفات ويشربون مياه المستنقعات الملوثة. يبقون طوال النهار بعيداً عن عيون الأهل المشغولين بأمور أخرى يرون أنها أهم من أطفالهم بل إنهم يفرحون بمغادرتهم المنازل لأنهم ينظرون إليهم على أنهم مصادر إزعاج وقلق وتعطيل عن قيامهم بواجباتهم المنزلية.

وفي المدن الصاخبة ينهك أجسادهم السهر ولا يبخل عليهم الأهل بوجبات الهمبرغر حتى تعفنت بطونهم, وترهلت أجسامهم وصار أحدهم كالفقمة لا يستطيع الحركة وتتلف أسنانهم بحسن نية بوجبات أضافية من «الكاكاو» والمشروبات الغازية والحلويات والآيسكريم. يأكل السوس أسنانهم بشراهة ليكونوا زبائن المستقبل في عيادات الأسنان. يفطرون ويتغذون ويتعشون من وجبات «الشيبس» ويأكلون بين الوجبات «شيبس» حتى باتوا يعيشون طفولة «الشيبس».

أدخلتهم تلك المأكولات غير الصحية لعوالم السكر والضغط وانسداد الشرايين وفقر الدم المبكر. المأكولات الصحية لا نصيب لها في حياتهم إلا ما يرددونه في أناشيدهم «للصحة للقوة اشربوا الحليب».

تكسر شوكتهم نفسياً بالضرب والتحطيم والقمع والتخويف لتصنع منهم تلك التربية التعسفية شخصيات مهزوزة فاقدة للثقة لا تتحمل المسؤولية تخاف المجهول مهزومة نفسياً ومرهقة جسدياً ومعطلة فكرياً عاشت طفولتها في انطواء وعزلة بين جدران أربعة تحرك بأناملها الرقيقة أجهزة اللاب توب والبلاك بيري.

Shlash2010@hotmail.com
 

مسارات
طفولة «الشيبس»
د. عبد الرحمن الشلاش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة