Friday  06/05/2011/2011 Issue 14099

الجمعة 03 جمادىالآخرة 1432  العدد  14099

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عندما يقرأ المتأمل الأمر الملكي بتعديلات بعض مواد النشر والمطبوعات يجد أن هذه التعديلات نظمت حرية النشر ولم تقيدها.. وأنها حفظت حقوق الجميع على حد سواء، سواء كانت ناقدين أو منقودين، ومن يقرأ ما ورد بديباجة هذا الأمر يدرك أن هذا التعديل فتح المجال واسعاً أمام الرأي

والرأي الآخر ضمن ثوابت الدين والوطن بل نص على أن الاختلاف بالرأي هو مصدر إثراء للمعرفة حيث جاء في هذه الديباجة ما نصه: ((وانطلاقاً من هدي شرعنا المطهر بحفظ الكلمة وصيانتها وتحمل مسؤوليتها والتحذير من خطورتها على الفرد والجماعة ولما لاحظناه على بعض وسائل الإعلام من التساهل في هذا الأمر بالإساءة أو النقد الشخصي سواء لعلمائنا الأفاضل المشمولين بأمرنا رقم (أ/71) بتاريخ 13-4-1432هـ أو غيرهم ممن حفظت الشريعة لهم كرامتهم وحرمت أعراضهم من رجال الدولة أو أي من موظفيها أو غيرهم من المواطنين مستصحبين في هذا أن اختلاف الآراء وتنوع الاجتهادات مصدر إثراء يضاف لرصيدنا العلمي وأفقنا المعرفي على ضوء ما أرشد إليه سلفنا الصالح من اعتبار الاختلاف العلمي الرصين من سعة الشريعة ورحمتها بالأمة وأن الرجال يعرفون بالحق والحق لا يعرف بالرجال، مع إدراكنا لحقيقة النقد البناء الذي لا يستهدف الأشخاص والتنقص من أقدارهم أو الإساءة إليهم تصريحاً أو تلويحاً فالكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تتجلى في وجدان كل مخلص صادق لا ينشد إلا الحق بدليله ويسمو بنفسه عن كلمة السوء وتبعاتها في الدين والدنيا فحرية الرأي المنضبطة والمسؤولة التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام محل اعتبارنا وتقديرنا)).أ.هـ.

وقبل ذلك تَصدَّر هذه التعديلات السامية بيان أهداف هذا التعديل، وهي أهداف لا يختلف عليها عاقلان حيث أكدت على حفظ حرية الكلمة مع النص على إدراك قيمة النقد البناء.. وهذا نصها: ((انطلاقاً من هدي شرعنا لمطهر بحفظ الكلمة وصيانتها وتحمل مسؤوليتها والتحذير من خطورتها على الفرد والجماعة ولما لوحظ على بعض وسائل الإعلام من التساهل في هذا الأمر بالإساءة أو النقد الشخصي سواء لعلمائنا أو غيرهم ممن حفظت الشريعة لهم كرامتهم وحرّمت أعراضهم من رجال الدولة أو أي من موظفيها أو غيرهم من المواطنين مع الإدراك لحقيقة النقد البناء الذي لا يستهدف الأشخاص والتنقص من أقدارهم أو الإساءة إليهم فالكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تتجلى في وجدان كل مخلص صادق لا ينشد إلا الحق بدليله ويسمو بنفسه عن كلمة السوء وتبعاتها في الدين والدنيا فحرية الرأي المنضبطة والمسؤولة التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام محل اعتبارنا وتقديرنا)).أ.هـ.

ودعوني قبل أن أقرأ أبعاد هذا الأمر ومنطلقاته أعرض ما نص عليه الأمر الملكي الكريم من الأمور التي يحظر نشرها وأجزم أن كل عاقل وكل محب لهذا الوطن وحريص على حفظ ثوابت دينه، ووحدته وأمنه وإشاعة المحبة بين الناس سوف يبصم على كل فقرة وردت في فقرات المواد التي تم حظر نشرها وهي بالنص كما جاءت بالأمر الملكي:

((1- ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة.

2- مايدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام، أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية.

3- التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو أي من موظفيها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية الخاصة.

4- إثارة النعرات وبث الفرقة بين المواطنين.

5- تشجيع الإجرام أو الحث عليه.

6- ما يضر بالشأن العام في البلاد.

7- وقائع التحقيقات أو المحاكمات، دون الحصول على إذن من الجهة المخولة نظاماً)).أ.هـ.

وهكذا جاء هذا النظام ليكرس قيم الخير كما جاء في تعليق معالي وزير الثقافة والإعلام د/عبدالعزيز خوجة لصحيفة عكاظ بتاريخ 26-5-1432هـ في حديثه عن أهداف هذه التعديلات: ((تعديلات بعض مواد نظام المطبوعات والنشر يكرِّس قيم النزاهة والمصداقية لإعلامنا، يدفع به إلى مزيد من الحرص على الابتعاد عن الخوض فيما يمكن أن يكون مساً بأعراض الناس وطعنا بأخلاقهم ونيلاً من مكانتهم، والتعديلات تكفل حقوق كافة الأطراف في العملية الإعلامية سواء رجال الإعلام والعاملين في حقله أو الشخصيات الاعتبارية من علماء ومسؤولين بل تكفل كذلك حق المواطنين جميعا كما استهدفت التعديلات تكريس قيم التحقيق والتقاضي عند ظهور أي مخالفة للسياسة الإعلامية بحيث تكون الأحكام صادرة من الجهة ذات الاختصاص وعادلة ومنصفة لكافة أطراف القضية)).

وهذه التعديلات التي صدرت بالأمر الملكي الكريم جاءت شاملة حيث تناولت وسائط الإعلام الحديث من مواقع الإنترنت والفضائيات وغيرها، وهذه لا بد من نظام يحكمها، وأثرها لا يقل عن أثر القنوات المقروءة سواء بأثرها الإيجابي أو السلبي على المجتمع والإنسان والتعديلات جعلت النظام يطبق على كافة القنوات الإعلامية الحديثة والقديمة لتضبطها ولتحقق رسالتها وفق تنظيم دقيق يضاعف إيجابياتها ويحدّ من سلبياتها.

إن قراءة متأملة من خلال هذه النصوص الثلاثة التي نص عليها الأمر الملكي يجد أن هذه التعديلات ترمي إلى أن تحقق الكلمة سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مرئية حفظ ثوابت الدين الذي قامت عليه شرعية هذه الدولة، وحفظ أمن هذا الوطن ووحدته، وصيانة أعراض الناس، وعدم تجريحهم أو الإساءة إليهم وهذه الأهداف النبيلة هي أساس رسالة الكلمة وإذا ما تخلت عنها فإنها -بالتالي- تكون معول هدم، وأداة إساءة، وخنجر إشاعة الفرقة بين أبناء الوطن.

ولنتوقف عند آخر عبارة وردت في ديباجة أهداف التعديل وهي هذا النص المضيء الذي لا يكبل حرية الرأي وإنما يطلقها في فضاءات منضبطة حيث جاء النص: (فحرية الرأي المنضبطة والمسؤولة التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام محل اعتبارنا وتقديرنا)أ.هـ.

لقد أدركت هذه التعديلات حقيقة النقد والحاجة إليه حيث إن هذه التعديلات لم تكن غافلة عنه أو مغيبة لحضوره، ولكنه النقد الذي يبني ولا يهدم ويسدد ولا يسيء ويضيف ولا ينتقص حيث جاء النص بالأمر كما يلي: ((إدراكنا لحقيقة النقد البناء الذي لا يستهدف الأشخاص والتنقص من أقدارهم أو الإساءة إليهم تصريحاً أو تلويحاً)..

هذه هي أدبيات النقد البناء لأن النقد الذي يقفز إلى الأشخاص ضارباً بموضوعية النقد هو نقد هدم لا بناء.

إن هذا الأمر الملكي انطلق من نصوص دستور هذا الوطن القرآن الكريم: {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ} و{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (رب كلمة لا يلقي لها الرجل بالاً تهوى به في النار سبعين خريفاً)، فضلاً عن هذا الأمر اتكأ على أسلوب وسياسة هذا الوطن داخلياً وخارجياً الداعي للسلام وعدم الإساءة للآخرين قولاً أو عملاً، والمتبنّي قائُده إشاعةَ مبدأ الحوار بالكلمة الطيبة وبالاختلاف الحضاري الموضوعي، والملك عبدالله وهو يصدر ويوافق ويُمضي على هذه التعديلات استشعر -حفظه الله- مسؤولياته وواجبه في حفظ ثوابت الدين والحفاظ على مصالح ووحدة الوطن وصيانة أعراض الناس.

إن هذه التعديلات أكدت على الحرية المنضبطة لإبداء الرأي اتفاقاً واختلافا، وأن الاختلاف العلمي رحمة بالأمة -كما جاء في الأمر- ومعنى هذا -كما قال الكاتب الأستاذ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ-بمقالته بصحيفة الجزيرة بتاريخ 27-5-1432هـ: (إنه لا اعتراض على طرح أي قضية ما دام الطارح يمتلك العلم المتكئ على الدليل)).

منعطف آخر ومهم أن هذا التعديل في بعض مواد المطبوعات والنشر صان حقوق الجميع لكاتبين وناشرين تماماً مثلما صان حقوق المتلقين والمنقودين، حيث ستكون المساءلة وإصدار الأحكام من قبل لجان هي أقرب للجان الشرعية سواء الابتدائية أو الاستئنافية، وحكم هذه اللجان حكم نافذ وبخاصة أنها تتكون من أطياف شرعية وقانونية وإعلامية ولا يتدخل أحد في أحكامها حتى الوزير المعني وهو وزير الثقافة والإعلام أو غيره، أما ما يمس ثوابت الدين وأمن ومصالح الوطن فنص الأمر على أن من يبت بشأنها هو أعلى سلطة بالبلاد وهو الملك.

إن هذا التعديل ينصف أي إنسان يُتهم بما ليس فيه عبر أي وسيلة إعلامية، فقد أضحى أمام هذا الشخص المتهم -بموجب هذا التعديل- لجان متخصصة يلجأ إليها، وهذا يحفظ حقوق وأعراض الجميع وهذا الأمر سيمنع أو يقلص إلقاء ونشر التهم، بل إن هذا الأمر-كما وصفه الكاتب د/علي سعد الموسى بصحيفة الوطن بتاريخ 27-5-1432هـ: ((يعطي الجميع حصانة قانونية ضد التهم أو الانتقاص أو الإساءة)).

بقي أن أتوقف أخيراً عند العقوبات.. ومعروف شرعاً وقانوناً -أن أي نظام لا يشتمل على عقوبات يحفظ هيبة النظام، ويلزم بتطبيقه ويحذر من مخالفته: هو نظام ورقي لا قيمة له، فالعقوات هي التي تحمي النظام، وحرية النشر لا بد لها من عقوبات تحمي هذه الحرية وتبقيها، وفي بريطانيا مثلاً وفي مجال النشر تحديداً هناك حرية كاملة لكنها منضبطة لأن المخالف لهذه الحرية تنتظره عقوبات رادعة، وهذا يجعل الناشر أو الكاتب فرداً أو مؤسسة يحسب ألف حساب قبل أن يتجاوز هذه الحرية بحيث لا يصل ضررها إلى أمن البلد أو ثوابته أو الإنسان الآخر أو أي شأن يضر بمصالح الدولة التي ينتمي إليها.

وبعد:

النظام يحمي الحرية ولا يعيقها.


فاكس 4565576
hamad.alkadi@hotmail.com

 

قراءة في أهداف الأمر الملكي للنشر والمطبوعات:
ضبط الحرية لا قيدها وحفظ ثوابت الدين ووحدة الوطن
حمد بن عبد الله القاضي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة