Saturday  07/05/2011/2011 Issue 14100

السبت 04 جمادىالآخرة 1432  العدد  14100

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هناك أكثر من علامة استفهام على موت أسامة بن لادن، فالخبر الأمريكي كان إعلامياً أكثر منه مادياً، وسيظل مصير ابن لادن مجهولاً ما لم تظهر حقائق مادية جديدة، لكن السؤال الأهم من ذلك هل سيموت فكر القاعدة بعد إعلان موت زعيمها، وهل ستنتهي إلى غير رجعة ثقافة العنف والقتل العشوائي في المجتمعات الآمنة، بعد أن أثبتت الطرق المدنية والسلمية جدواها في إحداث التغيير الإيجابي في المشهد العربي، فقد فعل الحراك العربي السلمي المستحيل عند مقارنته بثقافة التفجير العشوائي، ومهما حاول البعض شرعنة العنف ضد المدنيين كأحد وجوه الجهاد إلا أن ذلك لا يدخل ضمن أبواب الجهاد الشرعي، ولكنه بالتأكيد أحد وجوه العنف الذي تداول المسلمون والعرب من خلالها السلطة عبر القرون، وليس له علاقة بسيرة الجهاد في سبيل الله كما فهمها المسلمون الأوائل.

نال فكر القاعدة شعبية في البدء عند إعلان الحرب ضد الطغيان الغربي وانحيازه مع المحتل ضد شعب الأرض الأصلي وحقه المشروع في الحرية، وجاءت شعبيته امتداداً لحالة الغضب العربي ضد الاحتلال الفلسطيني بدءاً من ثورة 23 يوليو 1952، والتي باءت بالفشل عندما حاول زعيمها تغيير الدول العربية من خلال أساليب التحريض والعنف، وكانت النتيجة فشل مشروعه ثم خروجه نهائياً من الذهنية العربية بعد النكسة، كذلك كان حال فكر القاعدة الذي أستخدم الإعلام لتفجير العقل المسلم ضد المحتل، وكانت النتيجة نكسة أكثر تدميراً من سابقتها بعد احتلال العراق وقدوم الأسطول الأمريكي للمنطقة.

جاءت عقود المد الإسلامي العنيف بمفهوم جديد على الذهنية العربية، وقد نجحت القاعدة في إيصاله لعقل الشاب المسلم وهو باختصار يُختزل في عبارة (أنا أقتل إذن أنا موجود)، والتي جاءت كبديل لشعار الخطاب الفلسفي العربي (أنا أفكر إذن أنا موجود)، وكانت عواقبها تفريغ عقل الإنسان المسلم من هبة التفكير ثم تحويله إلى بارود قابل للتفجير في الأماكن العامة، ولم يأت هذا الفكر العدمي عبثاً أو اجتهاداً من رموز القاعدة، لكن عبر ثقافة دينيه تعادي الفكر وتضع السياج الصارم حول العقل، فالتكفير وثقافة البحث وإنتاج الفكر متوقفة عند بعض المسلمين بسبب ذهنية التحريم، مما جعل من الشباب صيداً سهلاً للقاعدة في ميادين القتال المدني، بعد أن تم إعدادهم لها في قوالب جاهزة للتدمير والانفجار.

ما يحدث في المجتمع من مطاردة ورقابة لسلوك الناس في الشوارع والأسواق يحرض على العنف، ويحث الشباب المتدين على تبني نهج المطاردة وتأكيد الغلبة والوصاية بدلاً من منهجية التفكير الحر وتقديم الأطروحات العلمية والتعبير من خلال الرأي والرأي الآخر خالياً من نبرة السلطة والتحريض، ولعل مثال ما يحدث من حوار ساخن يصل أحياناً إلى درجة الغضب تجاه مناهج التعليم، ويدخل ذلك الهيجان في فكر الوصاية الذي تجيدها بعض التيارات، والذي عادة ما تكون الجسر لإعداد دفعات جديدة من خريجي ثقافة العنف المبرمج ضد المجتمع.

ويبدو أن الأحداث الجسام الذي يمر فيه المجتمع العربي هذا العام قد فرضت بخطابها المدني الخروج غير المشروط من ثقافة العنف والكراهية، والإعلان عن دخول مرحلة جديدة تحترم ثقافة التعبير وحقوق الإنسان بغض النظر عن لونه وعرقه وجنسه، ولعل المحرض الأكبر لخطاب الترهيب هو سيطرة الخطاب الجنسوي على عقول البعض، والذي يرى الخطيئة من خلال جنس الأنثى، وليس من كونها أنساناً يتحمل تبعات أخطائه مثل الذكر. يخطئ كثيراً من يعتقد أنه يستطيع أن يدير المجتمع عبر الصراخ خلف الميكروفون أو بيانات التفسيق والتكفير وغيرها، وقد حان الوقت لتصحيح المسار، وأن يدركوا أن أساليب الوعيد والترهيب والغليان والغضب تولد النفور والعنف والانقسام، وأن يعلموا أن الحوار سيكون أكثر تأثيراً من خلال التفكير المدني والعقلاني المستنير والخالي من التشنج والعصبية، على أن يقوم منظرو التيار الديني بمختلف أطيافه بمراجعة ظاهرة صعود تيار القاعدة وجذورها في المجتمع المسلم وعلاقتها بخطابات الغضب والاحتقان، وأن يتعلموا الدروس المستفادة من الحراك المدني المسالم.

 

بين الكلمات
العنف قبل وبعد أسامة بن لادن
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة