Friday  13/05/2011/2011 Issue 14106

الجمعة 10 جمادىالآخرة 1432  العدد  14106

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لا شك أن الأمر الملكي الخاص بالمطبوعات محل التقدير والامتثال، فهو صادر من أعلى جهة في الوطن ومحتوٍ كافة الأبعاد في الصالح العام، ولا شك أيضاً أن الإعلاميين وكُتَّاب الصحف الورقية والإلكترونية سعداء ويسعدون بكل خطوة جديدة نحو تنظيم وتطوير العمل الإعلامي، ليكون أكثر قدرة على خدمة المجتمع والوطن والأمة.

وإذا كانت الحرية المطلقة هي عدو للإنسان، فإن ضبطها وتنظيمها بالتأكيد يصب في مصلحة الإنسان وحمايته، ولكن القضية في الواقع هي في درجات هذا الضبط وآلياته، وقد بيَّن معالي وزير الإعلام عن توجه الوزارة لإصدار توضيحات لنظام المطبوعات، وتأكيده على أن التعديلات الأخيرة تخدم مبدأ حرية الصحافة بشكل أفضل ولا تعطي لأحد حصانة بأن يكون فوق النقد، والذي فهمته في مجمل كلمته أثناء مشاركة معاليه في منتدى الغد أن النقد الخارج من سعة الرأي والفكر إلى ضيقه الشخصي والفئوي أمر يجب تجاوزه لأنه في الأصل لا يخدم الصالح العام، وهذا صحيح ولا يختلف عليه أحد، إلا أولئك الذين يفتقرون إلى الحجة والمنطق، فيلجؤون إلى الهروب نحو المهاترات الشخصية والتي تحول النقد إلى مبارزة، وفي العادة تنتهي المبارزات بتجاسر فريق على فريق، ولأننا نتحدث عن فكر فإننا نتجاوز الأفراد إلى الجماعات والتيارات، فيُقال إن التيار الفلاني همّش التيار الآخر وتبدأ التحزبات المؤيدة والمعارضة، حتى ليبدو المشهد أننا أمام تصدع في المسار العام للمجتمع، وهذا بالتأكيد ما يجب أن يتوقف ويحكم بضوابط، أما النقد البناء فنتائجه تؤثر في السلوك والفكر الاجتماعي ويساعد في تصحيح الأفكار وبلورة الرؤى المغلوطة، ويكشف السلبيات والقصور الذي يظهر بطبيعة الحال نتيجة الحركة والتطور, وهذا فعلاً ما نحتاجه ونريده بأكبر مساحة من الحرية والحماية.

وقد كانت المدرسة الاشتراكية في مجال حرية الصحافة والرأي والفكر إبان عهد الاتحاد السوفييتي فائقة الجودة والمهارة في تزوير السلبيات والمآسي حتى سقط الاتحاد السوفييتي وتمزق، وكانت وما زالت المدرسة الرأسمالية الغربية في نفس المجال تملك القدرة الهائلة على خلق الأولويات والقيم وتسويقها اجتماعياً، بل وأحياناً تتجاوز وتتعدى محيطها الاجتماعي لتؤثر في شتى بقاع الدنيا، أما في عالمنا العربي أو النامي فإن حالة من الكر والفر المستمر بين الصحافة والأنظمة السياسية جعلت حرية الصحافة والرأي والفكر مثل شحنات الكهرباء المتقطعة التي تضيء وتنير قليلاً ثم تنطفئ، مما يحتم ويضطر بعض الكُتَّاب إلى الاستعانة ببصائرهم لا أبصارهم لتلمس أرقى الأساليب الإبداعية في إيصال الفكر والرأي دون حاجة لمواجهة الكشافات الضوئية وآلات التحسس والاستشعار, وقد تكون هذه فرصة للإبداع اتباعاً لمقولة رب ضارة نافعة، لكن ذلك على كل حال يعطل حركة التقدم والتطور في الوعي الاجتماعي في هذه الدول التي لم يستطع أيٌ منها الرقي والتحول إلى مرتبة قريبة من مصاف الدول المتقدمة أو دول العالم الأول.

وإذا كان التنظيم والضبط في أي شأن هو أس النجاح الأول فإن آليات هذا التنظيم والضبط هو عمود وقاعدة هذا النجاح، والآلية هنا في اعتقادي هي (الفهم المتجانس) بين الضابط والمضبوط لغايات وأهداف هذا الضبط، وهذا يتطلب توافقاً على الغايات والأهداف بين أطرافه لكي نضمن نجاحه، فلا حدود لما نريد ولكن هناك حدوداً لقدراتنا على تحقيق ما نريد، وإذا أردنا مساراً صحيحاً وقابلاً للتطور والتقدم فيستحسن أن لا نتجاوز قدرتنا وإمكانياتنا في تحقيق ما يجب أن نحققه، ليس في الإعلام والمطبوعات فقط، فهذا جزء صغير جداً ضمن إطار عام أكبر وأوسع، بل هذا أشبه ما يكون بالصوت لكائن يرغب في النمو والتطور، وأعني أنه يستحسن بنا أن لا نتوقف عند الصوت، بل علينا أن نوفر لهذا الكائن أو الكيان مساره العام للتطور والتقدم عبر إستراتيجية متكاملة، لكي يكون الصوت أو الإعلام خادماً ومساعداً له، وعندها فقط ستكون الضوابط واضحة وجليه للجميع، وبهذا نحدث بهذه التعديلات نقلة وتحولاً في الحراك الفكري إلى أفق أرحب وأوسع، تحكمه إستراتيجية عامة للمسار وليس اجتهادات أو تفسيرات - وإن أخلصت - لا تستند على رؤية عامة بل إلى رؤى متعددة قد لا تتفق بعض الأحيان مع بعضها إن لم تتعارض، وهنا بالذات يصبح كاتب الرأي أو الناقد في حالة من الانفصام الفكري بين منطق الصدق والإخلاص حسب فهمه وبين طبيعة فهم الآخر لماهية الصدق والإخلاص حسب الواقع المعتاد.

hassam-alyemni@hotmail.com
 

الفهم يؤمِّن سلامة النقد والرأي
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة