Friday  13/05/2011/2011 Issue 14106

الجمعة 10 جمادىالآخرة 1432  العدد  14106

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

حليب الخواجات!
فوزي صادق

رجوع

 

يعيش الإنسان في دورة حياته على غذاءين ويتكئ عليهما، هما غذاء الروح وغذاء الجسد، ولهما معاً قنوات عدة متصلة بنوافذ عدة تطل على العالم الخارجي لروح وجسد الإنسان، ومنها نافذة العين والأذن والفم والأنف. بالنسبة للفم فهو النافذة المهمة لقناة الجسد اللوجستية الملموسة، ومن خلاله يتم استمرار اللقيم الغذائي للإنسان منذ ولادته حتى يغادر هذه الدنيا. وأهم تلك الأغذية (الحليب)، الذي يبدأ به أول رشفة يتجرعها كهدية لدخوله عالم الدنيا. وحليب الأم سيدي القارئ غني عن التعريف بما يحتويه من قيمة غذائية متكاملة. وبما أن حليب الأم يحتوي على كمية قليلة من الحديد بسبب هبوط نسبته أثناء الحمل وتكوين بنية الطفل أودع الله سبحانه وتعالى في كبد الرضيع كمية محسوبة ربانياً من الحديد تكـفيه منذ ولادته حتى يبلغ ستة أشهر، إذ سيعتمد مستقبلاً على اللقيم الخارجي المساعد لحليب الأم الموجود في بعض الأغذية الغنية بالحديد.

لقد أثبت العلماء أن الرضيع سريع التأثر بالأغذية الروحية والجسدية المحيطة به قبل وبعد الولادة، حتى وإن كانت موجات صوتية تصطدم ببطن وطبلة أذن الأم؛ إذ تترجم بلغة الشفرات الكهربائية، التي تصل إلى المشيمة مع قناة الحبل السري كما تسمى، ومن تلك الأصوات المؤثرة الإنصات للقرآن الكريم أو الاستماع للموسيقى الكلاسيكية أو الصاخبة.. إذ إن الطفل يستطيع أن يسمع ويستمع ويحلل ويتأثر بما يدور حوله أثناء الحمل.

الآن سنتحدث عن قصة الحليب المجفف المستورد الذي أصبح أهم لقيم في تكوين حياة الإنسان العربي!

اخترع ميخائيل جابلر الحليب المجفف (الصناعي) عام 1858م، من مدينة أبركرنيزبورغ، ثم طوّره الخبير الغذائي السويسري هنري نستل (Henri Nestle) عام 1860م ليستخدم حليباً للرضع بسبب ارتفاع نسبة الوفيات بين أطفال سويسرا، خاصة بدور الأيتام والمصحات الدينية.. وتحتوي مكونات الحليب المجفف على (حليب الأبقار) وحبوب تسمى فارين لاكتي (Farine Lactee)، ولقد شاع استخدامه من قِبل الأمهات في أوروبا أولاً ومن ثم أمريكا، وقد اقتصر استخدامه للمرضعات فقط، اللاتي يشتكين من ضعف في البنية الجسدية، أو نقصاً بالمغذيات اللامتوازنة بمكونات الحليب الغني، وفي ظل انتشار الأمراض المعدية والأوبئة الفتاكة، وكذلك استهلاك الحليب لليتامى والمنبوذين، الذين يصل عددهم لملايـين عدة.

بعد الحرب العالمية الأولى انشغلت المرأة الأوروبية والألمانية خاصة بدخول معترك الصناعة والتطوير الحربي الإجباري، وبات لزاماً عليها ترك أطفالها، وعلى أقربائها إرضاع طفلها حليباً مجففاً؛ ما حدا بهذا إلى مضاعفة كمية إنتاج واستهلاك الحليب المجفف، ومع مرور الزمن وانتهاء الحروب اقتصر الحليب المجفف على الرُّضع مشغولي الأبوين.. ومع بداية الستينيات غزا حليب الأطفال المجفف العالم العربي، لكن في بداية الأمر لم تعره المرأة العربية أي انتباه!؛ لأنها - وبكل بساطة - تهتم بتغذية ابنها طبيعياً؛ حيث في زمانهم لم تكن تُعرف ثقافة الإرضاع الصناعي للأطفال العرب، ويعزو هذا إلى امتلاء صدر الأم العربية بالحليب الطبيعي أيام وفرة الأغذية الطبيعية الخالية من المواد الحافظة والمنكهات، ويغني الحليب الطبيعي ويبطل التيمم بالحليب الصناعي.

في هذا الزمان، ومع الأسف، أصبحت الفتاة العربية، وفي الأسبوع الأول للولادة، ومع أول لقاء لها مع دكتور الأطفال، تفكر باسم وشكل حليب البودرة الذي سيلقّم ابنها الجديد! الذي سيعبئ الفراغ الموجود في حقيبتها الكبيرة التي ستحملها وسيشاهدها من حولها بوصفه نوعاً من الديكور والبرستيج الشكلي الجديد!.. مع مرور الوقت سينمو جسد الطفل وسيتغذى مع البودرة جسدياً، ومشاهدة الأفلام الكرتونية (السيئة) روحياً! فيكبر ويكبر حتى يتطور غداؤه ويأخذ شكلاً آخر، ويصبح جانك أو فاست فود (الأكلات السريعة) جسدياً، ومشاهدة الأفلام الانفتاحية والكمبيوترية روحياً!

إذاً أحبتي القراء العـرب، رضينا أم أبينا، اكتشفنا حقيقة واحدة لا مفر منها، هي: إن مصانع حليب بودرة الخواجات الموجودة في الغرب أمهات لأبنائنا (بالرضاعة)، ومن ثم سيعيش ويترعرع الطفل حتى يصبح شاباً ومن ثم رجلاً، وسيتغذى روحياً وجسدياً بين أحضان مطاعم الفاست فود ووسائل الاتصالات الحديثة التي صنعها (الخواجات) !.. أنا هنا لا أرفض الدخول والانغماس في معترك الحياة الحديثة مجملاً أو مقاطعة الحليب المجفف، أو الامتناع عن مشاهدة أفلام الكارتون والعيش في صومعة بعيدة وخالية من حياة تمدن الرجل الغربي، لا البتة.. بل أدعو إلى مراقبة تلك الأغذية بنوعيها روحياً وجسدياً، وأن تكون خاضعة لإشراف الأبوين، وخاصة الأم، ومع بداية حضانة الطفل الأولى، ويجب ألا ننسى أن ما يدخل أجسامناً وأرواحنا سيؤثر مستقبلاً في تكوين أخلاقنا وسلوكنا ونتيجة عيشنا؛ فالكل هنا مسؤول ويتحمل نتائج التقصير في مسؤولياته، وكما علمنا وأدبنا المعلم الكامل لمكارم الأخلاق محمد بن عبدالله عليه وآله وصحبه الكرام أحسن الصلاة والتسليم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

alholool@msn.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة