Monday  16/05/2011/2011 Issue 14109

الأثنين 13 جمادىالآخرة 1432  العدد  14109

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

 

في بيان ونصيحة إزاء ما يجري في بلاد المسلمين من أحداث.. سماحة المفتي:
حريصون على أن يلتم شمل المسلمين وتجتمع كلمتهم على الحق

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الجزيرة - واس

وجَّه سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء نصيحة إزاء ما يجري في بلاد المسلمين من أحداث، ضمَّنها دلائل، أولها الاعتصام بالكتاب والسُّنة؛ لأن فيهما الفوز والنجاة والمخرج من ورطات الدنيا والآخرة. وسأل الله سبحانه وتعالى أن يعم الخير والسلام والاستقرار أوطان المسلمين، وأن يحقق للمسلمين جميعاً تآلف قلوبهم واجتماع كلمتهم وصلاح أحوالهم.

وفيما يأتي نص بيان ونصيحة سماحته:

من عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ إلى مَنْ يراه من المسلمين - وفقهم الله لمرضاته.

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. أما بعد:

فنحمد الله - عز وجل - الذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، وكان قد بُعث إلى ذوي أهواء متفرقة، وقلوب متشتتة، وآراء متباينة، فجمع الله به الشمل وألَّف به بين القلوب، وعصم به من كيد الشيطان. وما جمع الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم شمل العباد بقوة سلطان، ولا حد سنان، ولكن بالرحمة التي ألَّفت بين القلوب وألانت الأفئدة؛ لتتخذ الأمة بعده هذا الطريق سبيلاً رشداً، عنه لا تحيد، قال جلّ ذكره: {فَبِمَا رَحْمَة مِّنَ اللّه لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران. ومن منطلق هذه الرحمة وبمنطقها، ولأن «الدين النصيحة» كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، فنوجه وننصح؛ لعلّ الله تعالى ينفع به من بلغه من المسلمين والمسلمات؛ إذ ونحن نتابع ما يجري في بلاد المسلمين من أحداث عزيز علينا ما يصيبهم من عنت، حريصون على أن يلتم شملهم وتجتمع كلمتهم على الحق، يسّر الله ذلك في القريب العاجل، ودفع عن المسلمين مضلات الفتن. وعلى وفرة هذه الإشكالات، وتفاقم تلك الأزمات، فقد لاحظنا ولاحظ كل غيور مهتم بشأن أمته أنه حدثت فتن في تضاعيف هذه الأحداث تحاول أن تذكي النعرات التي تفاقم الأوضاع سوءاً، وتمكّن للأعداء من استغلالها واستخدامها لأغراضهم السيئة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم. ولأجل ذلك اجتهدنا ونصحنا لنضع بين يدي إخواننا هذه الدلائل؛ لعلها تكون منارات ترشد إلى الخلاص والسلامة بإذن الله تعالى من الفتن، وتبين المنهج الشرعي في التعامل معها، وإلى الله جلّ وعلا المرجع والمآل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. فمن أولى تلك الدلائل التي لا مندوحة للمسلم عنها الاعتصام بالكتاب والسُّنة؛ إذ فيهما الفوز والنجاة والمخرج من ورطات الدنيا وهلكات الآخرة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّه وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّه يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه وَأَنَّه إِلَيْه تُحْشَرُونَ} (24) سورة الأنفال. ومتى ما حصل إشكال أو خلاف فإن مردّ الفصل في ذلك إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال جل وعلا: {فَإِن تَنَاَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوه إِلَى اللّه وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء. وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله بالرد إلى الكتاب والسُّنة، وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأُخوَّة الدين. والواجب على العلماء توجيه عامة الناس بالجُمَل الثابتة بالنص والإجماع، وترك الخوض في التفصيل الذي ينشر بينهم الفُرْقة والاختلاف. ومن تلك الدلائل: الرجوع فيما أشكل، ولاسيما حين أوقات الفتن، إلى الراسخين في العِلْم الصادقين في الدين الذين يعرفون المُحْكم من المتشابه، كما جاء عنهم في قوله سبحانه {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْه آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَه مِنْه ابْتِغَاء الْفِتْنَة وَابْتِغَاء تَأْوِيلِه وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَه إِلاَّ اللّه وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (7) سورة آل عمران، والرد إلى الراسخين في العِلْم، ولاسيما في حال الفتن، ليس اختياراً، من شاء أخذ، ومن شاء ترك، بل هو فريضة شرعية يأثم المتهاون بها، قال تعالى {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِه وَلَوْ رَدُّوه إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَه الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُه لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) سورة النساء. ومن تلك الدلائل: أن كل عاقل يدرك أن اجتماع الكلمة على قيم الحق والعدل وإدارة الحوار والتفاهم بأسلوب حكيم وعاقل حول نقاط الاختلاف هو الذي يبني الأوطان ويُعلي من مكانتها بين الأمم، وأن إحالة الاختلاف إلى ميدان للنزاع والشقاق يهوي بها مهما كانت، ويجعلها حرباً لأنفسها وهلاكاً لبعضها بعضاً، قال تعالى {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (46) سورة الأنفال. ومن الحيطة والحذر البُعد عن كل ما يفضي إلى الفُرْقة والاقتتال، ومن ذلك ما يحصل منبعض المجادلات العقيمة التي تثير الشحناء والبغضاء، فقد كره النبي صلى الله عليه وسلم من المجادلة ما يفضي إلى الاختلاف والتفرق، فخرج على قوم من أصحابه وهم يتجادلون في القدر فكأنما فُقِئ في وجهه حب الرمان وقال: «أبهذا أُمرتم أم إلى هذا دعيتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض» قال عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: فما أغبط نفسي كما غبطتها ألا أكون في ذلك المجلس. روى هذا الحديث أبو داود في سننه وغيره، وأصله في الصحيحين. ومما ينبغي أن يحتاط له الأخذ على يد من يريد إذكاء النعرات التي تضرب وحدة الأوطان وتشحن النفوس وتشحذها نحو الفتنة والفُرْقة، سواء كان ذلك بدعوات مضللة أو بشائعات كاذبة مغرضة أو بضرب وتفجير وحرق دور العبادة التي لها اعتبارها، والله سبحانه يقول: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّه النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّه كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّه مَن يَنصُرُه إِنَّ اللَّه لَقَوِي عَزِيزٌ} (40) سورة الحـج، ولا شك أن التعرض لدور العبادة هو من أخطر الأعمال التي قد تفاقم الأوضاع وتثير الفتنة، والله تعالى يأمر بالإصلاح وينهى عن الإفساد، قال سبحانه: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} (85) سورة الأعراف، وقال جل وعلا: {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (60) سورة البقرة، وليس من شريعة الله إثارة الفتن والنعرات والحروب بل هي من شريعة أعدائه المفسدين الذين يريدون للبشر الدمار والخراب قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّه وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّه لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (64) سورة المائدة، وينبغي أن يتفطن الجميع إلى ما يراد لمنطقتنا من مخططات ترمي إلى تحريك النعرات الطائفية والمذهبية عبر الإساءة للرموز أو التهجم على دور العبادة؛ ليتحقق للأعداء ما يريدون من إنهاك القوى وتدمير مقدرات الدول {وَاللّه غَالِبٌ عَلَى أَمْرِه وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (21) سورة يوسف. وليحذر الجميع من أن يتجاوزوا على مكتسبات أوطانهم ومقدرات شعوبهم فيكونوا مثل أولئك الذين نعى الله عليهم تخريب بيوتهم بأيديهم قال سبحانه: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعَْبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (2) سورة الحشر، وقد أُمرنا بأن نعتبر هذه الحال؛ حتى لا نقع في مثلها. ولنذكر جميعاً قيم العدل حتى لا نظلم، وحرمة الاعتداء حتى لا نتجاوز، وشناعة البغي حتى لا نجور، قال سبحانه: {إِنَّ اللّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (90) سورة النحل، وقال جل ذكره {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّه لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (87) سورة المائدة. نسأل الله تعالى أن يعمَّ أوطان المسلمين الخير والسلام والاستقرار، وأن يحقق للمسلمين جميعاً تآلف قلوبهم واجتماع كلمتهم وصلاح أحوالهم، إنه جواد كريم، كما نسأله سبحانه أن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأن يديم عليها نعمة الاستقرار والنماء والرخاء، ويزيدها من واسع فضله، وهو المسؤول سبحانه أن يوفِّق ولي أمرنا لما يحبه ويرضاه ويحفظه ويتولاه برعايته وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني. والحمد لله رب العالمين.

المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة