Tuesday  17/05/2011/2011 Issue 14110

الثلاثاء 14 جمادىالآخرة 1432  العدد  14110

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

دوليات

      

الرأي العام الأمريكي شديد التفاعل مع الأحداث سلباً أو إيجاباً. فالرئيس يُحكم عليه، ولو على المدى القصير، من نجاح أو فشل من خلال عملية محدودة. فبعد أية عملية تكون مسبباتها محركة للرأي العام، تبدأ مراكز القياس عملها وتخرج بأرقام كاسحة في أحد الاتجاهين. الرئيس كندي وأزمة الصواريخ الكوبية والرئيس جونسون والحرب الفيتنامية، مثالان في هذا المقام. يومها كان باستطاعة الرئيس كندي أن يقول فيُسمع ويطلب من الكونجرس فيوافق، في حين كان الرئيس جونسون مادة للسخرية.

إننا الآن أمام حالة من هذه الحالات، فقد حقق الرئيس أوباما نجاحاً باهراً في أمر شغل تفكير المواطن الأمريكي لسنوات أصبح خلالها القضاء على ابن لادن هدفاً قومياً يبحث تحقيقه عن بطل.

لكن هل يستثمر هذا البطل هذا النجاح، أتمنى ذلك، وأتمنى أن يطلب من أحد كتاب خطاباته أن يعد له خطاباً يلقيه على الشعب الأمريكي يستعرض فيه أسباب تكون البيئة التي فرخت ابن لادن والتيارات المماثلة وكيفية القضاء على تلك البيئة وعكس اتجاه المد الذي أنتجته. ويقول فيه:

...... نحن أمة قامت على المبادئ والأخلاق والعدل وحق الإنسان في العيش الكريم، نحن أمة ترفض الظلم والقهر وتدعم حق الشعوب بالعيش على أراضيها محفوظة الكرامة، نحن أمة تلتزم بالقوانين الدولية وتصر على أن يتلزم بها الآخريون، كما تصر على تنفيذ قرارات الأمم لمتحدة وتمقت إنكار حق اللاجئ في العودة إلى وطنه وأرضه وترى في ذلك تعارضاً مع قيمها وأخلاقها ومع أبسط القواعد التي قامت عليها.

لقد تابعتم الإنجاز الكبير الذي تحقق بتصفية زعيم القاعدة، ويمكننا الآن أن نأمل بعالم أقل عنفاً. لكن حتى لا تعود البراعم إلى النمو ووصولاً إلى القضاء على شجرتها، لابد من دراسة تلك البيئة التي فرخت ذلك العنف، لماذا نشأت؟ وكيف نجهض أي تيار مماثل؟ ونسحب البساط من تحت أقدام بقية الفلول.

لم يكن بيننا وبين أبناء الأمتين العربية والإسلامية تاريخ مشترك قبل وخلال قيام تلك الدول مع مطلع القرن العشرين، ولم نكن قوة استعمارية بالنسبة لهم، ولم نشارك في اتفاقيات أدت إلى تمزيق بلدانهم وقهر شعوبهم مثل اتفاقية سايكوس -بيكو ووعد بلفور، ولم نكن الدولة التي كانت السبب في تفريغ بعض أقطارهم من أهلها وإحلال غيرهم محلهم.

ومن جانبهم كانت حسن النية تجاهناً في ذلك الوقت واضحة، وليس أدل على ذلك من مقر مقررات مؤتمر يافا في فلسطين عام 1919م، الذي طالب بالاعتراف باستقلال سوريا الكبرى (سوريا وفلسطين ولبنان والأردن) ووحدتها، وإن كان لابد من وجود قوة انتداب فإن المؤتمر يأمل أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي تلك القوة. لقد أحسنوا الظن بنا.

إذاً ماذا حدث؟ لابد أن أحد الطرفين لم يوفق في تعامله مع الطرف الآخر. هم أمة ضعيفة ليس بمقدورهم التأثير في سياساتنا وقراراتنا، بل إنهم أمضوا وقتاً ليس بالقصير يخطبون ودنا، وعندما ظهرت مؤشرات الثروة البترولية في بلادهم اختارونا على غيرنا، رغم الضغوط التي مورست عليهم. كما أن دول مجلس التعاون العربية وجهت أجيالاً من أبنائها للدراسة في بلادنا، اقتناعاً منهم أننا الأفضل. تلك الأجيال هي الآن في موقع القيادة في تلك الدول، وهي حريصة جداً على وجود علاقة مميزة مع الولايات المتحدة. ولعلنا نلاحظ الاعتدال في مواقفها وتعاملها بعقلانية مع سوق الطاقة ورفضها تركه يتجه إلى الفوضى، وهي دائماً تتدخل في الوقت المناسب وتكبح جماح الأصوات التي تسوق السوق إلى تلك النهاية، وتعمل جاهدة لإقناع الجماهير العربية أن الأمل في موقف أمريكي معتدل تجاه قضيتهم المركزية -قضية فلسطين- ولا يزال موجوداً.

على الجانب الأمريكي.. إننا هنا نحتاج إلى وقفة مصارحة وقدراً من الشجاعة. لقد ورثنا نتاج حقبة استعمارية، في تلك المنطقة، لم يكن لنا يد فيها، ولكننا تبرعنا لدفع ثمن أخطائها. كان قدرنا، كقوة عظمى صاعدة، أن نتعامل مع إفرازات اتفاقيات مجحفة كان الغائب عنها هم أصحاب الشأن، ووعود سلبت حق شعب وأعطته لشعب آخر. كان علينا أن ندرك أن بيئة مثل هذه لا يمكن أن يكتب لها الاستقرار، وَتَبَني المخطط الذي وضعته القوى الأوروبية المستعمرة لن يجلب إلا الكره للوارث.

وجاء عام 1948م.. وقال الرئيس ترومان إنه لم يتعرض في حياته لضغوط مثل تلك التي تعرض لها للاعتراف بإسرائيل. وهذا مؤشر على أن الرئيس لم يكن مقتنعاً بقراره لكن خضوعاً للضغوط. وهنا بدأ المستقبل يكتب، لكن بقلم الضغوط، وعرضت المصالح الأمريكية للخطر بسبب الضغوط، وتركت المبادئ والقيم الأمريكية جانباً بسبب الضغوط، وتشوهت الصورة الأمريكية في عيون بليون وربع البليون مسلم بسبب الضغوط، وأصبح مجرد إبداء رأي لا يرضي إسرائيل غير ممكن بسبب الضغوط، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد الحقوق الفلسطينية أكثر من 30 مرة بسبب الضغوط، ودمرت دولٌ لمجرد الشك في نواياها تجاه امتلاك أسلحة دمار شامل، أما الترسانة الإسرائيلية فالكلام فيها محرم أيضاً بسبب الضغوط.

إن من المحرج أن ينعت الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال بالإرهابي، في حين يعتبر قائد مثل الجنرال ديجول بطلاً قومياً لأنه قاوم الاحتلال الألماني، وهو فعلاً بطلاً قومياً.

إن أمة عظيمة مثل أمتنا تستحق سياسة خارجية في الشرق الأوسط أفضل مما هي عليه الآن، سياسة تستند إلى عظمتها ومسؤولياتها كأكبر قوة على وجه الأرض، وعلى قيمها، وإعطاء الأولوية لمصالحها، والشجاعة في قول الحق. وأي نجاح نحققه في هذا المجال يعني خطوة مهمة على طريق التخلص من تلك البيئة التي أفرزت ابن لادن وأمثاله.

انتهى مشروع الخطاب المقترح الذي لا أعتقد أن الرئيس أوباما سوف يلقيه، لكن ما دفعني إلى هذا الطرح هو عشمي برجل عظيم أوصله ذكاؤه الخارق من أقصى الصفوف الخلفية إلى تبوء أهم وظيفة تحت الشمس، عسى أن يستطيع استثمار هذا النجاح. مع قناعتي بما ذهب إليه السيناتور بول فندلي في كتابه (من يجروء على الكلام).

abdullah.a.alrshaid@gmail.com

 

بعد تصفية ابن لادن.. ألا يستثمر أوباما شعبيته؟
عبدالله بن عبدالعزيز الرشيد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة