Wednesday  18/05/2011/2011 Issue 14111

الاربعاء 15 جمادى الآخرة 1432  العدد  14111

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قبل فترة ليست بالقصيرة كتبت مقالة بعنوان (الباحث الشحاذ) على صدر صفحات هذه الجريدة الغراء، تطرقت فيها إلى الواقع المرّ الذي يتكبده الباحث من أجل الحصول على المعلومة من هذا المؤسسة أو تلك؛ حيث يجد نفسه طارقاً لأبوابها عامها وخاصها راجياً أن يلقى من يمده بمعلومة ينبغي أن تكون متاحة للجميع، ولكنها في معظم الأحيان

تُحاط بسرية تامة؛ ولذا يتطلب الحصول عليها لباس جلباب الشحاذة والاستجداء، بل والارتكان على العلاقات الشخصية. وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل إن معظم الإدارات الحكومية تضع العراقيل الواحدة تلو الأخرى أمام الباحثين الذين ينشدون بها توثيق رؤاهم بمعلومات ذات مصدر يعتد به ويعتمد عليه، ولا يقل عن ذلك جوراً عدم تسهيل مهمة الباحث، وكذلك الريبة في دافعه من جراء القيام بدراسته وأنه أقرب إلى العمل ضمن أجندة خفية. وشجعني للعودة مجدداً لطرق الموضوع ذاته لوم معالي وزير الاقتصاد والتخطيط عقب حضوره ملتقى جودة المعلومات والذي نظمته مؤخراً الغرفة التجارية الصناعية بالرياض الأجهزة الحكومية عدم إصدار معلوماتها، والانعكاس السلبي لذلك المؤدي لتعثر في المشاريع، وتأخر في تنفيذ الخطط التنموية.

ولعلي كمدخل لمناقشة مستفيضة حول هذه الموضوع أبدأ بسرد مقتضب لتجربة شخصية مريرة قريبة الحدوث زمانياً ومكانياً، حيث إنني كنت أبحث عن معلومة إحصائية عن عدد الممارسين لمهنة ما في أحد الوزارات، وطرقت أبواب المسؤولين واحداً تلوم الآخر، ثم لجأت لأحد الزملاء الذي على علاقة مباشرة بالمسؤول الأول بمركز البحوث والدراسات في تلك الوزارة وكانت المفاجأة أنه سيقوم بمخاطبة قسم الإحصاء رغبة منه بتزويده بحصر إحصائي معتمد للأعداد المطلوبة على أنه طلب شخصي لمركزه وليس لأن باحثاً بحاجة إلى تلك المعلومة من مصدرها الرسمي، وبالرغم من ذلك لم يحصل هو ولا أنا عن المعلومة المطلوبة لعدم توفرها بالدقة المطلوبة. وأعتقد أن هذه الوضع الممارس على نطاق عريض في مؤسساتنا يتصادم مع عصر الثورة المعلوماتية، واقتصاد المعرفة القائم على توافر المعلومة ودقتها، وشموليتها وآنيتها، وبخاصة أن الحصول على معلومة ذات علاقة بمشكلة، أو ظاهرة اجتماعية، أو ثقافية، أو سياسية، أو في أي مجال آخر يقود في نهاية المطاف إلى تسهيل الحصول على حلول مناسبة لها نظراً لمعرفة أبعادها، ومسبباتها، ومدى انتشارها بشكل دقيق. كما أن ذلك يجعل صاحب القرار أمام تصور كامل عن حجم التوجه، أو المشكلة مما يجعل ما ينوي الإقدام على اتخاذه من قرار أقرب لأن يكون حليفه الصواب والسداد. كما أن تيسير الحصول على المعلومة من مظانها يقطع الطريق على ذوي الأهواء الفاسدة الذين يتحينون الفرصة لرسم تصور يخالف واقع الأمر وحقيقته من خلال طرح أرقام ومعلومات غير دقيقة مبنية على الحدس والتخمين، وقبل ذلك وبعده تجعل الباحث يتردد في الإقدام على إجراء دراساته وبحوثه نظراً لمعرفته المسبقة بعدم تمكينه من الحصول على المعلومة الرسمية مما يفوّت على المجتمع الاستفادة مما يمكن أن يطرحه الباحث من رؤى وتصورات وحلول لقضايا مجتمعة بحاجة ماسة للحل. وإضافة إلى ذلك كله فإن شح المعلومة والحيلولة دون الحصول عليها بيسر وسهولة يجعلنا قاصرين عن فهم كثير من القضايا التي تواجه المجتمع، وترك مشكلاتنا تتراكم ومن ثم يتم وضع تحت ضغط الحاجة الآنية حلول خاطئة لها، وربما وقتية.

وبالعودة مجدداً إلى كلام معالي وزير الاقتصاد والتخطيط الذي أشار فيه إلى أنه من ملامح خطة التنمية الثامنة والتاسعة العمل على زيارة وتيرة النمو في قواعد البيانات، وتوفير مؤشرات إحصائية في القطاعين العام والخاص ولمختلف مناطق المملكة. وفي ظني أن ذلك لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع من دون القيام بعدد من الإجراءات التي سوف تسهم في تسهيل مهمة الباحث في الحصول على المعلومة والرقم ومنها لإيجاد مراكز للبحث العلمي ولاستطلاع الرأي، وبيوت الخبرة، والعمل على نشر الوعي بأهمية العمل الإحصائي والاستطلاعي، وفي الوقت نفسه أهمية الالتزام بأخلاقية استخدام المعلومات والبيانات، وكذلك الأرشفة المعلوماتية، وبخاصة في الدوائر والمؤسسات الحكومية، وإيجاد معايير واضحة لتصنيف سرية المعلومات.

والأمر نفسه يسري على إيجاد تنظيم يؤطّر للكيفية التي يتم بها جمع المعلومة المطلوبة، ووضع معالم وحدود يلتزم بها الباحث في معالجته للموضوع، وتدريب الباحثين على البحث والاستقصاء المنهجي، وإيجاد قواعد بيانات للبحوث والدراسات في فروع المعرفة المختلفة، وفي مختلف القطاعات. كما أننا بحاجة ماسة إلى إرساء نظام وطني للمعلومات، ودعم البنية والتجهيزات الأساسية للمعلومات، وأدوات البحث ومستلزماته بما في ذلك أدوات استرجاع المعلومات المتمثلة في الكشافات، والفهارس، والأدلة والببليوجرافيات. وأيضاً ينبغي أن يكون هناك توجه لتسهيل الاتصال المباشر بقواعد المعلومات المحلية والخارجية. وكل ذلك يمكن أن يتم من خلال إيجاد مؤسسة أو هيئة بحثية تضطلع بهمة التخطيط، والتقويم، ورسم السياسات العامة، ومعالجة الصعوبات إن وجدت، وإيجاد قنوات للتعاون والتنسيق مع جهات مماثلة.

إذاً نحن بحاجة مساة إلى التحرك بوتيرة متسارعة من أجل قلب المجن وعكس تيار هذا المنحى الذي لا يتواكب البتة مع متطلبات التطور الحضاري الراهن؛ وذلك يتطلب التحرك في مسارين متلازمين لا يمكن الفصل بينهما بحال. نحن بحاجة إلى تكوين بنية معلوماتية قوامها الجودة، والكفاءة، والجدة، والشفافية، وكذلك تبني سياسة تسهيل مهمة الباحث، وتذليل ما قد يعترض مسيرته البحثية من عقبات، وتزويده بما يحتاجه من معلومات تكون رافداً وداعماً لما يحمل في جعبته من آراء وأفكار ذات مساس بهذه القضية، أو تلك يستوي في ذلك من يجري بحوثاً تطبيقية، أو ذات طابع أكاديمي كي يقف على الحقيقة للمشكلة التي يبحثها الأمر الذي ينعكس بالإيجاب على مجالات التنمية المتنوعة، وتحقيق درجات متقدمة في الرخاء والازدهار، وتنفيذ خطط وبرامج تنمية المجتمع، وتحسين مستوى المعيشة التي ينشدها المواطن؛ نظراً لاستغلالنا وتوظيفنا الإيجابي بهذا المسلك لمورد بشري يقوم بدراسة الوضع الراهن واستقصائه، وتقديم الحلول الناجعة تجاه قضايا وأنشطة المجتمع المتعددة المشارب .

alseghayer@yahoo.com
 

الباحث الشحاذ مرة أخرى
د. خالد محمد الصغيِّر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة