Thursday  19/05/2011/2011 Issue 14112

الخميس 16 جمادى الآخرة 1432  العدد  14112

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لم يكن الإرهاب - يوما -، طريقا إلى إصلاح مشكلات سياسية، أو أوضاع اقتصادية، أو قضايا اجتماعية. فأزمة الإرهاب الفكري، تأسست على خلفيات دينية، وثقافية، واجتماعية متطرفة، لعبت دورا كبيرا في وجود هذه الظاهرة، والتي قطعت العلاقة مع

الكون، والتاريخ، والذاكرة، والإنسان. بعد أن سلبت عقول المتطرفين، ولوثت عقيدتهم، وأفسدت سلوكهم، وأصبحوا أداة في أيدي منظريهم، فأفرزوا أعمالا إجرامية، وسلوكا عدوانيا. وهذا يدل على أن الأزمة، هي كما عبر عنها - المفكر الجزائري - مالك بن نبي، من: «أن أزمة العالم الإسلامي منذ زمن طويل، لم تكن أزمة في الوسائل، وإنما في الأفكار».

أبرز ما يلفت النظر، ويستوجب التأمل في نقد خطاب التطرف، والعنف، أنه قائم على فكرة مغلوطة. - ولذا - فإن مواجهة مثل هذا الخطاب، ينبغي أن ينطلق من أرضية معاكسة، تهتم بتوجيه المعاني الحقيقية، من خلال نصوص شرعية واضحة؛ لتقضي على النزعات القوية من التطرف والتشدد، وعلى روافده المختلفة. وتعرية مستوى خطابه الفكري، والمعرفي، وضحالة بنيته، كـ «تكفيره الأنظمة، والمجتمعات، واستباحة الأموال، والدماء».

مشكلة هؤلاء، أنهم وظفوا المصطلحات الشرعية، توظيفا أيدلوجيا، وسياسيا. - ولذا - فإن الدعوة إلى مناقشتهم بروح منفتحة، وعقلية مرنة. وإحاطتهم بالعلم الشرعي، والرجوع بهم إلى أهل العلم، - مطالب في غاية الأهمية -، حتى لا نتحول معهم إلى جزء من الأزمة - ذاتها -. وذلك عن طريق إظهار وسطية الإسلام، واعتداله، وتوازنه دون غموض، أو تعقيد. وفتح قنوات الحوار داخل المجتمع الواحد؛ للدفع بالاتجاهات الفكرية الصحيحة، وإعانتهم على مواجهة الأفكار الهدامة.

إذا كان الإقرار الرسمي لجذور الإرهاب، تكمن في كونها فكرية، وأن المنتديات، والمواقع الإلكترونية المتطرفة، أصبحت تمثل هاجسا أمنيا، وفكريا بشكل متزايد، فإن وضع إستراتيجية أمنية، ودراسات علمية في مجال مكافحة الإرهاب؛ لمواجهة هذه الآفة المهددة للأمن، والاستقرار الدوليين، والمهددة - أيضا - مسيرة الحراك النهضوي على المستوى المحلي. ومحاصرة الفكر التكفيري، ومناقشته من الغلو، والتطرف. وبث المفاهيم الصحيحة عن طريق الحوار، أمر في غاية الأهمية. وهو ما يتماشى مع الخيار السياسي للدولة السعودية، وبناء نسق طموح؛ لاقتلاع الجذور الفكرية للتطرف، باعتباره المدخل الرئيس للإرهاب.

من هنا جاءت فكرة «حملة السكينة»، وهي حملة تابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وحظيت برعاية مباشرة من وزيرها - الشيخ - صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، فأثمرت في فتح أبواب الأمل لمن غرر بهم، وإدماجهم في مجتمعهم بعد إعادتهم إلى جادة الصواب. كما استطاعت العمل على تفكيك المنظومة الفكرية، والسياسية، والشرعية لتلك الجماعات، المنتجة للعنف، والإرهاب - قدر المستطاع -. وهو ما يجعلنا ألا نغفل إيجابيات الحملة، القائمة على محاصرة الفكر التكفيري، وتصحيح المفاهيم الشرعية.

إن استهداف المنتديات، والمواقع الإلكترونية المتطرفة؛ للرد على أصحابها، وتوعيتهم بالفكر الصحيح المغاير للفكر المنحرف، بعيدا عن العنف، والشدة، دليل على أهمية استخدام هذه التقنية في محاربة آفة الإرهاب، والمتمثلة في توحيد لغة الحوار، وتحديد أطرافه. فالتجارب أثبتت أن تفكيك المنظومة الفكرية، لا يمكن أن تنتهي إلا بالحوار المفتوح؛ لربط المقدمات بالنتائج، ووصولا إلى أسلوب العلاج. ولنا في منهج عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - مع الخوارج نموذج مشرق، حين أرسله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إليهم، فطالبه بمناظرتهم بالسنة بدلا من القرآن، لأنه «حمال أوجه»، فأسفرت المناظرة عن رجوع ألفين من بين ستة آلاف خارجي، واحتواء أفكارهم بسلاسة, ودون مواجهة.

وحتى نكون قادرين على قراءة الأمور بشكل صحيح, فإن أهم ما يمكن الخروج به من دروس في هذه الأزمة التي مرت بها بلاد العالم الإسلامي, والتأكيد عليه, هو: أن الفكر المتطرف يمكن أن يهيئ أرضية للانغلاق, المفضي إلى فقه التشدد, وسيؤدي إلى العنف في نهاية المطاف. هذا العنف ليس له هوية سوى الجهل, عن طريق لي أعناق النصوص, وتوظيف دلالاتها؛ لخدمة مقاصد فكر منحرف, يطل برأسه بين الحين والآخر. مما يستلزم مدافعة منطلقاته الفكرية, وحقائقه الواقعية, بإزالة أسبابة, وبطريقة تراكمية هادئة. ولذا كان - شيخ الإسلام - ابن تيمية, - والإمام - الشاطبي - رحمهما الله - يريان: أن تغيير المنكر بإزالة أصله, أجدى من تغيير عينه.

إن بناء قناعات صحيحة في خطابنا مع أصحاب الفكر الضال, عن طريق المجادلة بالتي هي أحسن, والموعظة الحسنة, والحوار, واستدراجهم نحو الاعتدال, والوسطية, أمور في غاية الأهمية. ومثل هذا الخطاب, هو الذي جعل الدولة السعودية من أوائل الدول, التي نجحت تجربتها في مكافحة الإرهاب بكل صوره وأشكاله, - من خلال - تبني برامج فكرية, وحوارية؛ لتعزيز القيم الصحيحة للدين الإسلامي, وترسيخ مبادئ الوسطية, والاعتدال, وانتزاعهم من ثقافات سلبية من حيث المحتوى المعرفي.

لا نريد أن نكيل بمكيالين, فنسرف في استخدام مصطلح الإرهاب, والتطرف, دون تحديد لمعني المفردتين, حتى يتم علاجه, وعزله, وتجفيف منابعه. ولا يزال التداعي مستمرا؛ لنقوم بدورنا الريادي, وتتكاتف الجهود. وحتى يتحقق كل ذلك, لا بد من التفريق بين الغلو في الدين, ومن يوظفه, ويقوم على رعايته, ويدعمه, وبين الفكر الوسطي, الذي هو روح, ومنهج قائم على الكتاب, والسنة. فتكون وسيلة أولية؛ للتعرف على الحقائق, واتجاهات الرأي العام, وتوضع بعد ذلك أمام الجهات المسؤولـة بالإصلاح, والتوجيه, بمعالجة الموضوع من جميع جوانبه. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتكامل الوسائل والأدوات, بعيـدا عن ضغوط معينة, قد تستهدفها بعض النخب.

ولأن الفكر لا يعالج إلا بالفكر, والحجة لا تقارع إلا بالحجة, ولا يكون ذلك إلا عن طريق الحوار وحلحلة قناعات الفكر التكفيري وتعريته. إذ إن الحوار غرس وليس محاضرة أو جلسة. وتلك سياسية لها تأثير فاعل في الجانب العملي؛ للتصدي لظاهرة الإرهاب, ورفض منطق صراع الحضارات. فقد قامت حملة السكينة, بتوجيه من قادة معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد, وعمل دؤوب من أعضاء الحملة, بالتواصل مع أصحاب الرأي والفكـر ومختلف النخب, والأطراف الفاعلة في الساحة, متجاوزين الوسائل التقليدية في الخطاب؛ لمواجهة الخطاب القاعدي, والرد عليه, ومحاربة تبريراته الفكرية, والأيدلوجية المتطرفة, والذي يقوم على أفكار منحرفة, ودعوات تكفيرية, فأحرزت نجاحا تلو نجاح, وانتصارا تلو انتصار.

drsasq@gmail.com
 

نظرات حملة السكينة..في منازلة النوازل !
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة