Friday  20/05/2011/2011 Issue 14113

الجمعة 17 جمادى الآخرة 1432  العدد  14113

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لا يتعايش رأسان في الدولة الدكتاتورية. ولا يتعايش في هذه الدولة النظام مع الشعب، خاصة إن هو طالب بحريته. وقد رد نائب رئيس دولة عربية معروفة باستبدادها على سؤال وجه إليه حول مركزه من السلطة، فقال: دولتنا مصنوعة

لرجل واحد، وهي لا تتسع لغيره. لذلك لن تراني في أي مركز داخل السلطة، إلا إذا كان تابعًا له وخاضعًا لرقابته وإشرافه. والدولة الإيرانية هي من هذا النوع الذي لا يتسع لغير رجل واحد هو كما تؤكد أحداث العقدين الأخيرين الولي الفقيه، ولا مكان فيه لأي أحد مستقل عنه: عسكريًا كان أم مدنيًا. وقد كانت الأزمة الحالية بين الرئيس نجاد وبينه منتظرة منذ عين الثاني الأول رئيس جمهورية، رغم ما شاب انتخابه من تزوير بدأ بتصريح «للمرشد» يحدد فيه صفات الرئيس المطلوب، التي انطبقت على نجاد وحده، ففهم العالم أن الاختيار وقع عليه هذه المرة أيضًا.

مرت أزمة إيران الراهنة في طور أول تمثل في قمع حركة شعبية هائلة الأبعاد، تعاون أهل النظام جميعهم خلالها، وحرضوا وحركوا مختلف أفرع جيشهم الأمني الداخلي ضدها، وارتكبوا من الجرائم والانتهاكات إبان قمعها ما يشيب لهوله الولدان، حتى أن قادة إيرانيين رسميين ترحموا في بيانات علنية على أيام الشاه وجهاز أمنه السري: السافاك. وها هي تمر اليوم في طور ثان، هو هذه المرة أزمة داخل النظام نفسه، تركزت في أعلى قمته، كما حدث في كل مرة رفضت السلطة فيها الاستجابة لمطالب جمهور ثائر، بعد قمعه والقضاء على حراكه. وقد أخذت الأزمة الحالية صورة تمزق في السلطة، أعقب التمزق الذي عاشه المجتمع، وطاول قمتها، التي كان يعتقد أن نجاد بلغها بجهده، بعد ترسيخ أقدامه في الرئاسة وقيامه ببعض التحالفات مع أطراف منها، خاصة في الحرس الثوري، وببعض الاختبارات التي كان القصد منها إظهار سطوته ونفوذه، كتسمية أحد أقاربه، اسفنديار، وزيرًا، وبعد رفضه، مديرًا لمكتبه، وقيامه بتعيين وطرد وزراء مقربين من هذه الجهة أو تلك دون علمها أو موافقتها، وتسلله إلى بعض مراكز القوة في العسكر عبر الانخراط في مشاريعهم، حتى قيل مرارًا إنه نجح في قلب توازنات السلطة وحولها لصالحه، وأن الولي الفقيه لم يعد صاحب السلطة الوحيد أو الحقيقي، وإعفاء وزير الاستخبارات رحيمي من مركزه، بعد قيامه بطرد وزير الخارجية السابق متقي من منصبه بطريقة مهينة إلى أبعد الحدود، من خلال بيان صدر عنه بينما كان متقي يحاول في رحلة قادته إلى غرب أفريقيا لملمة فضيحة إرسال صفقة سلاح كبيرة إلى عصابات خارجة على القانون هناك. هذه المرة، لم يسكت المرشد، وإنما أصدر قرارًا ببقاء الوزير المطرود رحيمي في موقعه، فما كان من نجاد إلا أن تغيب عن اجتماعات مجلس الوزراء طيلة أسبوع، وألغى زيارة كانت ستقوده إلى إحدى المدن الإيرانية الكبرى، في حين تعرض لحملة شرسة وهجمات قاسية من أتباع الجناح المحافظ في البرلمان والمؤسسة الدينية، انهالت عليه خلالها أنواع شتى من الإهانات، حتى خال القوم أن الرجل سيفقد مكانه، وسيعفى من منصبه بقرار من صاحب الأمر الوحيد في دولة نجح في تفصيلها على قياسه خلال سنوات حكمه المديد، الذي حصر سائر أمور البلاد والعباد في يده.

يبدو أن نجاد أقر بخسارة هذه الجولة، فأعلن أن خلافه مع المرشد هو كخلاف ولد مع أبيه، وأنه ليس خلافًا بالأصل، بينما كان يعود خائبًا مدحورًا إلى مجلس الوزراء، حيث كان رحيمي بانتظاره وهو يشمخ بأنفه عليه. المهم أن أزمة السلطة هذه، بينت لمرة جديدة أين تكمن موازين التفوق في الدول الدكتاتورية، ومن يهزم ومن ينتصر في كل مرة تنشب فيها مشكلة داخل السلطة، وكم هي ضعيفة وشكلية في إيران مكانة الرئيس، حيث طرد أول الرؤساء من منصبه وفر من البلاد على متن طائرة عسكرية، بينما أمضى الثاني فترة حكمه وهو يعلن خضوعه للمرشد ويتلقى الأوامر والتوجيهات منه، وتعرض الثالث للتعطيل التام وعزل عن الحكم وهو في السلطة، بعد أن تحدته الأوساط المحافظة في الأمن والجهاز الديني وشلت حركته، وها هو نجاد يعلن اليوم الرضوخ لمولاه دون قيد أو شرط، بعد أن اكتشف هامشية شخصه ودوره ومكانته، وفهم كم هو سهل التخلي عنه والاستغناء عن خدماته، وكم هي إيران دولة شخص واحد. هل قال نجاد في أول جلسة يحضرها لمجلس الوزراء عقب انفجار الخلاف: إن هناك طرقًا متنوعة لحل أية أزمة، كي يوهم نفسه بأن دوره لم ينته بعد، أم أنه أراد بعث رسالة إلى المرشد تبلغه استعداده لمختلف أنواع التنازلات، مقابل بقائه في الكرسي؟.

تمر إيران بمرحلة انحسار جدي في دورها وفي ما كانت تسميه «إنجازاتها»، بدأت مع قمع المتظاهرين المطالبين بنزاهة الانتخابات، وكانوا بالملايين، ثم بملاحقات طاولت بعض رموز النظام وقادته، أمثال رفسنجاني وأسرته، وانتهت إلى انفجار الموقف بين المرشد ونجاد، بعد أن مرت بتراجع دور طهران الإقليمي، خاصة في المجال العربي، الذي انخرط في عملية إعادة بنيته يرجح أن تغيره وتجدده بصورة غير مسبوقة، بحيث تكون إيران واحدة من الجهات الإقليمية التي ستدفع ثمن نجاحها، حتى داخل نطاقها السيادي الخاص: في ما يتصل بنمط العلاقة بين نظامها وشعبها، وعلاقات ودور مكونات سلطتها، التي إن قررت مجاراة المنطقة في تطورها وجدت نفسها مكرهة على التخلي عن قسم كبير من طابعها العسكري وجيشها وسياساتها الراهنة، وإن أمعنت في العسكرة والتسلح وجدت نفسها كالخروف الأسود في قطيع خراف بيض، لا يشبه أحدا ولا يشبهه أحد، وبالتالي منبوذا ومعزولا، يثير الخوف لدى جيرانه ويخاف منهم.

هذا الانحسار يضفي طابعًا خاصًا على التوبيخ الذي وجهه المرشد إلى الرئيس، وعلى تراجع الأخير وإقراره بتهافت مكانته. بما أن المرشد هو الرجل الذي دفع بلاده في اتجاه عسكرة لا حدود لها، وعمل على إضعاف العرب واختراقهم، فإن اختبار القوة الذي عاشه نجاد وما سبقه من تصريحات رئيس أركان الجيش الإيراني عن دول الخليج العربي، التي قال إنها كانت دائمًا ملك إيران، يعدان مؤشرين مهمين على الاتجاه الذي ربما تكون قيادة المرشد قد قررت الرد من خلاله على تطورات الواقع العربي الأخيرة: خارج إيران وداخلها.

سيتصاعد الحدث الإيراني، ويرجح أن يكتسب طابعًا عدائيًا حيال العرب، إلا إذا تجددت حركة الاحتجاج الداخلي، وأجبرت القيادة الإيرانية على التفرغ لأوضاعها الخاصة، كما تشير إلى ذلك دلائل غير قليلة، منها خلاف المرشد والرئيس.

kilo.michel@gmail.com
 

أزمة إيرانية جديدة!
ميشيل كيلو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة