Saturday  21/05/2011/2011 Issue 14114

السبت 18 جمادى الآخرة 1432  العدد  14114

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قرأتُ مقالَيْن مؤخراً للزميل والصديق د. محمد القنيبط، وإذا كان لي أن أصف هذين المقالين ومقالات سابقة فهي أقرب إلى المقالات التحفيزية، وليست كما يراها البعض أنها مقالات محبطة، تصيب في الصميم، وتعيد إلى الخلف..

هذا النوع من المقالات مطلوب في مثل هذه المرحلة؛ لأنه يعكس رؤية غير دقيقة قد تتردد في أذهان بعض الناس ممن لا يعرف المحيط الجامعي بالشكل الكافي، ولا يدرك ما يدور حقيقة في مؤسسات التعليم العالي والجامعات، خاصة جامعة الملك سعود، وهذه الرؤية هي الرؤية نفسها التي كانت لدى الكثير بل الجميع في مجتمعنا قبل أربع سنوات، ولكن مع الوقت تبددت الغيوم، واتضحت الرؤية، وانقشعت غمامات التشاؤم..

لماذا أرى شخصياً مقالات الزميل الدكتور القنيبط هي في أساسها تحفيزية؟ كونها تحاول أن تعيدنا إلى الخلف، وتحاول أن تذر الرمال في عيون هذه النجاحات، وتهمش الأدوار المركزية في صناعة التعليم العالي والجامعات السعودية.. ولربما قراءة متعمقة لمقالات الدكتور القنيبط تجعلنا بل تحثنا إلى العودة إلى المربع رقم واحد.. وتريد أن تعيدنا إلى أربع سنوات ماضية، وتمسح كل الإنجازات التي تحققت للتعليم العالي ولجامعة الملك سعود على الخصوص.. تريد أن تظل أسماء الجامعات السعودية في الظل وفي تراتبيات تبدأ من ثلاثة آلاف إلى عشرين ألفاً، في مؤخرة وذيل الجامعات في العالم.. فمقالاته تذكرنا بالعهد القديم، وتشدنا بقوة لتذكر تلك المرحلة التعيسة في حياة الجامعات السعودية..

ما يريده الدكتور القنيبط هو أن تظل جامعة الملك سعود كما كانت قبل أربع سنوات.. طلاب مقمعون، أساتذة محبطون، وجامعة أشبه بمدرسة ثانوية.. الطلاب يأتون إلى الكليات الثامنة صباحاً، ويغادرون ظهراً، دون أن يكون لهم مكانة أو دور في الجامعة.. وأساتذة يدرِّسون مناهجهم كيفما اتفق، وبأي أسلوب يريدونه.. وأقسام تموت، وكليات في شبه البيات السنوي، وفوق كل هذا جامعة تعيش خارج نطاق الخدمة، وفي عالم محلي بحت، ودون أن يكون لها ذكر خارج الحدود.. فقد أكون مخطئاً، لكن أتوقع أن مضمون هذه المقالات والمسكوت عنه في خطاب الدكتور القنيبط هو أنه يريدنا أن نعود إلى الوراء، ونسحب كل ملامح التقدم والإنجازات في الجامعات السعودية، خاصة في جامعة الملك سعود، التي تحققت مؤخراً..

يريدنا الدكتور القنيبط أن نلغي التحالفات الاستراتيجية التي عملتها جامعة الملك سعود مع أكثر من مائة شركة ومؤسسة وطنية، واستطاعت الجامعة أن تبني جسوراً حقيقية وتواصلاً فعالاً مع المجتمع، وتمكنت أن تبني ثقة الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال في الجامعة، وبدؤوا يقدمون الدعم غير المحدود للبحث الجامعي الذي يصب في إطار بناء صناعة بحثية متقدمة تقودها جامعة الملك سعود..

وما أخشاه في هذه المقالات هو عدم فهم دور التصنيفات العالمية، وكونها وسيلة وليست غاية كما ذكرها القائمون على أكثر الجامعات السعودية.. كما أخشى عدم فهم اتجاهات التصنيفات العالمية.. فوبوميتركس يقيس الحراك الإلكتروني في الجامعة، وتحديداً حجم الموضوعات العلمية الموجودة على موقع الجامعة.. وهناك قياسات فنية دقيقة لمثل هذا التصنيف.. ونحن في المملكة نحتاج إلى أن ننتقل من عصر الحياة الورقية إلى الحياة الإلكترونية.. والجامعات تبحث عن هذا الانتقال المهم لكياناتها القديمة إلى كيانات عصرية أسوة بباقي جامعات العالم.. وأخشى من هذه المقالات أن تعيدنا إلى عهد قديم، يتم فيه التداول الورقي، بعيداً عن الاستثمار في تقنيات الاتصال العصرية.. ومن يبحث عن مقال أو كتاب أو أطروحة علمية، فعليه أن يذهب برجله وبشحمه ولحمه إلى المكتبات الجامعية؛ ليبحث ثم يبحث حتى يمكنه أن يصوّر أو يستعير كتاباً أو رسالة أو بحثاً.. فهذه المقالات تريد أن تعيدنا إلى نظام قديم، وتريد أن تغيبنا عن وسائل الاتصال الإلكترونية.. لا يريد الدكتور القنيبط أن نحتفي بانتقالنا إلى العصر الإلكتروني في الجامعات بغض النظر عن تصنيف الجامعة في نادي المائتين أو في ترتيب العشرين ألفاً.. فهذا التصنيف رغم أنه يقيس فقط التقدم الإلكتروني في الجامعات إلا أنه نقل جامعاتنا إلى أفضل المستويات الإلكترونية أسوة بباقي جامعات العالم..

ولربما أن الدكتور القنيبط يشكك في تصنيف شنجهاي، وهو أقوى وأفضل التنصيفات العالمية، التي تتمنى أي جامعة في العالم أن تدخل في هذا التصنيف.. وهذا التنصيف يستثني أي جامعة تخرج عن أفضل خمسمائة جامعة في العالم.. وهو تصنيف علمي بحثي أكاديمي في كل معاييره.. وهو هذا التصنيف نفسه الذي يطبق على جامعة هارفارد وجامعة إم آي تي وجامعة ستنافورد وجامعة أكفسورد وجامعة كمبريدج، وتظل هذه الجامعات في مقدمة الجامعات العالمية، ويطبَّق على كل جامعات العالم، وتدخل جامعة الملك سعود بين أفضل أربعمائة جامعة في العالم.. هل يريد الدكتور القنيبط أن نلغي أو نمسح كل معايير هذا التنصيف، ونعود كما كنا إلى الوراء، قبل أربع سنوات، معظمنا لا يعرف أصلاً ما هي التصنيفات، ولا كيف يتم تقيمنا من خلالها.. وكنا فقط نعرف أن ترتيباتنا تأتي بعد آلاف الجامعات في العالم، بل في ذيل الجامعات.. والجميع يدرك أن التشكيك من أستاذ زائر أو من خلال توصيات مؤتمر لوزارة التعليم العالي في هذه التصنيفات لن يغير شيئاً منها؛ فهي باقية ومستمرة، ولن يغيرها رأي خاص أو مقال جريدة.. ومن يخرج من هذه التصنيفات هو الخاسر الأكبر..

يبدو أن الدكتور القنيبط لم يدخل قسماً أو كلية منذ سنوات؛ فلو دخل أي كلية سواء كلية المجتمع أو كلية الآداب أو كلية الهندسة أو كلية الطب أو التربية أو حتى كلية الزارعة التي كان الدكتور القنيبط أحد الأساتذة المتميزين فيها فسيذهل للفكر الجديد والتوجهات العالمية في هذه الأقسام والكليات.. ونظام الجودة محوري في بناء مؤسسات تعليمية متمكنة في بناء الطالب أولاً وأخيراً.. وهذا النظام يلغي عاملي المصادفة والاجتهاد في العملية التعليمية.. فالاعتماد وسيلة، ولكن الجودة غاية، وهذا ما نعرفه وما يتحقق على أرض الواقع.. وأي محفزات مادية أو معنوية من شأنها أن ترتقي بالأقسام العلمية والكليات، فنحن معها، ولا نتردد أن ندعمها مهما كانت هذه الوسائل..

ومن أصعب الأمور التي قيلت في هذه المقالات هو أن البحوث العلمية التي تنتجها الجامعة هي خارج سياق المجتمع، وللمعلومية معظم البحوث التي تعتمدها التصنيفات العالمية وفق مجلات ISI هي بحوث محلية، ومعظمها طبية أنتجها مستشفي الملك خالد ومستشفى الملك عبدالعزيز الجامعيان التابعان لجامعة الملك سعود.. رغم أن الدكتور القنيبط هو ابن الجامعة، ويعلم علم اليقين أن البحوث كانت قبل أربع سنوات في مستوى متدنٍ من الناحية الكمية والنوعية، ولكن التشجيع هو الأساس الذي دفع بالجامعة إلى الارتقاء إلى مصاف الجامعات العالمية، ونعلم جميعاً أن العلم لا دين ولا جنسية له، فأي بحث في العالم هو إضافة مهمة للحقل الذي هو فيه.. والدراسات السابقة التي نقوم بها في رسائل الماجستير أو الدكتوراه أو في أي بحث آخر تستعرض البحوث والدراسات في أي مكان في العالم دون تمييز بين الدول والمجتمعات؛ فالعلوم هي عمل تراكمي مبني على بعضه بعضاً..

أما علماء نوبل فهم علماء شرفوا الجامعة بالانضمام إليها، وقد سعدنا في الجامعة بلقاء ومناقشة علماء عالميين أثروا البشرية بعلمهم ونتاجات بحوثهم.. وكنا نبحث عنهم في أي مكان في العالم، وإذا بهم معنا في الجامعة نتداول ونناقش معهم، وهم محفزون لطلاب وأعضاء هيئة تدريس بالجامعة.. ولهم دورهم ومكانتهم العلمية العالمية.. ونتمنى أن يزيد عددهم لا أن ينقص كما تشير ضمنياً مقالات الدكتور القنيبط.

ومن الأمور التي نستغرب فيها خوض المقال هو التعرض لسيارة «غزال 1»، وهي من أفضل الإنجازات الوطنية التي تحققت لبلادنا خلال تاريخنا الصناعي.. ومحاولة التشكيك فيها هو في أساسه تحفيز حقيقي لنجاح غير متوقع من جامعة سعودية.. والتحالفات الاستراتيجية التي قامت بها الجامعة من أجل أن تحصل هي على عائد استثماري من المشروع يزيد من حصة أوقافها الاستثمارية هو حق مشروع وتقوم به كثير من الجامعات العالمية.. فجامعة هارفارد على سبيل المثال واستثماراتها الوقفية التي تصل إلى نحو ثلاثين مليار دولار هي نتيجة عوامل مختلفة، من بينها حقوق الملكية في مشروعات براءات اختراع.. وجامعة الملك سعود تسير في خطى أفضل الجامعات العالمية.. أما ما أشير إلى تعثر شركات سيارات أمريكية فهذا لا يعني المشروع بشيء؛ فقد تتعثر شركات هناك، ولكن شركات أخرى في كوريا أو المملكة أو ماليزيا تظل صامدة وناجحة.. وعندما تسير الأمور في نطاق المخطط لها فستكون هذه الشركة هي بداية صناعة وطنية كبرى في المملكة؛ لأنه سيتولد منها عشرات الشركات، وربما مئات الآلاف من الوظائف التي ستخدم مثل هذا المشروع.. ونتمنى أن يأتي يوم ويقود الدكتور القنيبط بنفسه هذه السيارة السعودية، وفي حينها أتمنى أن أكون إلى جواره في مقعد القيادة بمشية الله..

وقد لمسنا جانباً تحريضياً في المقالات كنت لم أتوقعه من الدكتور الزميل القنيبط؛ حيث حاول أن يحفز مؤسسات الرقابة في الدولة على جامعة الملك سعود، وهذا في نظري سابقة تسقط هدف المقال وجدارته للنقاش والتتبع، ونحن نعلم من داخل الجامعة أن الدعم الذي يقدَّم للاعتماد الأكاديمي أو النشاطات البحثية لم يكن أبداً من أوقاف الجامعة، والمفاجأة الأخرى أنه حتى مبالغ الكراسي البحثية لم تمس بريال واحد؛ فهي لا تزال ضمن مفهوم استثماري للجامعة مثلها مثل أوقاف الجامعة.. وهذا الخلط في المقال سببه عدم اطلاع الزميل الدكتور القنيبط على مجريات الأمور داخل الجامعة.. فالأوقاف هي خط أحمر لا يتم المساس به إطلاقاً؛ لأنها تتجه إلى المستقبل وليس إلى اللحظة الراهنة..

وأضيف هنا بأن النجاحات الكبيرة التي حققتها بعض الجامعات السعودية قد ساهمت بشكل كبير في تحسين صورة المملكة العربية السعودية في الخارج؛ فالحضور الدولي لمنسوبي الجامعات والشراكات الاستراتيجية التي تقيمها الجامعات مع مؤسسات ومعاهد وجامعات عالمية والوفود الأكاديمية التي تأتي إلينا جميعها تصب في خدمة صورة المملكة في الخارج، ولو دفعت المملكة مئات الملايين لتحسين صورتها الخارجية لما جاءت بمثل هذه النتائج التي تحققت لبلادنا من خلال حضور علمي متميز لصوت المملكة خارجياً.

وأخيراً، أرى أن مقالات الدكتور القنيبط هي تحفيزية في المقام الأول؛ لأننا من داخل الجامعة ندرك مدى النجاح الهائل والفارق النوعي الذي يحدث حالياً بجامعة الملك سعود.. ونعلم أن رؤية أي شخص يتبنى رؤية مثل هذه المقالات هي رؤية رجعية، وتعيدنا إلى الخلف.. ولا تهدف إلا إلى عودة الجامعة إلى مدرسة ثانوية، والطلاب إلى طلاب دون المستوى الجامعي، والأساتذة إلى أساتذة تقليديين، والبحوث إلى مرحلة العدم تقريباً.. ومثل هذه المقالات هي مقالات للعودة إلى الوراء، وترك المنجزات الحقيقية التي أمامنا وتسلميها إلى الغير.

* رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود

alkarni@ksu.edu.sa
 

تحفيزات القنيبط للنجاح العلمي في جامعة الملك سعود
د. علي بن شويل القرني(*)

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة