Saturday  21/05/2011/2011 Issue 14114

السبت 18 جمادى الآخرة 1432  العدد  14114

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

إلى رحمة الله شيخنا
د. سلطان القحطاني

رجوع

 

لا يختلف اثنان على أن الشيخ الأستاذ عبد الله بن محمد ابن خميس رائد الثقافة الأول، وذلك لا يلغي جهود الذين أسسوا للثقافة في العالم العربي- بصفة عامة، فعبد الله ابن خميس الطالب الوحيد الذي دخل دار التوحيد دون شهادة تؤهله كغيره من الطلاب، ولذلك قصة لن أوردها لأنها تحتاج إلى وقت طويل لا يتسع له مقام هذا المقال السريع في يوم وفاته، ودخوله دار التوحيد كان معجزة، حيث انضم إليها دون شهادة تخوله دخولها، لكن ثقافته التي بناها، ومشقة السفر في طلب العلم ذلك الوقت من نجد إلى الحجاز والاختبارات التي اجتازها بتفوق أهلته إلى أن يكون الطالب المتفوق، ونشاطه الفكري والعلمي الإبداعي جعله يؤسس فيها أول ناد أدبي، ثم ثقة العلماء والأدباء فيه جعلته أول من افتتح المعهد العلمي في الأحساء، الذي أصبح منارة من منارات الفكر والأدب، وخرج منه مجموعة من المثقفين والأدباء والصحافيين، في زمن لم يكن فيه من وسيلة تؤهل الطالب أن يكون صحافياً، ولا ننسى مجلة هجر التي أسسها وأصبحت مدرسة، من أعلامها الأستاذ عبد الله الشباط وغيره ممن أسسوا الصحف فيما بعد، ولم يغب عنه هاجس الصحافة وما لها من تأثير في المجتمع فعاد إلى الرياض ليؤسس مجلة الجزيرة (جريدة الجزيرة) حالياً، التي أصبحت فيما بعد من أكبر دور الصحافة في المملكة، ولم تشغل المناصب القيادية الكبيرة ابن خميس عن الثقافة والتأليف والرحلات العلمية، كان شاباً يغامر بحياته ليكتشف معلماً من معالم عصر ما قبل الإسلام، أو يبحث عن أثر ذكر له أو تحدث به واحد ممن كانوا يحضرون مجلس والده الشيخ محمد بن راشد بن خميس، فلم يطرق واحد من الباحثين (دُحول) جمع دحل- بكسر الدال-، وهي مغارات تحت الأرض في الصمان والدهناء، مخاطراً بحياته، وكان شديد الاستماع لما يقال في المجالس الشعبية، فألف كتابه المشهور (راشد الخلاوي) الذي يعد مرجعاً فلكياً للباحثين من رجل يتنقل في الصحراء ويتأمل في النجوم والأنواء، ولا ننسى رحلته العلمية في كتابه (المجاز بين اليمامة والحجاز) الذي تتلمذنا عليه في شبابنا المبكر، طلبة في المرحلة الثانوية، يدرس المواقع ورحلات الشعراء الجاهليين، ومن تبعهم من الرحالة، من شرق الجزيرة العربية إلى غربها، فابن خميس متعدد المواهب، جم الثقافة منذ صغره، حاضر الذهن، لا يفوت جملة إلا وقد تحقق من صحتها، في برنامجه الأدبي (من القائل وما المناسبة؟) حصل على سمعة لم يحصل عليها برنامجذاعي في حجمه، إلا برنامج المرحوم- بإذن الله- الأستاذ حسن الكرمي، كان ابن خميس يجيب على أسئلة السائلين من إذاعة البرنامج الأول من الرياض، في الشعر العامي والفصيح، فإضافة إلى المعلومة التي كنا نحفظها ونستفيد منها، كان يلقيها بحس الشاعر المرهف، وذوق الأديب، ونغمة عالم اللغة، وعلى مدى ستة عقود ونيف كان جهاده بقلمه، الذي أصبح عنواناً يلوح في الأفق أهله إلى أن يكون عضواً في مجامع اللغة العربية دائم العضوية. ومن يقرأ ابن خميس يجد أنه في جامعة متعددة التخصصات، فمن يقرأ تحقيقه في الرحلات يجد محققاً دقيقاً في ذكر الموضع، والقصيدة والتدقيق في اللغة، ومن يقرأه ناثراً يجد الأسلوب الحديث، البعيد عن التنطع والتقعر، ومن يقرأه شاعراً في ديوانه (على ربى اليمامة)، يجده نابغة مبكر النبوغ، فمن يقرأ قصيدته الأولى في حياته، التي ألقاها أمام جلالة الملك عبد العزيز في الطائف، وكان لما يزل طالباً في دار التوحيد يجدها من عيون الشعر العربي، والسبب يعود إلى ثقافته المبكرة ونبوغه، كما ذكر ذلك الشيخ محمد متولي الشعراوي.

وابن خميس تفوق على غيره في عدد من المجالات، فهو العالم، المتواضع، الشاعر والباحث المحقق الفطن، فمن يقرأ ردوده يجد فيها الأسلوب المختصر المفيد. فهو راق في كل تعاملاته، الأدبية والعلمية والاجتماعية، ولا أنسى موقفه في معرض الكتاب الدولي لعام 2010، عندما كنت أسير في المعرض ولمحني، فسأل ابنه البار عليه رحمة الله (عصام) وقد درست عصام في مادة التحرير العربي في كلية التربية، عام1402، في جامعة الملك سعود، وعندما علم عبد الله ابن خميس جاءني مسرعاً على كرسيه المتحرك، مما أخجلني، أن هذا العلم يأتي إلى واحد من أبنائه، يسلم ويحتفى ويبتسم، وكان ذلك الموقف نقطة بيضاء في حياتي لا أنساها. ولا أستطيع أن أعدد مكارم ذلك الرجل الذي فقدته الأمة بأسرها والأدب والإعلام والثقافة بشكل عام في مقال كهذا، لكن عزاءنا فيه ما ترك لنا في المكتبة العربية من كنوز، وما ترك من مخطوطات أرجو من محبيه أن ينشروها، والأمل في الأستاذة هياء السمهري التي تعمل فيه الدكتوراه الآن أن تنجز لنا مآثره العلمية، وأن يكون هناك ندوة دائمة باسمه، فله من المحبين الكثير.... رحم الله ابن خميس/ و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة