Saturday  21/05/2011/2011 Issue 14114

السبت 18 جمادى الآخرة 1432  العدد  14114

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

كانت مفاجأة مؤلمة وحزينة عندما ينادي الناس بموتك يا عبد الله، يا أبا عبدالعزيز، وعندما أعلنت وسائل الإعلام خبراً هزني كثيراً.. (مات الشيخ الأديب عبد الله بن خميس.. كيف أبدأ بالكتابة عنك يا راعي العوجاء).

هل من كونك شاعراً أم مؤرخاً أم محققاً أم لغوياً أم رجلاً يهز المجتمع بإبداعاته في: (من القائل) أم بريادتك الصحفية عندما أطلقت صافرة الفكر الحر في رياضنا عبر مجلتك (الجزيرة).. وأنت الذي أسستها منذ أكثر من خمسين عاماً.

منذ عرفت الحياة طالباً في المتوسطة (في معهد الرياض العلمي) مطلع التسعينيات.. واسمك يتردد في (ردهات المحافل الفكرية، والأدبية والصحفية).. تساءلت: من هو ابن خميس..؟ فإذا بصديقه الحميم في (دار التوحيد) بالطائف أخي الشيخ صالح الرشود يخبرني عمن يكون ابن خميس.. ويمدني بكتبه (المجاز بين اليمامة والحجاز) والشوارد، ومن (جهاد قلم) و(أحاديث السمر) وكتاب (الدرعية).. فطفت أقرأ لهذا الرائد وأحسست برجولته في الدفاع عن فكره، وما يؤمن به، أحسست بأنني إحدى غرسات يراعه الذي يرسم به (حب الدرعية) والمملكة بصورة شاملة.

حاولت أن أتصل به وألتقي به وأتشرف بالحديث معه، فكان أول لقاء في مزرعته بالعمارية، (عمورية) بالعمارية عام 1986م، دلفت إليه بسيارتي وكان عمري آنذاك 26 عاماً أرجو مساعدته في بعثتي للماجستير وحينما دخلت إلى مزرعته الفسيحة.. كانت خالية إلا من شخصه (رحمه الله) جالساً على (بركة) المزرعة ممسكاً بكتاب من الكتب الأصول، أعرفها من تجليدها سلمت عليه.. وشرحت له معاناتي في البعثة ذلك الوقت.. وأجابني بعمق الإنسان المحب لأبنائه، بأن أتصل برجل قادر على ذلك.. ذلك أنه.. ابتعد عن الوظائف والمناصب وتفرغ إلى حيث رحابة الفكر والأدب والشعر.

عبد الله بن خميس إذا ألقى شعراً تنادت دمشق وبغداد.. ومصر للاستئناس بشعر يذكرك بالبحتري، والمتنبي، وأبي فراس الحمداني.. إذا انطلق ابن خميس بشعر يهز الألباب بإحساسه الجميل، كان متقناً للغة العربية، ومبدعاً في رحابها، يتخندق حول جنباتها وسيفه قلم وآياته النثر والشعر، كما هز مشاعر لا تتوقف إزاء المتعلمين الدارسين.. المثقفين.. لكنها تهز مشاعر الفقراء المساكين علماً وفكراً.

كان يناديهم ويناغيهم بشيء من الشعر الشعبي الجميل.. لقد كان والداي أميين لا يفقهان لغة الفكر، والابداع.. لكن ابن خميس ما فتئ يدغدغ مشاعر الجميع لا يستثني متعلماً أم جاهلاً أم أمياً.. كان برنامجه (من القائل) في اذاعة المملكة العربية السعودية (توقيت) كل من أراد أن يستلهم اليوم الانساني الجميل من خلال شعرنا الشعبي النبطي المبرح يستوي في ذلك البدوي والحضري.

عندما زرت ابن خميس قبل عشر سنوات في منزله بمعية أخي صالح وأخي ابراهيم -رحمهما الله- سأل عن الجميع ولم ينس أياً من العائلة.. كان رائداً ومفكراً وزعيماً رحبت به الدرعية مدافعاً ومناضلاً في سبيل من يتوجهون إليها (النخوة).

لن أكرر الكلام الذي سيكتب عن ابن خميس؛ عن مؤلفاته وإبداعاته وإعلامياته ولكني عايشته عن قرب.. ووجدنا انساناً رقيقاً شاعراً مبدعاً مؤنساً وصابراً على كثير ممن يغارون منه ويحسدونه على ما آتاه الله من مواهب!!

زرته مريضاً في المستشفى التخصصي قبل عشر سنوات، عندما بدأت صحته تعتل.. ولكنه ثابت وقوي رابط الجأش ثابت الجنان يحدثني عن هموم الأمة وآمالها، ذكرته بمقال قديم عندما كتب (اليد البيضاء) الذي عوقب عليه كثيراً وجدت فيه الرجل (العاقل) الذي يخفي من الهموم كثيراً ويبوح بما يشفي القلوب من جراح وآلام ومآس.

كان البسطاء في (حارة الشميسي) يتمنون وظيفة تقوم بشؤون احتياجاتهم أو نسائهم وأطفالهم.. وما يعتورهم من فقر وحاجة فكان ابن خميس البلسم الشافي لهم بتوظيفهم (كقراء عدادات) عندما كان مديراً لمصلحة المياه بالرياض.

إن ابن خميس رمز عظيم لكل محب للشجاعة والفخر والانسانية.. محب لوطنه ومحب (للدرعية) بكل أشكال وضروب وأفانين الحب. أذاعت (الثقافية) القناة السعودية.. برنامجاً قديماً من اخراج سعد الفريح رحمه الله يوم وفاته تبين من خلاله أن ابن خميس إعلامي كبير!!

أنا.. لا يهمني الجوائز والمقام الكبير والتراث الخالد الذي خلفه ابن خميس.. الكل يعرفه.. لكني أتوقف عند هذا الرجل الذي بدأ تعليمه بعد (الأربعين).. وعانى شظف العيش وترفه بأجمله.. لكنه لم يتغير بأخلاقه حصل على أول جائزة تقديرية للأدب مع المرحومين أحمد السباعي وحمد الجاسر.. عام 1403هـ وأتوقف عند شكيمته العظمى.. عندما سافرت إلى الدمام للاستماع إلى أدبياته في النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية عام 1412هـ.

كان يمتح من معين فكري شاعري جزل متوثباً في حلبات الشعر كأنما هو زائر يبارك لهذا النادي ما وصل إليه من نجاح!!

يقول الشعر عن أبي فراس الحمداني، المتنبي، أبي دلف، وغيرهم كالشريف الرضي، والبحتري..

وعندما قرأت كتابه (شهر في دمشق) هالني ما يحمله هذا الرجل من فكر سياسي، وأبعاد أدبية وهموم اجتماعية، ومحبة لبلدنا الذي يريد ابن خميس أن ينجح ويتقدم!!

كان لغازي القصيبي معه إخوانيات جميلة، يحاكيه عن فقد (العمارية للكهرباء بقصائد مميزة أتمنى أن يذيعها الإعلام السعودي، كان لابن خميس برامج تلفزيونية اختفت لا نعلم أين ذهبت)!!

لكن سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- خير معين لشاعرنا وأديبنا ومبدعنا.. ذلك أن الأمير سلمان بن عبد العزيز خله الوفي وصديقه الأوفى، كان سلمان صديقاً محباً لعبد الله بن خميس.. لاشك بأن سلمان بن عبد العزيز وقف مع هذا الحر الشامخ وقفة الرجال ودعمه بحبه وماله وأغدق عليه بوافر من حنانه..

هل أعزي نفسي أم أعزي الرياض.. أم أعزي نجد؟ أم أعزيك يا سلمان في أعز أصدقائك.

سلمان بن عبد العزيز: أحسن الله عزاءك يا حبيب أهل الرياض، في فقد أهم رموز الدرعية، إلى الله المشتكى، ولكم يا سيدي كل العزاء في فقيد المملكة، فقيد الرياض، فقيد الدرعية عبد الله بن خميس.

 

يا شمس الدرعية.. يا ابن خميس
د. عبد المحسن بن محمد الرشود

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة