Saturday  21/05/2011/2011 Issue 14114

السبت 18 جمادى الآخرة 1432  العدد  14114

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

لو استعدنا الذاكرة.. واكتفينا بالتاريخ الحديث منذ حرب فلسطين الأولى التي تمخضت عن إنشاء الكيان الإسرائيلي البغيض.. سنجد ان جميع الأحداث الموثقة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك وبشهادات من عرب وعجم ومن أصدقاء وأعداء على صدق وسلامة نوايا ومواقف الملك عبدالعزيز- رحمه الله-، التي لا تقبل أي تأويل الا ان هناك من خرج ويخرج من هنا وهناك بما يشكك في تلك المواقف والنوايا.. مع علمهم ان التاريخ الموثق بأمانة يشهد أنه لو أخذ بما ارتآه الملك عبدالعزيز لما انتهى الفلسطينيون إلى ما انتهوا إليه.. وأنه لو سلم العرب من نزوات بعض حكامهم وتوحدت كلمتهم خلف حكمة الملوك السعوديين لما ضاعت القضية الفلسطينية مثل هذا الضياع.. وأنه لولا كفاح الملوك السعوديين الواحد تلو الآخر ضد الشيوعية والاشتراكية لانتهى الحال بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية إلى ما آلت إليه أحوال دول وشعوب الجمهوريات العربية التي نشاهد الآن بألم شديد ما تعيشه شعوبها من حسرات وضياع.

إنني حين أكتب ما أكتبه هنا إنما أتوجه إلى شباب وشابات بلادي الذين لم يستوعب بعضهم تاريخ مرحلة تأسيس وتوحيد المملكة العربية السعودية وفضل الملك عبدالعزيز (بعد فضل الله وتوفيقه) علينا جميعاً وعلى أجيالنا حتى صار لنا كيان معتبر يقف شامخاً وبارزاً في قمة العشرين الاقتصادية العالمية بجوار دول عظمى كأمريكا والصين والمانيا واليابان.. عشرون عاماً ما أطولها.. كابد خلالها الملك عبدالعزيز ورجاله ما كابدوا وصارع كل الظروف والمحن ومؤامرات القوى الخارجية والداخلية. نعم من يوم دخوله الرياض حتى توحيد المملكة عشرون عاماً لم يذق خلالها طعم الراحة.. ولنكن صادقين مع أنفسنا فإن العراق ومصر على سبيل المثال عندها من الامكانيات البشرية والطبيعية ما يجعلنا نعجز عن اللحاق بها.. بل ان هذه الدول بالذات بحكم احتكاكها بالعالم الخارجي قبلنا وطبيعة شعوبها وتاريخها الحضاري كان يفترض بها ان تتقدم علينا بمراحل بعيدة..

شبابنا وشاباتنا لم يعايشوا ويتعرفوا على كفاح الملك سعود ثم فيصل ضد الشيوعية والاشتراكية التي اكلت الأخضر واليابس في بلدان العالم الثالث التي ابتلي بعضها بحكام نهبوا الحكم نهباً فعاثوا في البلاد فساداً.. ولا يستغرب ذلك منهم.. حيث لا تاريخ عائلي ولا إنجاز وطني، ولا علم راسخ ولا انتخاب نزيه يؤهلهم للحكم..

آل سعود اكتسبوا الشرعية من أكثر من ناحية أهمها: (العقيدة) تمسكهم والتزامهم بالعقيدة الاسلامية والعمل على نشرها ثم (الانجاز) وذلك بتوحيد المملكة ثم تمسكهم بالوحدة ملكا بعد ملك وعدم تفريطهم في ذرة من تراب الوطن ثم (الحكمة) في الحكم، حيث جنبوا البلاد والعباد شر الحروب الخارجية (ضيع عبدالناصر مصر في حرب اليمن وتدخلاته في شئون الدول الأخرى، وضيع القذافي بلاده واقتصادها وثرواتها في نزوات وحروب ما أنزل الله بها من سلطان وأبقى على بلاده تعيش في القرون الماضية، وصدام حارب ايران والأكراد والكويت وخلف لشعبه الدمار والضياع). كذلك جنب آل سعود البلاد والعباد شر الفتن الداخلية واحتووها وعالجوها بما قطع دابرها ولعل واحدة من أعظم ما واجهناه من الفتن هو الإرهاب الذي تبناه فسقة كذب عليهم شياطينهم فصدقوهم ان حكومتنا كافرة..

وصدق الله العظيم: انها لا تعمى الأبصارولكن تعمى القلوب التي في الصدور..

وإلا فكيف يقال ما يقال عن دولتنا وهي تطبع وتوزع على العالم ملايين النسخ من كتاب الله ويتخرج فيها المئات يومياً من مدارس تحفيظ القرآن. وتجد في كل حي مسجداً.. وقبل هذا وبعده أنها تحكم بالشريعة الإسلامية.

يروي الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير عن أبيه الأمير محمد بن سعود أنه حين فشلت جهود الملك عبدالعزيز في الاتفاق مع الاخوان في السبلة.. فلم يكن أمامه سوى خيار الحرب.. قام الملك عبدالعزيز بتحضير جيشه ووزعه على أجنحة وجعل على كل جناح قائداً.. وكان الأمير سعود الكبير أحد القادة - وأحس أنه بحاجة إلى مزيد من الخيالة.. فأرسل ابنه الأمير محمد الى الملك عبدالعزيز طالباً منه أن يزيد في عدد رجاله.. يقول الأمير محمد.. فذهبت إلى الملك ووجدته شارد الذهن وحيداً وما هو بوحيد.. فأخبرته بطلب والدي.. فقال (يا ولدي هذا ما عندي لكن فينا وفيهم شوفة الله) فلما اقفيت رأيت الملك عبدالعزيز يتجه بفرسه صوب القبلة ويرفع يديه إلى السماء يدعو (اللهم انك تعلم اني كاره هذا القتال.. أسألك في هذا اليوم أن تنصر من فيه عز الإسلام والمسلمين).

بمثل هذا التجرد والإخلاص انتصر الملك عبدالعزيز ووحد مناطق البلاد المتناثرة في دولة واحدة.. وعلى هذه الأسس تأسست المملكة العربية السعودية.

إنني كرجل أعمال يهمني الاستقرار بكل ما تعنيه الكلمة.. استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي.. وأي خلل أو ضعف في أي جانب سيؤثر على الجوانب الأخرى وسيؤدي إلى انعدام الاستقرار.. أي انعدام الأمن.

وحين أدعو إلى التمسك والولاء لنظام الحكم السعودي الذي اخترناه بتوفيق من الله فإني أرى فيه النظام الأمثل لطبيعتنا ونوعية حياتنا.. كما أني عايشت وتعرفت على نظم الحكم الأخرى وبالذات النظام الديمقراطي.. وبالذات الأمريكي.. فوالله إني كلما تمعنت فيه يوماً بعد يوم تكشفت لي فيه من العيوب ما يجعله من أسوأ نظم الحكم عبر التاريخ.. (وسوف أتحدث عن هذا بالتفصيل في كتابي الذي هو تحت الطبع في الوقت الحاضر..).

ولا يمكن لنا كسعوديين وبتاريخنا وأسلوب حياتنا وتنوع بيئتنا أن يكون لنا ملك لا يحكم.. هذا كلام لا معنى له والمطالبة به عبث..

في الوقت الذي خرج مواطنو غالبية الدول العربية ينادون بإسقاط نظام الحكم في دولهم.. كانت هناك مطالبات في دول مجلس التعاون ومن ضمنها المملكة العربية السعودية في تصحيح بعض الأوضاع المعيشية وتطوير بعضها.. ونحن نؤكد دائماً اننا وان كنا ننادي بالالتزام والتمسك بنظام حكمنا إلا إننا لا يمكن أن نؤله حكامنا ونعتبرهم معصومين من الخطأ.. بل نؤمن أنهم بشر من البشر واننا مطالبون بالتحاور معهم وإبداء النصيحة لهم ولكن بالأسلوب الراقي الذي رسمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.. أما أساليب العنف والغوغائية فلم تأت على الناس إلا بالدمار والخراب..

وإن من واجبات ومسؤوليات الحاكم وأمرائه ووزرائه أن يتيحوا الفرصة لمواطنيهم كي يبدوا رأيهم ويعترضوا على كل ما يؤثر في حاضر ومستقبل حياتهم.

تحدث الناس كثيراً عن الفساد في الإدارات الحكومية فاستجاب ولي الأمر وأنشأ هيئة عامة لمكافحة الفساد.. هذا تجاوب جيد للغاية.. ولكن من حقنا أن نسأل عن دور هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة والمباحث الإدارية.. وأن نسأل عن الأسباب التي اعاقت هذه الإدارات القائمة منذ أمد بعيد عن أن تقوم بدورها ولماذا الفساد الإداري في ازدياد.. وتأجلت الانتخابات البلدية عدة سنوات.. وتساءل الناس.. فتجاوب ولي الأمر - أعزه الله - وها هي الانتخابات تجرى للمرة الثانية.. ولكن من حقنا ان نسأل عن أسباب عدم تطوير العملية الانتخابية.. فلماذا على سبيل المثال حرمت المرأة من حقها الثابت لها شرعاً والمتعارف عليه عالمياً.. ولماذا لم يعلن حتى اليوم عن نتائج أعمال المجالس البلدية خلال السنوات الماضية حيث ما هو شائع لدى المواطنين وما نسمعه من كثير من أعضاء هذه المجالس ان ليس لها أي دور ايجابي بحكم انها تأتمر بأمر الأمين أو رئيس البلدية. فلماذا لا نستفيد من تجربة الأعوام السابقة ويكون لهذه المجالس دور فعال في الرفع من مستوى أداء الأمانات والبلديات. علماً أن معاناة المواطنين من هذه الإدارات يصعب حصرها وان المطلوب من وزارة الشئون البلدية والقروية أن تقوم بواجباتها وترتفع بأدائها إلى مستوى طموحات ولي الأمر والمواطن معاً..

ومن حقنا أن نسأل عن صندوق الفقر وعن أسباب عدم تفعيله ومن المسؤول عن تعطيله حتى اليوم.. ومن حقنا أن نسأل لماذا تتردى الخدمات الصحية يوماً بعد يوم مع ان الأموال تضخ في ميزانيتها كما لا تفعل دولة من الدول..

ومن حقنا ان نطالب الوزراء أن يجعلوا الأولوية لمقابلة المواطنين والتجاوب مع مطالبهم وحل مشاكلهم لا أن تكون الأولوية لاستقبال المسئولين الأجانب في المطارات.

ومن حقنا أن نسأل لماذا انتجت دبي ما لا يقل عن عشر شركات مقاولات اماراتية عملاقة عالمية نحن الآن نستعين بها لتنفيذ مشاريعنا الكبرى بينما على الرغم ان مشاريع المملكة تعادل عشرات مشاريع دبي ليس لدينا سوى شركتين بمستوى الشركات الاماراتية.

ومن حق رجل الأعمال السعودي ان يسأل ومن حقه ان يحصل على الاجابة لماذا يستقبل خارج بلاده من قبل رؤساء الدول بينما يتعذر عليه مقابلة وزير..

ومن حقنا أن نطالب من كل مسئول أن يرد على كل ما ينشر عن إدارته.. فالشكاوى تغطي الصفحات يومياً ولا نجد سوى لا مبالاة في معظم الأحيان..

هذا خطأ كبير يجب تصحيحه.

ومن حقنا ان نطلب من الوزراء ان يستشيرونا في كل نظام ينوون استصداره فإذا ما صدر يكون لزاماً عليهم تفسيره للمواطنين. والا يترك التفسير لاجتهادات المغرضين الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.. وفي هذا الشأن يحضرني نظام الاعلام والنشر الذي صدر حديثاً..

هذه بعض أمثلة من معاناة الناس ومطالبهم الكثيرة.. لم أورد منها إلا القليل..

فالخلاصة ان ما يهم المواطن السعودي هو تحسين حالته المعيشية.. فالمواطن يريد الانجاز.. ويريد محاسبة المقصرين.. ومراجعة وتقويم الأداء بشكل دوري..

التأخير يراكم المشاكل بعضها فوق بعض.. مما يجعل حلها شبه مستحيل..

ولعلي أعود مرة أخرى فأقول: إننا نعيش في زمن متقلب وضبابية خطيرة وأن الفوضى والمصائب تحيط بنا من جميع الجوانب.. واننا لا نستطيع ان نتحصن ضد هذه المخاطر ومجابهتها إلا بالقوة الداخلية.. التفاف المواطنين وتوحدهم وراء قيادتهم في هذه الأيام بالذات فرض على كل فرد منا.. ولنعلم ان الحاقدين والحاسدين والاعداء يبحثون عن أي ثغرة مهما صغرت للنفاذ منها.. وعلينا (حكاماً ومحكومين) سد جميع الثغرات.. والثبات والوقوف جبهة واحدة لدفع الشر..

الاقتصاد في زماننا هذا دوره يتعاظم في صعود الدول أو انهيارها..

ورجل الأعمال له دور كبير يعادل دور حكومات في نجاح أو إخفاق اقتصاد أي دولة.. ولكن رجل الأعمال قد يخاطر ويذهب بنفسه إلى أي مكان في العالم مهما كان خطيراً.. ولكنه قطعاً لن يأخذ ماله أو استثماراته معه إلى أي مكان فيه خطورة.. ويقال ان (رأس المال جبان)

ولهذا فإنني كرجل أعمال أؤكد على أهمية الاستقرار العام.. الذي يؤمن الأمن والأمان للأرواح والأموال والاستثمارات..

ولعلي أختم بما ذكره (حافظ وهبة) في كتابه (ملوك العرب).. حين اختصر فأجاد فذكر انه من بين جميع ملوك العرب كان الملك عبدالعزيز هو الوحيد الذي كان مواطنيه يهابونه ويحبونه في ذات الوقت.. وذاك هو القائد بالفعل.. فقد بسط هيبته بعقيدته وحكمته وحزمه.. وبسط محبته بإخلاصه وبأنه لم يتعال على مواطنيه أو يحتجب عنهم أو يترفع عن مشاورتهم..

نسأل الله أن ينصر دينه ويحفظنا وبلادنا وبلاد المسلمين من كل شر. إنه سميع مجيب.

 

رؤية رجل أعمال
الحكم السعودي الرشيد - 2 / 2
م, ناصر بن محمد المطوع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة