Saturday  21/05/2011/2011 Issue 14114

السبت 18 جمادى الآخرة 1432  العدد  14114

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

يتذمر البعض من الصراع بين بعض الأطياف الفكرية في مجتمعنا، والواقع يقول إن الحراك الاجتماعي على هذا النحو أمر ضروري لرقي المجتمعات، ومثله يحدث في أكثر المجتمعات الإنسانية رقيا، وبهذا الخصوص يذكر الدكتور علي الوردي أنه لا بد لكل مجتمع إنساني من قدمين يمشي بهما، والقدمان هنا كناية عن الجبهتين المتضادتين فكريا، إذ من الصعب أن يتحرك المجتمع بقدم واحدة - حسب تعبيره-، ثم يضيف نصاً: «هناك جماعة المحافظين الذين يريدون إبقاء كل قديم على قدمه... وجماعة أخرى معاكسة لها هي تلك التي تدعو إلى التغيير والتجديد.... والمجتمع الذي تسوده قوى المحافظين يتعفن كالماء الراكد.. أما المجتمع الذي تسوده قوى المجددين فيتمرد كالطوفان... والمجتمع الصالح ذلك الذي يتحرك بهدوء فلا يتعفن ولا يطغى، إذ تتوازن فيه قوى المحافظة والتجديد فلا تطغى إحداهما على الأخرى...».

هذا ولكننا نلحظ أن الحراك الفكري لدينا لا يسير على هذه الوتيرة، إذ أن هناك خللاً يتمثل في عدم نضج معظم الأطراف الفاعلة، وبالتالي عدم إدراكها للحدود الفاصلة بين النقد الهادف، والغوغائية التي تتسم عادة بالحدة والهجوم الشخصي، وما يتبع ذلك من إثارة للبلبلة والشقاق وما هو أخطر من ذلك، ولعل كل هذا كان حاضراً في ذهن صانع القرار عندما أصدر نظام المطبوعات الجديد، والذي ركز بشكل لافت على أهمية حفظ حقوق الناس على مختلف أطيافهم وتوجهاتهم ضد كل من يتعرض لهم بالإساءة والتجريح دون الاستناد على دليل صريح.

من الواضح أن هناك من فهم هذا القرار -الذي لم تصدر لوائحه التنفيذية بعد- بشكل خاطئ، إذ اعتقدوا أنه موجه لفئة فكرية دون أخرى، ولذا فهم يكثفون هجومهم - بشكل انتقائي عجيب- على شخصيات وقرارات بعينها، ويصل الأمر حد التجريح والقذف، وقد بلغ الأمر ذروته -خلال الأسابيع الماضية- عندما هاجمت عدة شخصيات لها حضورها الاجتماعي إحدى الشخصيات العامة، ولا يمكن بأي حال أن يتم إدراج ما قيل ضمن «النقد البناء» المبني على أسس شرعية أو منطق سليم، بل بالعكس كان من الحدة والشخصنة والتدخل في أدق الخصوصيات ما جعله يتجاوز كل الخطوط الحمراء، وهو ما أثار استياءً عارماً حتى لدى من يرى أهمية نقد تلك الشخصية، لأن هناك فرقاً بين إبداء الرأي، وبين إثارة الفتن.

وعلى الرغم من أن جل ما قيل كان خارج نطاق المعقول، إلا أن أحد هؤلاء قد أبعد النجعة وهدد بشكل شبه صريح بأن بقاء تلك الشخصية في منصبها قد يجعل الناس تخرج في مظاهرات، ما قد يتسبب بزوال الدولة! (ارفق بنا يا رجل فزوال الدولة ليس بالأمر الهين)، وإن لم يكن فهمي سقيماً فإن الحديث عن إمكانية الخروج للتظاهر في هذا الظرف الدقيق والحساس لم يكن مناسباً على الإطلاق ولم يكن له ما يبرره، ولو لم نحسن الظن لقلنا إن هذا تعبيراً عما يكنه العقل الباطن، ثم إننا نتمنى أن نرى لهؤلاء حديثاً مماثلاً في القضايا التي تتعلق بهموم المواطنين، ولكن هيهات.

من الواضح أن من دشن هذا الهجوم الشنيع يعتقد بأنه في منأى عن المساءلة، ولذا فإننا نناشد الوزير الخلوق عبدالعزيز خوجة أن يوضح هذا اللبس لتتضح الصورة للجميع.

يخيل إلي أن هؤلاء قد فهموا «الحرية» على النحو الذي فهمه ذلك الأخ العربي الذي زار الولايات المتحدة، وأراد أن يتأكد بنفسه من الحرية المطلقة في ذلك البلد، فما كان منه إلا أن ذهب إلى شارع بنسلفانيا، حيث يقبع البيت الأبيض العتيد، وأخذ يشتم الرئيس والشعب الأمريكي بأعلى صوته، فما كان من الشرطة إلا أن اعتقلته بتهمة «الإزعاج»!

إن مثل هذا الفهم الخاطئ هو الذي يجعل البعض لا يفرق بين النقد كأداة فاعلة تساهم في التنمية المجتمعية، وبين الهجوم الشخصي الانتقامي الذي يعاقب عليه القانون حتى في أكثر البلاد تحضراً، وهي ذات البلاد المتحضرة التي -رغم ديمقراطيتها العريقة- تعاقب من يتعدى على ذات «رمز الدولة» لما في ذلك من مساس «بهيبة الدولة»، والتي تعتبر أساس الأمن الاجتماعي.

وختاماً، فإن الناس قد لا تكترث بما يقوله جاهل، ولكنها بالتأكيد تعتب على من أوتي شيئاً من العلم عندما يساهم في إثارة البلبلة في وقت يكون الناس في أمس الحاجة إلى فيض حكمته!

خاطرة:

«إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله»، الحسين ابن علي رضي الله عنهما.

amfarraj@hotmail.com
 

بعد آخر
هذه دعوة للفوضى.. وليست نقداً !
د. أحمد الفراج

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة