Monday  30/05/2011/2011 Issue 14123

الأثنين 27 جمادى الآخرة 1432  العدد  14123

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يخطئ من يعتقد أننا دولة بدون قانون، فمن خلال بحث بسيط سيكتشف وجود قوانين وأنظمه لا حصر لها، بل إن معظم المؤسسات لديها قوانين وأنظمة، لكن الإشكالية التي نواجهها عدم تطبيقها والالتفات حولها، وذلك فيه إهدار للحقوق وإفساد لبيئة العمل، وذلك لا يعني عدم وجود جهد من أجل إصلاح الخلل، لكن الأمر لا يخلو من إخفاقات، ويأتي غياب تطبيقات القوانين المحليه إما بسبب البيروقراطية، أو لأسباب لها علاقة بالتواري عن عيون الرقيب داخل مشلح الإخفاء، وكنت قد أملت كثيراً في هيئة مكافحة الفساد الجديدة، لكنني أرى أن مهمتها في غاية الصعوبة في ظل عدم وضوح الرؤية في كيفية عملها وتطبيق تشريعاتها على مختلف المؤسسات الحكومية، بل عن كيفية تعامل المواطن مع الهيئة الجديدة عندما يُهدر حق من حقوقه بسبب الفساد الإداري.

يحتاج الأمر إلى رقابة على أولئك الذين يتجاوزون عن عمد تطبيقات القوانين والأنظمة، ولعل أكثر الأسباب التي تجلعهم يفعلون ذلك حسب وجهة نظري خوفهم من المحسوبية أو بكلمات أخرى خوفهم غير المبرر من ردة فعل النفوذ الذي يختبئ في داخله ذلك المتسلط الصغير، وأكاد أجزم أنها رهبة غير محسوبة لأن أغلب الشخصيات النافذة في المجتمع لن تسمح أن يدنسها ذلك الفاسد الذي يظهر أمامهم بصورة الملاك بينما هو منتهك لأبسط حقوق المواطن أو المقيم.

بحث الإنسان عن القانون قبل نزول الأديان، وحاول أن يضع أساسيات يحكم من خلالها الناس قضاياهم، وذلك من أجل الخروج من بيئة الغابة التي لا تعترف بالضعفاء، فالبقاء للأقوياء في مجتمع الغابة، والمجتمع الفاضل هو الذي يحقق العدل لمستضعفيه، وينتصر لهم أمام نفوذ الأقوياء، والمجتمع الجاهل هو الذي يعيش فيه المتسلطون ويظلمون ويكونون الثروات على حساب صغار القوم وضعفائهم، ولا بديل عن ذلك إلا بمراقبة ذلك التجاوز.

وجاء الإسلام بمفهوم العدالة في أبهى صورها عندما ورد في محكم كتابه، {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} فقد وضع نفسه في مصاف مرتبة البشر، ولم يحمل كونه رسولاً لله تبريراً لأخذ حقوقهم من غير وجه حق، بل كان نموذجاً رائعاً في فصل السيادة عن الشريعة، وفي تحقيق العدالة في أوجه يصعب حصرها في هذه المقالة، وكان ذلك إيذاناً بانتهاء نفوذ البشر بعضهم على بعض، واحتاج الغرب لقرون للوصول إلى الصيغة الوضعية لإقرار فصل السيادة عن القانون، وفي قبول مبدأ مفهوم المساواة تحت مظلة القانون، بينما كان ذلك واضحاً في مقدمات الدين الإسلامي، لكننا مع ذلك لا زلنا نراوح في مكاننا منذ ذلك القرن، ولا نتقدم من أجل تفعيل تلك الروح القانونية في الدين الحنيف.

تجلت تلك الصورة في قصة ضرب ابن عمرو ابن القبطي بالسوط وعندما قال له: أنا ابن الأكرمين! فما كان من القبطي إلا أن ذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في المدينة وشكا إليه، فاستدعى الخليفة عمرو بن العاص وابنه، وأعطى السوط لابن القبطي وقال له: اضرب ابن الأكرمين، فلما انتهى من ضربه التفت إليه عمر وقال له: أدرها على صلعة عمرو فإنما ضربك بسلطانه، فقال القبطي: إنما ضربتُ مَن ضربني. ثم التفت عمر إلى عمرو وقال كلمته الشهيرة: «يا عمرو، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً».

ليس إحقاق العدالة توزيع الثروات بالتساوي على الناس، ولا يعني أيضاً توزيع الهبات، فذلك كان المفهوم البدائي لها، ولكنه فسح المجال من أجل فرص متساوية في النجاح، وفي إمكانية تحقيق المجد الفردي للمواطن، وذلك ما جعل من الغرب في مقدمة الحضارة الإنسانية في العصر الحديث، ومن أجل جعل تلك البيئة الصالحة للإبداع يحتاج المجتمع إلى قوانين واضحة، سهلة التطبيق، على أن لا تضعفها الاستثناءات والحماية، لذلك يجب أن يفطن أصحاب النفوذ من ذلك المتسلط الذي يبتسم في اتجاهها، لكنه يكشر بأنيابه في اتجاه الآخرين، ويضرب بعرض الحائط قوانين البلد.

 

بين الكلمات
داخل المشلح..
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة