Monday  30/05/2011/2011 Issue 14123

الأثنين 27 جمادى الآخرة 1432  العدد  14123

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

ملحق البيعة

      

تمضي السنوات الست في بناء لا يعرف الهدوء، هذا البناء متعدد المناحي؛ فهناك بناء العقول، وبناء الجامعات، وبناء الاقتصاد، وأبنية أخرى يصعب تعدادها. لقد اهتمَّ الملك عبدالله - حفظه الله ورعاه - ببناء عقل الفرد السعودي؛ لينظر إلى الأمور نظرة الرجل العصري؛ فالعالم اليوم مدينة واحدة، وما يؤثر في حي منها يؤثر في الحي الآخر؛ ومن هذا المنطلق فتح باب الابتعاث على مصراعيه؛ لينهل الطالب السعودي من مناهل العِلْم الحديث، ويقف بجانب الطالب الأجنبي، يتأثر به ويؤثر فيه.

إن دراسة اللغة الأجنبية اليوم أصبحت ضرورة لا بد منها، ودراستها في موطنها اختصار للوقت، مع ما يكتسبه الطالب من التفاعل الحضاري والتلاقح المعرفي، والوقوف على نمط الحياة الغربية في احترامها للفرد وحفظ حقوقه، وكيف هو جزء فاعل في المجتمع، له حقوق وعليه حقوق. إن المجتمعات العربية تحاول اللحاق بالمجتمعات الغربية في نمط نظام الفصل في المدرسة، وقاعة المحاضرة في الجامعة، وطريقة السير في الشارع، وإن كانت هذه الأمور ثانوية إلا أنها هي التي تواجه الإنسان في يومه وليلته، وتلاحقه من يوم لآخر؛ فنظام المدرسة لدينا ما زال يزحف، ونسمع الكلام عن التطوير؛ فيتحول إلى قعقعة لا تُخرج الطحين. وفي الجامعة تحوَّلت الجودة في التعليم إلى حديث عن الجودة، واجتماع عن الجودة، أما الجودة نفسها فالله أعلم بها، هل نصل إليها أم لا. والملك عبدالله عندما أمر بفتح الباب للابتعاث كان ذلك رغبة في أخذ الجودة من مصدرها، وأن يعود الطالب السعودي وهو يحمل الجودة؛ ليغرسها في مجتمعه، ويؤثر في زملائه وفي جامعته وإدارته.

وطريقة السير في الشارع يُنظر إليها نظرة دونية، أو أنها أقل شأناً من غيرها، وفي الواقع أن طريقة السير في الشارع تمسُّ الصغير والكبير، الرجل والمرأة؛ حيث يواجهها الطالب ذاهباً إلى مدرسته، والطبيب ذاهباً إلى المستشفى، والمريض قاصداً مصحة يتشافى فيها، والموظف في ذهابه وإيابه.. إن طريقة السير في الشارع أمر يمس الجميع، ومعالجتها يصحبها التراخي، فإذا كانت الأمم الأخرى قد حلت هذه المسألة فعلى العائدين من البعثات - وقد عايشوا أزمة الشارع لدينا ولدى الآخرين - أن يقدموا ما عندهم؛ ليحلوا أزمة جسر الخليج المنفذ الرئيس لشرقي الرياض مثلاً، وأزمة طريق الملك فهد المنفذ الرئيس بين الجنوب والشمال في مدينة الرياض..

لقد نادى الملك عبدالله بالإصلاح في يوم البيعة وغيره من الأيام، وأعطى المسؤول الصلاحية والمال، ولكن المسؤول لم يُلبِّ رغبة الملك في تسهيل أمور المواطنين. إن مسألة الطريق مقدَّمة على غيرها؛ لأنها معاناة يومية وليلية؛ فالتراخي فيها يؤزمها، والحلول الوقتية لمدينة تتضاعف كل عشر سنوات لا تلبي المطالب، ولا تحل مشكلة تصاحب الإنسان السعودي كلما خرج من بيته.

الملك عبدالله يتمنى لشعبه كل خير، ويبحث عن المسؤول القادر على البناء وإنجاز ما وُكِّل إليه؛ لأن المال موجود، لكن المسؤول تغرقه الإدارة بتعقيداتها فتمضي السنة بدون إنجاز. وكم كان الملك يتمنى نشر إنجاز السنة الماضية كلما حلَّت ذكرى البيعة، ولكن المشروعات تتعثر، والمسؤول يعتذر، ومع ذلك فالمتحقَّق يُبشِّر بتطور الإنجاز من سنة إلى أخرى.

لقد حرص الملك عبدالله على أن يبني الجامعات السعودية بناء مادياً ومعنوياً؛ فسار البناء في طريقه في جامعات تبوك وحائل والحدود الشمالية ونجران وجيزان والباحة، وثمرات هذا البناء أثمرت؛ فجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن افتتحها خادم الحرمين الشريفين يوم الأحد الثاني عشر من الشهر السادس من سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة بعد الألف هجرية، وقد أُنجزت في وقت قياسي مع أنها تحوى خمس عشرة كلية ومراكز أبحاث ومستشفى ومدناً سكنية ومرافق رياضية وشبكة قطارات.. وإنجاز هذا المشروع في وقته المحدد له يُبشِّر بإنجاز مشاريع أخرى في وقتها المحدد. وبما أن هذه الجامعة أُنجزت، والدراسة فيها ستبدأ في وقت قريب، فماذا عن الطرق المؤدية إليها؟ ستتضاعف أعداد السيارات في الدائري الشرقي وفي مدخل المطار. إن اعتماد الطرق للمشروعات الكبرى أمرٌ ضروري؛ فمدينة الملك عبدالله الاقتصادية ستُفتتح في وقت قريب، وستزدحم الطرق حول المدينة، وعند ذلك سنفكِّر في الحلول!

إن الاهتمام ببناء الاقتصاد القوي له جانب من تفكير خادم الحرمين الشريفين؛ ولذلك لم يضعف اقتصاد المملكة العربية السعودية؛ ففي كل ذكرى للبيعة يزدهر الاقتصاد، وينمو رغم المؤثرات الخارجية وخسارة الأسهم التي اجتاحت العالم في العامين السابقين، ولم تكن المملكة بمنأى عن الخسارة العالمية؛ فتأثر أفراد وبنوك، ولكن اقتصاد الدولة بوجه عام سار في طريقه، متجاوزاً عقبات اشترك فيها اقتصاد العالم، وفي هذا العام تعافى الاقتصاد كلياً من عوارض التأثير التي اعترته في الأعوام السابقة، وهذا المشروع الضخم (جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن) الذي كلَّف عشرين مليار ريال دلالة واضحة على قوة الاقتصاد السعودي.

إن الاقتصاد القوي للمملكة العربية السعودية مكَّنها من بناء مشروعات عملاقة، مثل مشروع الجمرات وقطار المشاعر، وتوسعة المسعى، وتوسعة الحرم الشريف، وإنجاز قطار الشمال، وبناء جامعة الملك عبدالله، ومعالجة سيول جدة.. لقد أمر الملك وقدَّم المال، ولكن المسؤولين عن المعالجة لم يكونوا في مستوى طموحات الملك؛ فتعثرت المعالجة، وجدة تغرق كل عام. إن المسؤولية عبء ثقيل لا شك في ذلك، ومع ذلك لم نرَ مسؤولاً طلب إعفاءه عندما يحس بعدم قدرته على الإنجاز، بل يبقى في موقعه وهو غير قادر على تقديم إنجاز لخادم الحرمين الذي اعتمد عليه بعد الله في إنجاز ذلك العمل، مع أن الآلاف من البشر ينتظرون إنجازه.

وهذا الاقتصاد القوي خلَّف قرار مكافأة الشهرين من لدن خادم الحرمين الشريفين، وخلّف الأمر الملكي ببناء نصف مليون مسكن للمواطنين، وخلّف رواتب العاطلين..

ومن اهتمامات الملك - يحفظه الله - تأليف القلوب عن طريق نشر الحوار، ومعالجة القصور الحاصل في كل بلد من النواحي التعليمية والصحية والسكنية والطرق والتجارة، وهذا الحوار ينتقل من بلد إلى بلد، وترفع نتائجه لخادم الحرمين الشريفين. وقد أثمر هذا الحوار بقرب المسؤول من المناطق النائية. إن خادم الحرمين الشريفين له الفضل بعد الله في نشر ثقافة الحوار، التي تجاوزت المملكة العربية السعودية إلى البلدان الأخرى والديانات الأخرى.

حفظ الله خادم الحرمين، وأعانه على تحمُّل المسؤولية؛ فقد خطت البلاد خطوات جبارة في عهده؛ فليس لنا إلا الدعاء له بطول العمر، والصحة التامة، وأن يكون التوفيق رفيقه في كل ما يصبو إليه من رِفْعة شعبه؛ فهمُّه الأول والأخير أن يكون هذا الشعب في مصاف الشعوب المتقدمة في جميع مجالات الحياة.

أكرر التهنئة بهذه الذكرى العطرة التي حلَّت في القلوب، وأودعت في الوجدان.. هنيئاً لك يا خادم الحرمين باحترام شعبك لشخصكم الكريم؛ فكل فرد يحمل هذه الذكرى ليقول في هذا اليوم: أهنئكم بالذكرى السادسة، ودمتم لهذا الشعب الوفي السائر خلف القيادة الحكيمة.

 

ذكرى البيعة محفوظة في القلوب
أ. د. عبدالعزيز بن محمد الفيصل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة