Tuesday  31/05/2011/2011 Issue 14124

الثلاثاء 28 جمادى الآخرة 1432  العدد  14124

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

لم تزل تونس تحت تأثير الخوف والقلق، ذلك الذي تلمحه في ملامح أهلها وهم يوصونك بقلق بألا تخرج بعد الثامنة ليلاً، بل إن بعضهم يقول إذا حل الظلام فلا تخرج نهائيًا، لأن هذا الوقت هو لعبة اللصوص أو «البلطجية» الذين يحملون الخناجر والسيوف، ويهددون العابرين في الأماكن الخالية، وحتى في النهار لا تضمن ألا يعترض طريقك ويعطل سفرك المعتصمون لأي سبب كان، فلغة الاعتراض والاعتصام والرفض هي السائدة، فكم هو الصخب ضد تأجيل الانتخابات التي أعلن عنها قبل ذلك، وكأنما المواطن التونسي، بل المواطن العربي في أي مكان، لم يعد يثق بلغة الوعود التي ملَّ منها.

رغم جمال شارع الحبيب بورقيبة واتساعه ومقاهيه ومطاعمه، والمسارح ودور السينما، والزحام فيه، وهو طبعًا الشارع الذي تنطلق منه المسيرات، وهو الوجه الآخر لميدان التحرير في القاهرة، إلا أن هذا الشارع الرائع للأسف ينام باكرًا للأسباب الأمنية ذاتها، وكنت أقول للسائق التونسي لطفي، بأن المدن تزدان في ليلها، فمدينة لا تسهر ليلاً، لا تشعر بجمال صباحها.

هذا الشارع الذي أشرت إليه في الكلمة التي ألقيتها في دار الحسين بمناسبة حصولي على جائزة أبي القاسم الشابي، فقد أذهلني منظره من نافذة غرفة الفندق في الصباح الباكر، وطيور اليمام تتخاطف في سمائه بكثرة لافتة، فشعرت أن تعليق أحد أصدقائي في الرياض كان صائبًا، حينما هاتفني مازحًا، بأن الحمام الذي لا يطير في بريدة قد طار في تونس، فقد شعرت أنه فعلاً ذلك الصباح كان يحلّق بحرية وسعادة.

كل قديم في تونس هو موضع عناية واهتمام، بل ويستخدم في المناسبات الثقافية العامة، فدار الحسين دار قديمة جدًا، لأحد الجنرالات، وهي قديمة ومشغولة بطريقة تراثية رائعة، بينما نحن لا نحافظ على قديمنا، لا نرممه ونصنع منه تاريخًا، بل إن السهل هو ما نفعله، نمسح الأماكن الجميلة تمامًا، أو نغير ملامحها إلى حد كبير، بحجة التجديد، فتفقد هويتها وقيمتها التاريخية، فنحن لا نصنع أماكننا، ولا نصنع رموزنا الثقافية، كثيرًا ما أتذكر منزل الروائي البريطاني تشارلز ديكنز في منطقة بلومزبري، وكيف ابتاعته الحكومة وحوّلته إلى متحف صغير، حافظت فيه على كل جزء صغير من حياة ديكنز، مكتبته، غرفة جلوسه، طاولة طعامه، بل حتى قاعة صغيرة جداً، كانت عبارة عن أربعة كراسي يواجهها كرسي كان يجلس عليه أمام أصدقائه كي يقرأ عليهم فصلاً من فصول روايته. فهل نجد هذا الفعل العظيم في عالمنا العربي؟ هل نجد منزل أبي القاسم الشابي قد صار متحفًا في تونس، وطه حسين أو نجيب محفوظ في مصر، ونزار قباني في سوريا، وحمد الجاسر وعزيز ضياء في السعودية.. وهكذا. أعتقد أن أمة لا تفخر بكتابها وتحافظ على أمكنتها التاريخية ستذهب حتمًا في النسيان.

صحيح أننا نكرم هؤلاء بإنشاء مؤسسات ثقافية تحمل أسماءهم، وصحيح أننا نطلق أسماءهم على شوارع في مدننا، لكن ذلك لا يقدم شيئًا خالداً وشائعاً في العالم، فما الذي يمنع أن نصنع جائزة لتحقيق التراث باسم الجاسر، أو جائزة للترجمة أو السيرة الذاتية باسم عزيز ضياء، أو جائزة لأدب الرحلة باسم العبودي، أو جائزة للموسيقى باسم طارق عبدالحكيم، وهكذا ندعم هذه المجالات من جهة، ونخلّد هذه الأسماء الرائدة في مجالاتها من جهة أخرى.

 

نزهات
حتى لا نضيع هؤلاء!
يوسف المحيميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة