Wednesday  01/06/2011/2011 Issue 14125

الاربعاء 29 جمادى الآخرة 1432  العدد  14125

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

يشكل التطرف الناتج عن الانحراف الفكري أزمة حقيقية للفكر، فضلاً عن أزماته الأخرى، إذا تجسد في أرض الواقع، ولكي نبحث عن مخرج لهذه الأزمة الفكرية، يجب أن نحلل الأسباب، ونتتبع الجذور التي أدت إلى هذا التطرف، ونظراً لأهمية هذا التحليل، ودوره المرتقب في تشخيص العلاج المناسب، كان الواجب أن يتولى هذا الدور العظيم مؤسسات متنوعة بجهود جماعية منظمة لا أفراد أو خبراء مهما بلغ تكوينهم الفكري بعيدًا عن التنظير لأن القضاء على الإرهاب يستلزم القضاء على مسبباته وجذوره من خلال إيجاد إستراتيجية أمنية فكرية تربوية تشترك فيها جميع مؤسسات المجتمع، مع توسيع دائرة البحث عن الأسباب الحقيقية للإرهاب ودراسة شاملة للظروف النفسية والاجتماعية والأسرية التي تدفع هؤلاء الشباب إلى التطرف الفكري الذي ينقلهم إلى مناطق الصراع الدولية وممارسة الإرهاب لأن ظاهرة الإرهاب باتت مصدر خطر على الجميع، وما زالت الأعمال الإرهابية تختبر تصميمنا على محاربتها وتمتحن عزيمتنا على التصدي لها. ليس للإرهاب مبررات مقبولة، لكن له جذور ومسببات ينتعش في ظلها ويتغذى من تفاقمها. ومهما اتسعت دائرة البحث عن أسباب الإرهاب فإن سبب الانحراف الفكري سيظل في المرتبة الأولى وتأثيره هو الغالب وهذا المرض الفكري يمكن أن يظهر في أي بيئة وبعدة أشكال كالعنف والغلو والتطرف والإرهاب ويصيب كل من له استعداد نفسي وعقلي، وهناك عوامل وأسباب أخرى رئيسية بالإضافة للعامل الأهم كما سبق (الانحراف الفكري) كالتالي:

1- قلة العلم الشرعي والجهل بالدين وبفقه العصر ومقتضياته.

2- عدم مناقشة المسائل الفقهية والشبهات التي أدى الجهل بها إلى وقوع كثير من الشباب في براثن الإرهاب، حيث أدى سوء فهم شباب الإسلام لمعنى الجهاد وكيفية تطبيقه إلى أن الجماعات المتطرفة قد استغلت هذا الجانب في تحقيق أهدافها ومصالحها وصورت لهم مناطق الصراع الدولية الملتهبة أنها أرض خصبة للجهاد.

3- ترك الشباب المرجعية الدينية في مجال الفتوى من كبار العلماء لدينا والأخذ والتلقي للفتوى من أنصاف العلماء أو من خطيب جائر أو مواقع مشبوهة مثل الإنترنت وممن يخالفوننا في المذهب والمعتقد مع تجرؤ الخلف من حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام على الفتوى.

4- لي النصوص الشرعية وتفسيرها بما يتوافق مع أهوائهم ومعتقداتهم.

5- عدم متابعة كثير من أولياء الأمور لأبنائهم والبعد عنهم وعن أسرهم أدى إلى حدوث فجوة بين الشباب وأسرته ومن ثم المجتمع نتيجة غياب الدور الرقابي للوالدين على الأبناء.

6- وقت الفراغ: يلعب الفراغ دوراً مباشراً في انضمام الشباب للانحراف والجماعات المتطرفة وخاصة الفراغ الذهني.

7- نقص المستوى التعليمي: وهذا العامل من أهم العوامل التي تساعد على سرعة الانتماء للجماعات الإرهابية حيث إن بعضهم لا يحفظ حتى قصار السور إلى جانب إسناد المواد الدينية لغير المتخصصين في العلوم الشرعية.

8- وقد تكون قلة الفرص الوظيفية من أهم العوامل التي قد تدفع الشباب إلى الانحراف أو التطرف مستقبلاً رغم أننا لا زلنا في منأى وبعد عن البطالة ولكن الحل يكمن في ربط المؤسسات التعليمية والمخرجات منها بالمؤسسات المهنية والكليات التقنية وزيادة دعم المشاريع الصغيرة والتوسع في إيجاد الفرص الوظيفية والعمل على نشر ثقافة احترام المهن الحرفية وإحلال المواطن في كثير من هذه المهن من خلال تهيئته لها وتطوير آليات محاربة الفقر. وتعد القرارات الحكيمة والأوامر الملكية الأخيرة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين أحد العوامل المهمة التي سوف تساهم في خلق فرص وظيفية للحد من هذه المشكلة.

9- الغزو الفكري والفضائي المدمر وشبكات التواصل الاجتماعية الموجهة لقتل روح الانتماء في شبابنا وزرع التطرف والغلو فيه حيث تعتبر شبكة الإنترنت من أهم قنوات الاتصال للجماعات التكفيرية المتطرفة من فئة البغي والضلال تبث من خلالها فكرها ومنهجها وأيدلوجيتها لتجنيد الشباب في خلاياها الإرهابية.

10- التقصير وعدم الرؤية الواضحة وغياب التخطيط والتنسيق لدى مؤسسات المجتمع المدني وخاصة المعنية بالتنشئة في أداء المسؤولية المنوطة بها في حفظ واستثمار عقول الشباب ودورها الوقائي والاستباقي المهم من الانحراف الفكري.

11- كثرة التصنيفات وعدم وجود منافذ للحوار في كثير من البلدان جعلت العالم الإسلامي اليوم يعاني من انقسامات فكرية حادة بين تيارات مختلفة، وأبرز هذه التيارات: تيار ليبرالي يدعو إلى الانسلاخ والبعد عن الدين، وفي الجانب الآخر نجد التيار الديني المتشدد البعيد عن الوسطية والاعتدال، كل منهم يسعى للتشكيك في الآخر وعدم الثقة فيه، جعلت بعض المتحمسين من صغار السن والجهلة يلتحقون بفكر التطرف والإرهاب.

12- التطرف في محاربة الدين وتناوله بالتجريح والسخرية والاستهزاء والتصريح بإبعاده عن شؤون الحياة من قبل بعض الكتاب والمثقفين وتنقيصهم لعلمائه أو كتبه ومراجعه ولعل القرار الملكي السامي الأخير كافٍ لردع المتطاولين على الدين ورموزه.

أما الأسباب الخارجية للإرهاب فقد شخصها صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي من (إن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة عصيبة تتلاقى وتتقاطع فيها أزمات متعددة في نفس الوقت، من استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان، إلى تفجر الأوضاع على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية وما تلاها من غزو مدمر، إلى تحديات عدم الاستقرار والنزاع الطائفي في العراق، إلى أزمة البرنامج النووي الإيراني) حيث إن الإرهابيين يستغلونها لتبرير أعمالهم الشريرة وتجنيد أنصارهم، ثم أن (ازدواجية المعايير الدولية) في كثير من القضايا المصيرية في المنطقة جعلت ذلك أرضاً خصبة وتربة لتنامي هذا الفكر المتطرف في المنطقة وغيرها من دول العالم.

إن هذا التعدد المتزامن لبؤر التوتر في المنطقة يوفر بطبيعة الحال مناخات مناسبة لتنامي التطرف ومخاطر الإرهاب التي تواجه العالم جميعاً ويهدد بعواقب وخيمة لا تحمد عقباها كل ذلك يحتم علينا أن نرفع الصوت عالياً في التحذير من استمرار تراخي الجهود الدولية، والاكتفاء بإدارة الأزمات، بدلاً من السعي الجاد إلى إيجاد الحلول الشاملة والعادلة المستندة إلى مبادىء القانون الدولي ومقررات الشرعية الدولية، بعيداً عن ازدواج المعايير وانتقاليتها وانحيازها مع محاولة الاتفاق على وجود مصطلح وتعريف من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي يتفق عليه الجميع لتعريف الإرهاب والتفريق بين الإرهاب وحق الشعوب المشروع في الدفاع عن نفسها كالحالة الفلسطينية أمام إرهاب الدولة الصهيونية، ولعلنا نصل من خلال ما طرح من نقاط وأسباب إلى رؤية علمية تسهم بإذن الله تعالى وتوفيقه في نجاح جهود مواجهة الفكر المتطرف وحماية الفرد والأمة من خطره ومخاطره بعد أن عرف المواطن والمقيم ما هو الإرهاب وأيقن بخطورته ورأى بأم عينيه شدة فتكه وعلم حرمة الانضواء تحت لوائه والإيمان بمرتكزاته ولبناته وتوجهاته، ولعل كلمة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في مؤتمر الإرهاب الأخير الذي احتضنته الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة والتي طالب في كلمته الرائعة التي دشن بها المؤتمر وافتتح بها فعالياتها الانتقال من دائرة التشخيص إلى وصف الدواء الذي به تتحقق الحماية للصحيح والعلاج للسقيم.

- باحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب

hdla.m@hotmail.com
 

تفخيخ العقول.. أسبابه.. مواجهته وحماية الفرد والأمة من خطره
د. محمد بن حمود الهدلاء

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة