Thursday  02/06/2011/2011 Issue 14126

الخميس 30 جمادى الآخرة 1432  العدد  14126

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كنت في حديث أخوي رائع مع أحد الأصدقاء الأعزاء ونحن على متن الطائرة المتوجهة من حائل إلى الرياض، وشرقنا وغربنا طبعاً فكرياً، فكانت المحطة الأهم والسؤال الأصعب في اعتقادي الشخصي، ترى «أين نحن في خارطة العالم الفكرية الشرقية والغربية؟»، وكانت اللغة في نظرنا معاً هي البوابة الأساس والركيزة الأهم في تحقيق الاستقلالية الثقافية المتزنة، والقدرة على توليد الأفكار ومن ثم التأثير على الغير أو على الأقل جعل معادلة المثاقفة في ميزانها الحقيقي، و كان كل منا يؤكد من مخزونه الذاتي وتجاربه الشخصية ما يبرهن به على هذا التوجه الذي قد نخالف فيه البعض من صناع القرار ورواد الفكر في عالمنا العربي ووطننا السعودي!!، ومن شواهد صاحبي وأدلته أن عالم الآثار السعودي المعروف الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الأنصاري يلقي أحاديثه خلال زياراته للجامعات والمتاحف الخارجية، وحين يجيب على التساؤلات الأجنبية، وعندما يتحدث في المداخلات العالمية باللغة العربية أولاً ثم يتبع ما قال بالإنجليزية فهو مجيد لهذه اللغة بشكل متميز، وهذا بصدق اعتزاز بالذات اللغوية، وله تأثيره القوي على المستمع أيًّا كان.

تذكرت هذا الحوار حول هذا الموضوع الهام وأنا أقرأ يوم الخميس الماضي مقالاً رائعاً للدكتور عبد الله البريدي «اللغة العربية.. عداء الآخر» والذي اختتمه بسؤال مهم (ترى ماذا سوف تعملون أيها المتنفذون العرب في الفضاءات السياسية والتعليمية والثقافية والإعلامية إزاء لغتكم وهويتكم؟).

إن هناك من المثقفين والأكاديميين من يحمل هذا الهم العربي ويحاول أن يسن سنة حسنة في سلوكه الشخصي فضلاً عن دفاعه الدائم وكفاحه المستمر من أجل هذه اللغة العزيزة على قلوبنا، ولعلنا جميعاً نذكر سلسلة المقالات الرائعة التي كتبها المربي القدير والأستاذ الكبير معالي الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد في جريدة الرياض عن هذا الموضوع بالذات، والسجال الذي دار حولها بعد ذلك !!، ولكن هؤلاء النماذج الفذة يعدون قلة في مقابل الأكثرية التي نسيت الدور المهم المطلوب منا في هذا الزمن إزاء لغتنا العربية، وغاب عنهم الأثر المباشر الذي ينعكس على هويتنا الوطنية والأممية في ظل تهاوننا في الذود عن حمى لغتنا المتميزة والعمل على تعزيز وجودها محلياً وعالمياً وبصورة علمية صحيحة.

إننا باختصار بصدد معركة لغوية وثقافية حقيقية متعددة المعالم مختلفة الأبعاد تبدو في ظاهرها دفاعاً عن اللغة العربية والثقافة الإٌسلامية ولكنها في عمقها وجوهرها دفاعاً عن الهوية والانتماء بل دفاعاً عن الوجود ذاته في مواجهة رياح التغريب والاندثار، وتظل نخب المثقفين هم الطليعة في هذه المعركة، وهم الكتيبة التي تقف في الصفوف الأولى.

وعلى الرغم من أنها أزمة أمة في الأساس، فإننا لا نستطيع أن ننتظر حتى تصلح أحوال الأمة لكي يستقيم حال اللغة العربية ومن خلفها ثقافتنا الإسلامية إذ لا يزال بأيدينا الكثير الذي يمكن أن نفعله دفاعاً عن هذه اللغة الغالية.

ويشير الكتاب والمختصون إلى أن الجهد اللغوي يمكن أن يحقق هدفه على نحو أفضل وفي وقت أقصر لو توفر له ظرفان:

• الظرف الأول: يتمثل في تنشيط جهود مجامع اللغة العربية لكي تضع بين أيدي المعنيين البدائل العربية للمصطلحات الأعجمية التي تشيع بينهم، لأنه ما لم يتوافر البديل فإن استخدام اللغات الأخرى يصبح خياراً وحيداً.

• الظرف الثاني: إرادة سياسية/ ثقافية تدرك أهمية اللغة العربية، وتعلن انحيازها لها فيما تمارسه من أفعال وما تتبناه من خطاب، ولا عجب إذ ثمة دول معروفة دافعت عن لغاتها بما أصدرت من قوانين كما حدث في فرنسا مثلاً حيث فرضت قبل عدة أعوام غرامة ألفي فرانك فرنسي على كل من يستخدم كلمة أجنبية واحدة يوجد لها مقابل في الفرنسية.

وهذه خطوة مهمة لا ريب، يكملها ويعزز دورها أن تبادر السلطات الثقافية والإدارية والأكاديمية و... باحترام اللغة، وإظهار التمسك بها أعني أن تقدم هذه الفضاءات النموذج الذي يحتذيه الناس ومن ثم يربى عليه المجتمع.

شكراً من القلب لعالم الآثار القدير الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الأنصاري ولمن نهج نهجه وسار على أثره، وكلمة إجلال وتقدير لقيادة بلادنا الغالية التي تولي هذه اللغة جل اهتمامها، وتؤكد دوماً على وجوب المحافظة عليها، وتعزز وجودها الداخلي والعالمي، وتضع الجوائز والمسابقات من أجل الرقي بمصطلحاتها ودلالاتها المختلفة وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
الأنصاري «والاعتزاز بالذات اللغوية»
د. عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة