Thursday  02/06/2011/2011 Issue 14126

الخميس 30 جمادى الآخرة 1432  العدد  14126

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، صدق الله العظيم (سورة إبراهيم الآية: 24) تلك آية كريمة من آيات الله تعالى في القرآن العظيم لها معانيها وأهدافها في كل عمل صالح آناء الليل وأطراف النهار في كل وقت وحين (بإذن ربها) أي كاملاً حسناً كثيراً طيباً مباركاً.

وجاء في تفسير الآية (كشجرة طيبة) وهو المؤمن، (وأصلها ثابت) يقول لا إله إلا الله في قلب المؤمن) (وفرعها في السماء) أي يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء. وقال الإمام البخاري رحمه الله عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أخبروني عن شجرة تشبه - أو - كالرجل المسلم لايتحات ورقها صيفاً ولا شتاءً، وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فلما لم يقولوا شيئاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هي النخلة) إن ذلك عبارة عن عمل المؤمن الطيب، وعمله الصالح، (من تفسير القرآن العظيم للإمام الجليل بن كثير، الجزء الثاني).

لقد فقدت الأمة العربية السعودية يوم الاربعاء الخامس عشر من جمادى الآخرة عام 1432هـ 18 مايو (أيار) 2011م، عالماً جليلاً، ورجلا من التاريخ الثقافي الإسلامي، ومن رجال الأدب في اللغة والشعر العربي الأصيل، وواحداً من كبار رجال الإعلام والصحافة منذ أطوارها الأولى على أرض المملكة العربية السعودية في وقت كان الاعلام أمرا مهما وضرورياً تضعه الدول في طليعة أولوياتها، وأصبح مستوى نجاح الدول في تحديث إعلامها باعتباره احد أهم مقاييس التقدم وملازمة حضارة العصر، لما له من أهمية وأثره على الفرد والمجتمع السعودي، وفي وقت أصبحت (الكلمة) هي الأساس ومن ضرورات الدولة الحديثة، وقد أصبح الإعلام في شبه الجزيرة العربية هدفاً ووسيلة ملزمة لقيام الدولة.

انه الشيخ عبدالله بن خميس من مواليد محافظة الدرعية عام 1339هـ وعن عمر يناهز (93) عاماً، وهو صاحب مؤلفات تاريخية تراثية وأدبية، (ومؤسس مجلة الجزيرة) قبل نصف قرن ميلادي ثم أصبحت جريدة يومية من كبريات الصحف السعودية في صفر 1384هـ الموافق شهر يونيو (حزيران) 1964م، وأصدر جريدة (المسائية) في محرم 1402هـ الموافق نوفمبر (تشرين الثاني) 1981م وقد توقفت (المسائية) منذ سنوات مضت.

نعم الموت حق على كل إنسان مؤمن بربه وعقيدته فهو من إرادة الله تعالى الخالق العظيم لينتقل المتوفى الى دار البقاء ليعيش براحة أبدية لكل إنسان سواء كان عالماً أو مثقفاً أو أديباً، ومهما كانت منزلته في مجتمعه، في قوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ

فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لا يَسْتَقْدِمُونَ سَاعَةً ولاَ يَسْتَأْخِرُونَ}.

والإنسان المؤمن لابد أن يحزن على إخوانه وعلى رجال التاريخ والعلم والادب في وطنه، لذلك فجع كل من عرف ابن خميس وبرحيل هذا العالم الجليل القدير في علومه وثقافته الإسلامية والداعية لرسالة الإسلام والتمسك بمبادئها، لأن الفقيد قدم لوطنه السعودي الكثير والكثير من علومه الواسعة وبأدبه الجم سواء في الماضي وفي حياته، وبما سجله لتاريخ الجزيرة العربية ولموقعها الجغرافي في وسط العالمين العربي والإسلامي، لقد كان- رحمه الله- مدرسة ثقافية ادبية رفيعة المستوى بعلومها، ومدرسة إعلامية مميزة بدأها بانشاء مجلة (الجزيرة) ثم أضحت مؤسسة (الجزيرة) للصحافة والنشر مقرها مدينة (الرياض) العاصمة السعودية، وصدر العدد الأول (كمجلة) ادبية اجتماعية في شهر ذي القعدة 1379هـ ابريل (نيسان) 1960م، وكان ناشرها ابن خميس مديرها ورئيس تحريرها وكان فارساً من فرسان الكلمة الإعلامية الصافية وأحد روادها الاوائل.

وعندما أكتب عن الراحل بن خميس عالم الثقافة الإسلامية لأنني عرفته عن كثب منذ اربعة عقود وبالتحديد عام 1971م وكان اللقاء الاول في مكتب صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز في عهد كان والده في منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية وهو الذي طلب مني زيارة نجله الأمير فيصل ليحدثني عن الادب والثقافة السعودية وهو يتولى الرئاسة العامة لرعاية الشباب المسؤول عن الرياضة بالإضافة للشأن الثقافي وفي مبنى الرئاسة العامة للشباب مكتب خاص لرعاية الشؤون الثقافية والفنون وإدارة أعمالها وقد أسند اليه منصب إدارة الثقافة الاستاذ الصديق عبدالله الشهيل مساعد رئيس مجلس إدارة جمعية الثقافة والفنون للشؤون الثقافية رئيس مجلس إدارتها الزميل محمد أحمد الشدي، وهما من الكتاب في الادب والثقافة ويلازمان الحركة الفكرية الادبية.

وأكد الأمير فيصل بأن الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون تعمل على نشر النتاج السعودي بهدف خدمة المجتمع الثقافي السعودي لتصبح مسيرة الثقافة والفنون مواكبة للنهضة الكبيرة التي تقدمها المملكة العربية السعودية لرواد الثقافة والأدب في المملكة العربية السعودية من حرصها الشديد لخدمة رجال العلم والثقافة والشعر العربي لتطوير الحركة الأدبية لمجتمعنا الثقافي.

وكان الأمير فيصل يعطي كل اهتماماته بالشأن الرياضي لرعاية أجيال المملكة الناشئة في كل زمان وفي الأمور الأدبية والثقافية وهو يرغب بأحداث وزارة خاصة للثقافة، لأن الثقافة الإسلامية والأدب العربي يتطلب ذلك لكون الوزارة مسؤولة عن الشأن الثقافي والشعر العربي والشعر النبطي وهما يعبران عن آفاق ثقافية واسعة، والشعر الحي في اتجاهه الإسلامي له تأثير قوي وعميق الإحساس بجمال كون الطبيعة الخلاقة وقد ألحقت الشؤون الثقافية مؤخراً بوزارة الإعلام وأطلق عليها وزارة الثقافة والإعلام.

وفي تلك المقابلة ظهر لي بأن اهتمام الأمير فيصل بالشعر العربي والنبطي كان ناشئا لاهتمام الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بالشعر العربي باعتباره أول لبنة من لبنات تأسيس المملكة العربية السعودية، وكان المؤسس الأول للدولة السعودية يتذوق الشعر ويطرب المعنى الدقيق، ويتردد على لسانه بعض الأبيات في المناسبات، وأنه في الشعر الملحون (النبطي) أعرف وأعمق كما يقول خير الدين الزركلي أحد مستشاري الملك عبدالعزيز في (كتابه - الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز).

ويروي الزركلي في ملفه كأنه سأل الأمير عبدالله بن عبدالرحمن أخا الملك عبدالعزيز عن اهتمام عبدالعزيز في الشعر فقال: ولم يكن -رحمه الله- يقول الشعر ولكن ربما كان يجري على لسانه الشعر أو البيت الملحون فيردده ولا يتعمد الزيادة).

ويضيف الأمير عبدالله قوله: (وكان الملك عبدالعزيز كثيراً ما يردد في المناسبات قول الافوه الأودي (صلاءة بن عمرو) ما قاله:

نهدي الأمور بأهل الرأي ماصلحت

وإن تولت فبالأشرار تنقاد

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهالهم سادوا

وأضاف الأمير عبدالله القول - رحمه الله - لقد سمعت الملك عبدالعزيز يتمثل بقول الفرزدق:

ولا نقتل الاسرى ولكن نفكهم

إذا أثقل الأعناق حمل المقارم

لقد كان الأمير فيصل بن فهد يجتمع بالأديب الكبير بن خميس في لقاءات متعددة من حرصه على إعادة تاريخ سوق عكاظ الدولي في مدينة الطائف لتخليد تاريخها الثقافي والتي تقام في كل سنة مع بداية شهر ذي القعدة وتستمر عشرين يوما لأنها كانت أشبه بمعرض عام في الجزيرة العربية، وكان سوقاً يقصدها العرب من كافة أنحاء الجزيرة بهدف التشاور مع ابن خميس لإعادة هذا النشاط الثقافي الذي سجله التاريخ الأدبي حيث يؤكد ابن خميس عند اللقاء معه بأن سوق عكاظ التاريخي قامت في القرن الخامس الميلادي وعمرت أكثر من قرنين ونصف واستمرت حتى ظهور الإسلام وبعده، وتعقد في هذه السوق وتقام المناظرات والمباهاة والمسابقات في قول الشعر والخطابة والبلاغة، كما تعقد مجالس الصلح والتحكيم بين القبائل فتحل المشاكل المعقدة، لذلك يعتبر سوق عكاظ من أعظم أسواق العرب.

وأكد ابن خميس بأن الطائف كانت في العهد العثماني ذات أهمية إستراتيجية في المنطقة الإسلامية وسوق عكاظ يعتبر أكبر تجمع اجتماعي وثقافي وتجاري في شبه الجزيرة العربية وذات الطابع العربي التقليدي.

لقد ترددت على زيارة ابن خميس ملبياً دعوته لي وفي الزيارة الاولى قدم لي بعض مؤلفاته الثقافية والأدبية التاريخية، وكان من بينها نسخة موثقة عن العدد الأول لمجلة (الجزيرة) ويتألف من 48 صفحة متوسطة الحجم وعرض علي إمكانية أن أكتب في جريدة الجزيرة باعتبارها أصبحت جريدة يومية بارزة. وهذا العالم الأديب يمكن الاستفادة من خبراته الثقافية وهو يعتبر رجل الأخلاق والوفاء لوطنه ولمجتمعه أنه صاحب الكلمة العربية الصادقة في كل أقواله، إنه سمح الطبع رضي النفس حاملاً رسالته الثقافية الإسلامية منذ ريعان شبابه مسخراً كلمته الصافية لنشر الأدب الرفيع الذي تنير طريق أجيال المستقبل في الجزيرة العربية محافظاً على تراث المملكة الحضاري وموثقاً لتاريخها وحضارتها باعتبارها أرض الرسالات المقدسة ومهبط الوحي الإلهي الذي هبط من السماء على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم في البيت العتيق بهدف هداية الناس جميعهم والالتزام بالرسالة السماوية باعتباره خاتم الانبياء والرسل في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (28) سورة سبأ.

لقد أفضت رسالة الإسلام على العالم نور السماء، وعرفت رسالة الإسلام البشرية بالدين الإسلامي الحقيقي الذي بعث به الخالق العظيم وجعل تعالى كتابه العظيم محفوظاً بلغته العربية التي نزل بها، وقدمت المملكة العربية السعودية للعالم الإسلامي والعالم كله النموذج الأول في تجسيد القيم الإسلامية التي تقوم على قيم البناء والعطاء وليس لحرمان الإنسان حقه في الحياة ولكل انسان على وجه الأرض.

نعم إن ابن خميس- رحمه الله- ميراث تاريخي موثق للحضارة الإسلامية الثقافية والمسيرة الاعلامية التي قامت في المملكة العربية السعودية بين النصف الأول والثاني للقرن العشرين الماضي.

وكان قلم ابن خميس النقي عماد قوة للثقافة والمحافظة عليها باعتباره صاحب عزيمة وعقد النية التي لا تتزعزع على أمر معيق وهو يقوم بخطوات ثابتة لأن توزيع القوى آفة النجاح في نشر الثقافة العربية الإسلامية ويصدر المؤلفات والكتب التاريخية لأن الكتب سعادة الحضارة، من دونهما يصمت التاريخ ويشل العلم الأدب، ويتجمد الفكر وكل تأمل حضاري، لأن الكتب التراثية هي الحياة واللب والجوهر لأجيال مضت في التاريخ لماضي الوطن، ويؤكد ديوان الشاعر الأصيل أبي الطيب المتنبي دور الكتاب والسيف في حياة الانسان فيقول:

أعز مكان في الدنى سرج سابح

وخير جليس في الأنام كتاب

وقد قضى الله للأقلام منذ بريت

ان السيوف لها مذ ارضعت خدم

وقال الأمبراطور نابليون بونابورت:

(عماد القوة في الدنيا اثنان: السيف والقلم، فأما السيف فإلى حين، وأما القلم فإلى كل حين، والسيف مع الأيام مكروه ومغلوب، والقلم مع الأيام غالب محبوب.

لقد كان قلم ابن خميس خير سند للسان العربي النقي للسياسة الإعلامية في المجتمع الإسلامي وللتربية النفسية في المنهج الإسلامي وتشريعاً في الأخوة في الإسلام ومقاصدها والنظر في آيات الله الكونية في كتابه العظيم وهي المدخل إلى تحصين الثقافة ودور رجل الإعلام في نشر ثقافته لتربية النشء في ظل شريعة السماء.

واخترت في هذا المقال الذي أشارك كثيرا من الذين تحدثوا عن مآثر الراحل ابن خميس- رحمه الله- وعن مزايا العالم الجليل لأتحدث عن المقال الأول الذي سطره الراحل في العدد الأول لمجلة (الجزيرة) الصادر عام 1379هـ - 1960م وقد تدخل وقدمه لي كهدية في عام 1971م وما زلت أحتفظ به في مكتبتي المتواضعة باعتباره كان منهجاً ثقافياً إسلامياً لسياسة (الجزيرة) والذي أكد فيه ضرورة يقظة رجال الفكر وجهادهم للتنوير والتبصير، والتخويف والتحذير.

ويجب قول الحقيقة إن جذور جريدة (الجزيرة) ثابتة في أرض صلبة لأن الذي وضع هذه القواعد (رجل وعالم من تاريخ الجزيرة العربية وثقافتها الإسلامية ومن مآثر العظماء.

لقد كان عنوان المقال الأول بكلمات ثلاث يحمل الآتي: (ربنا عليك توكلنا) ومأخوذ من آية كريمة لرب العزة والجلال في سورة الممتحنة وتنص: {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.

{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (الآيات 4 و 5 و6).

لقد جمع ابن خميس بين جمال الأسلوب العلمي واللفظي والذوق الرفيع وبلاغة الأولين، وهذا ما يؤكد بأن العالم الراحل كان كاتباً إسلامياً من علماء الدين الذين جمعوا بين عرض الموضوع في رسالة السماء وبين الموضوع العلمي الدقيق مبيناً عمق معنى رسالة الإسلام وأبعادها في أمة الإسلام منذ نزول الرسالة قبل أربعة عشر قرناً وهي ثابتة لكل زمان ومكان والتعامل معهما في كل الظروف لحياة الإنسان.

واستهل ابن خميس هذا المقال بقوله: (باسمك الله نستلهم الرشد، ومنك نستمد العون، وعليك نعقد الأمل، وإليك نرجع الأمر، فكن لنا موفقاً، ولعملنا مسدداً وولعثرتنامقيلا فمن توكل عليك كفيته ومن استنصرك نصرته).

وأضاف يقول: «إن بلادنا هي مهبط الوحي، ومنطلق الإشعاع، وركيزة المفاخر والمآثر، قد تتلمذ عليها العالم فبسطت عليه رواق الهداية، ومنحته مصادر الخير، ولقنته الفضيلة، وسمت به إلى رحاب نعم فيها بأشرف حياة وأكملها.. ثم دار الزمن دورته فهوى ذلك الصرح، وقوض ذلك البنيان، وأخذت تجتر ذلك الماضي، وتعيش على ذكرى مجدها وبعث سؤددها.

وإن رصيداً ضخماً من الآداب والعلوم والفنون، تفتق عنه الفكر العربي والإسلامي، ولم يبق منه إلا ما تبعثر في بطون الأسفار ورواه نقلة الأخبار.. وأن مرابع ومراتع، ومعاهد ومشاهد، نبتت فيها لغة الضاد.. لجدير كل هذه ببعثه واستنباطه، وجمع شتاته، وتأليف مفرداته، وعرضه لناشئتنا في أسلوب مغر، وبيان شيق، ليكون لهم فيه أسوة ويتخذوا من أسلافهم الأكارم قدوة، ويصلوا حاضرهم بماضيهم ويعملوا لمستقبلهم على هدى عبادتهم، وأخلاق أسلافهم.

إن بلاداً شأنها لجديرة بيقظة رجال الفكر وجهادهم للتنوير والتبصير، والتحذيق والتحذير».

ووجه ابن خميس قوله للقائ الكريم مؤكداً: «هذه خطوط ومعالم، تريد مجلة (الجزيرة) الناشئة، أن تصوغ منها مادتها، وتتخذ من معالجتها هدفها، وهي بذلك لم تأخذ على نفسها مهمة يسيرة، ولا طريقاً لاحبة، ولكنها ستعمل بدافع من إخلاص، وبمعالجة حكمة مستمدة من نهج المصلحين، ومتذرعة بجلد المؤمنين».

لقد صدق ابن خميس في مقاله الأول الذي مضى عليه نصف قرن مؤكداً تمسكه برسالة الإسلام السماوية، وكأنه يتصور عالمنا العربي والإسلامي وواقعه المؤلم وحياة الفوضى التي أصابت الشعوب العربية في أجزاء من العالم العربي منذ شهورقليلة وهي تتطلع لإصلاح أوطانها والعيش بالحرية التي كفلتها العقيدة السماوية واختيار الأنسب لحياة المجتمعات المؤمنة بأوطانها وعقيدتها الإسلامية. والحقيقة أن ما تحدث عنه ابن خميس قبل نصف قرن هو ما يعيشه العالم العربي من ذل وقتل الأبرياء، ولو كان رحمه الله حياً لأعاد وسطر مقاله ووجهه لأنظمة الحكم الحالية في منطقتنا الناطقة بالضاد.

إن العربية هي لغة الإعلام ولها علاقة وثيقة مع الحضارة الإنسانية ووجودها بهدف تمييز الجنس البشري بلغته العربية وفكره المستنير لأن لغتنا تعد من أهم مقومات الحضارة وأساس نشأتها وتطورها ونشر اللغة الحضارية ليتحرك المجتمع العربي نحو عصرية الحياة، لأن أسلوب سلوك حضاري يؤدي إلى التحول للعصر الحديث والاتصال بين الإنسان والإنسان الآخر.

وقال الله تعالى: (الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد). (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم). سورة إبراهيم، الأ... ( 1 و 4).

لقد جاء الإسلام بمنهاج شامل قويم لتربية النفس الجاهلية وإخراجها من ظلمات الضلالة والجهالة والفوضى إلى نور التوحيد والعلم والهدى والاستقرار.

رحم الله عالمنا الجليل حامل رسالة الثقافة الإسلامية الذي عاش بالعلم وللعلم، وما جرى فيها بغير العلم بلسانه وقلمه النقي وبلغة عربية وأسلوب شيق لنشر الثقافة الإسلامية، ولم يغتب أحداً قط، ولم تجر في مجالسه غيبة، لقد عاش سعيداً ومات حميداً، وستظل مآثره ومسيرته درساً لمن أراد أن يعرف كيف يجمع الإنسان سعادة الدارين، ولذة الحياتين.

{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

مطيع النونو

 

ابن خميس يستلهم الرشد والعون من الخالق العظيم
مطيع النونو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة