Friday  03/06/2011/2011 Issue 14127

الجمعة 01 رجب 1432  العدد  14127

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الصدق منجاة، والكذب مهلكة، والصدق طريق المرء إلى ثقة الناس به، وحبل ممدود للتعامل الإداري والمالي المؤدي إلى النجاح. وهو أحد عناصر مكارم الأخلاق التي جاء رسول الهدى صلى الله عليه وسلم لإنمائها.وأفضل الصدق مع الله، بالقول والعمل، ثم الصدق مع النفس، ومن المؤسف حقاً أن نبحث عن مخارج لأنفسنا مع علمنا أن ما نقوم به مجانب للصواب، لكن نفعل ذلك لتحقيق غاية، وبلوغ شأو، ونيل مراد، فالمرء كثيراً ما يضعف أمام الدنيا فيغريه الشيطان فيجنح إلى غير الصدق.ومن المؤلم أن لا يكون المرء صادقاً في الحقوق الإدارية والمالية للآخرين، مثل بحثه عن مبرِّرات لترقية فلان قبل فلان أو بره لفلان بنيل مال مع وجود من هو أحق منه.والصدق ليس سهلاً على النفس البشرية فهو يحتاج إلى صراع داخلي وقوة إرادة، وقبل ذلك كله الاطمئنان التام إلى أن الصدق مع الله هو أكبر تجارة وأيسر طريق لنيل الطلب الدنيوي والأخروي، غير أن ذلك المسلك يحتاج إلى تدريب وبعد نظر.ذكرتني هذه العجالة بتلك الرسالة التي بعثها ابن زيدون لابن حزم وهو في سجنه، والمسماة بالرسالة الجدية، حيث يقول في قطعة منها: (فكيف ولا ذنب إلا نميمة أهداها كاشح، ونبأ جاء به فاسق، وهم الهمازون المشاؤون بنميم، والواشون الذين لا يلبثون أن يصدعوا العصا، والغواة الذين لا يتركون أديماً صحيحاً، والسعادة الذين ذكرهم الأحنف بن قيس، فقال: (ما ظنك بقوم الصدق محمود إلا منهم، حلفت فلم تترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب. والله ما غششتك بعد النصيحة ولا انحرفت عنك بعد الصاغبة) إلى آخر الرسالة.وابن زيدون أيضاً كان ينافق لأحد وزراء عصره، ويمدحه بما ليس فيه، وبعد أن خلع الدهر عنه ثياب الحرير والخز التي كان يلبسها، وبعد أن أظهر له الزمن وجهه الكاشح، وأودع السجن، ندم على ما كان يقول في ذلك الوزير من قول غير صادق، فقال:

قل للوزير وقد قطعت بمدحه

زمني فكان السجن منه جوابي

لم تخط في حقي الصواب موفقاً

هذا جزاء الشاعر الكذاب

لقد كان ابن زيدون يعلم أنه لم يكن صادقاً مع ذلك الوزير لكن الطمع في المال والمنصب جعله يتملق له ويتقرب منه بشعره ونثره، وما أن جفاه وشاح بوجهه عنه حتى اعترف بكذبه مسطراً ذلك في البيتين السابقين.ووفد إلى الأندلس رجل من بغداد في عهد المنصور محمد بن أبي عامر ويقال له صاعد البغدادي وكان يدعي الإبداع في اللغة والشعر والرواية والطب والموسيقى، وله قصص كثيرة، لكنه مع كذبه وحلفه بين الحق والباطل كان على درجة عالية من العلم في اللغة وحفظ الشعر وقوله: وقد ألف كتاباً يقال له (الفصوص) ويذكر أنه كان جالساً عند الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر فأعجب بحديثه، ثم أراه كتاب (النوادر) لأبي علي القالي فقال: إن أراد المنصور أمليت عليه كتاباً أرفع منه وأجل، فأذن له المنصور، فلما أكمله تتبعه الأدباء فلم يجدوا فيه شيئاً صحيحاً عندهم، ولا خبر ثبت لديهم، وجاءوا له بكراريس مجلدة وأزالوا جلدها حتى تبدو قديمة، ولم يكتبوا شيئاً داخلها، ووضعوا عنواناً لكتاب وهو كتاب (النكت) تأليف أبو العون الصنعاني، وقالوا له، هل سبق أن رأيت هذا الكتاب؟ فأخذه صاعد وجعل يقلبه ويقول: أي والله، قرأته بالبلد الفلاني، لا أحفظ الآن منه شيئاً، فعلموا كذبه، وأمر المنصور برمي كتابه الفصوص في النهر، فقال بعض القراء:

قد غاص في النهر كتاب الفصوص

وهكذا كل ثقيل يغوص

فضحك المنصور والحاضرون، لكن صاعداً قال:

عاد إلى معدنه إنما

توجد في قعر البحر الفصوص

وبعد هذا كله لا يمكننا أن ننسى ما يحدث بين المتحابين من وعود غير صادقة، ويقول عمر بن أبي ربيعة:

كلما قلت متى موعدنا

ضحكت هند وقالت بعد غد

أما نحن فموعدنا الأسبوع القادم موعد سيكون بإذن الله أصدق من وعود هند.

 

نوازع
الصدق
د. محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة