Saturday  04/06/2011/2011 Issue 14128

السبت 02 رجب 1432  العدد  14128

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كان موضوع المحاضرة التي كان من المفترض تقديمها في نادي الرياض الأدبي مساء يوم الثلاثاء الموافق 21/6/1432هـ، كما تم الاتفاق عليه مع رئيس نادي الرياض الأدبي ومنسق هذا اللقاء، بعنوان: (المرأة ومنظومة التحديات) ولكن المحاضرة أجلت بناء على طلب من الأخ الدكتور عبدالله الوشمي رئيس النادي وذلك قبل موعد المحاضرة بيوم. وكانت المحاضرة معدا لها منذ أكثر من أسبوعين. أما سبب طلب التأجيل فمع أنني لا أريد أن أتحدث عنه ولكن بما أنه أصبح موضوع تساؤل من كثير من الإخوان ومن مندوبي الصحف أيضا، فلذا وجب القول: إن رئيس النادي الدكتور عبدالله بما هو معروف عنه من دماثة خلق ولباقة المثقف المسؤول اتصل بي قبل المحاضرة بيوم وأخبرني أنه تلقى سيلاً من المهاتفات «والإيميلات» من الفئات المتشددة يطلبون منه منحهم فرصة واسعة من التعليق على المحاضر وعلى المحاضرة التي لايعرفون عنها سوى عنوانها؛ وقالوا حسب كلام رئيس النادي كلاماً كثيراً لا يدل على أن المحاضرة ستنتهي على ما يريده رواد النادي من المثقفين، وربما هدفهم المعلن هو إثارة جدل لا نريد للنادي ولا للمحاضرة أن تشد إليه. وتم الاتفاق مع رئيس النادي على تأجيل المحاضرة إلى وقت آخر. وسبب الاعتراض - كما يبدو - هو لماذا الحديث عن المرأة، فمن المعروف أنهم لا يحبذونه وهو سؤال كثيراً ما أواجه به لماذا المرأة؟ أقول جواباً على من يوجه هذا السؤال.

كان قدري أن والدي توفي ولم أتجاوز الثالثة من عمري، وربيت في أحضان أم عظيمة رعتني أنا وأخي حتى شب عودي وبجهدها وحسن تربيتها وغرس الفضائل والقيم في نفوسنا حتى عرفنا كيف نشق الطريق في هذه الحياة المملوءة بالصعاب.

وقدري أن والدي من قبلي فقد والده وهو في مثل سني عندما فقدت والدي فتربى في أحضان امرأة عظيمة جعلت منه رجلاً كان من أبرز رجال جيله في محيطه الاجتماعي؛ فإذا ذكر والدي بما حققه من تميز في مجتمعه ذكر اسم جدتي منيرة التي كانت أيضا امرأة متميزة في مجتمعها وفي عصرها.

قدري أنني عشت في قرية لا يزيد عدد سكانها في منتصف الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي عن ألف نسمة شهدت هذه الفترة هجرة كثير من رجال القرية إلى المدن الرئيسية مكة وجدة والرياض بحثاً عن فرص عمل أفضل، تاركين نساءهم يتولون رعاية أبنائهم، ويشرفون ويعملون في الزراعة وتربية الماشية، وبيع منتوجات مزارعهم في الأسواق المجاورة.

قدري أنني كنت الوحيد من أبناء القرية الذي ذهب إلى المدرسة مبكراً في تلك المرحلة، وكان نساء القرية يأتون إلى بيتنا لأكتب لهن رسائل إلى أزواجهن في الاغتراب، وكنت أحياناً وبتوجيه من والدتي -رحمها الله - أذهب إليهن في بيوتهن لأكتب لهن الرسائل، وكنت أشاهد أولادهن وبناتهن وهم يحيطون بأمهاتهن اللواتي يولونهن كل رعاية واهتمام، وشهدت أولئك الأولاد عندما بلغوا سن الدراسة وأمهاتهن يصطحبهن إلى المدرسة لتسجيلهم، وكنت أراهن ومعهن نساء القرى الأخرى كل يوم أحد وهو يوم السوق الكبير يدخلن المدرسة ويتحدثن إلى مدير المدرسة والمعلمين يسألن عن أبنائهن ويصطحبنهن إلى السوق لشراء مايحتجن إليه بعد بيع ما جلبنه إلى السوق من منتوجات مزارعهن أو مواشيهن من سمن وجلود وثمار وحبوب ومصنوعات يدوية وحطب وغير ذلك.

رأيت المرأة وهي تقوم بكل ذلك لاتشتكي ولا تتذمر، بل تراها في كامل العزة والاحترام والتقدير من قبل نفسها لنفسها، ومن قبل المجتمع تجاهها. كبر أولئك الأبناء، أصبحوا أطباء ومهندسين ومعلمين وجنوداً وقادة في قواتنا المسلحة، وأساتذة بارزين في الجامعات.

شهدت في تلك المرحلة والفتاة لا يمكن أن تتزوج بشخص لا تعرفه ولا ترضى به، ولم أشهد ولم أسمع بأن فتاة أجبرت على الزواج برجل لاتريده عدا قصة واحدة تستحق أن يُكتب عنها رواية لأنها تجسد قوة المرأة في الدفاع عن حقها في الاختيار.

عملت دراسة عن قريتي، خاصة عن ذلك الجيل الذي أتحدث عنه الذي كانت للمرأة فيه مكانة محترمة، فلم أجد خلال فترة تقارب الخمسين سنة إلا حالتي طلاق، ولكل من هاتين الحالتين قصة ذكرت جانبا من إحدى تلك القصص في مقالة كتبتها بمناسبة وفاة الشيخ المفتي العام عبدالعزيز بن باز -رحمه الله -، لأنه كان الوحيد من بين العديدين من المفتين الذي أعاد إلى قلبين يحب بعضهما بعضا حياة الحب بعد أن نزغ بينهما الشيطان.

قدري في سنوات عمري المبكرة أني عرفت نساء كثيرات لهن أدوار بارزة في حياة مجتمعاتهن وأسرهن، كن يشتركن في إبداء الرأي والمشورة، كن يقمن بأعمال الخير، كن يعلن أسرا برز منهم رجال ونساء، تركن بصمات في تاريخ مجتمعاتهن.

قدري أن شهدت فتح أول مستوصف صحي في بلدتي، وكانت أولى العاملات فيه واحدة من أبرز الأسر في بلدتنا الكبيرة، عرفت بشخصيتها المتميزة ساعدت نساء ورجال القرى الذين كانوا يتخوفون من الكشف الطبي أو عرض حالتهم الصحية على طبيب المستوصف؛ ساعدت طلبة وطالبات المدارس وأمهاتهم حين القيام بالكشف الطبي في بدايات دخول المدرسة أو في حالات المراجعات العادية.

شهدت سوق الأحد والنساء يحتلن مكاناً بارزاً به وهن يبعن ويشترين فيه دون قيود أو حواجز. عرفت كثيرات من صاحبات الدكاكين الدائمة على طوال الأسبوع، وكن ونحن طلاب في المدرسة الابتدائية نخرج وقت الفسحة لشراء ما نريد منهن، ونرى حركة البيع والشراء التي لا تنتهي ولا تتوقف.

عرفت أثناء سنوات دراستي في المدرسة الابتدائية المتعهدة بإحضار الماء إلى المدرسة، كانت امرأة عاقلة وحنونة تحنو علينا ونحن أطفال، وتتدخل لدى بعض المدرسين إذا مارس قسوة جائرة على الطلاب الصغار؛ كنا ننظر لها على أنها الأم التي نستأنس برؤيتها كلما جاءت بقربتها على عدة فترات في اليوم لتملأ زير المدرسة الوحيد.

كانت تقوم بدور تعريف الأمهات على المدرسين وتساعدهن حينما يأتين لمعرفة أحوال أبنائهن. كانت هذه السيدة التي لا أنسى اسمها إلى اليوم عذبة، وكانت زوج رجل فاضل صاحب دكان في سوق الأحد، وله زوجة أخرى اسمها عسلة، وكان صاحب نكتة. فإذا سئل عن حاله قال أنا في غاية السعادة، ولماذا لا أكون كذلك وأنا أشرب عذب نسبة إلى زوجته عذبة «وامصق» عسل نسبة إلى زوجته عسلة.

قدري أني عشت في بيت خالي شقيق أمي، وهو شيخ مشايخ، وأستمع إلى قصص جميلة تقصها على مسامعي خالتي منيرة، وهي امرأة كبيرة ماتت وقد تجاوز عمرها المائة، وذلك في مطلع الستينيات الميلادية، وتحفظ من القصص التاريخية التي شهدتها منطقتها، واحتلت أسرتها مكانة الصدارة لتلك القصص، وحروب المقاومة ضد العثمانيين، وأسر وقتل كثيرين من أسرتها، وإضرام النيران في كثير من القصور والقلاع التي كانت تعود ملكيتها إلى أسرتها، وظلت تلك القصور والقلاع باقية حتى مطلع السبعينيات الميلادية وقد ذهبت تلك الآثار مع بداية الطفرة الأولى والتوسع العمراني والتخلي عن كل ماهو قديم جميل.

كان لكل من تلك القصور والثغور قصص تتحفني بروايتها خالتي منيرة وتورد أسماء كثيرات من نساء تلك الأسرة اللواتي قدن المقاومة حينما يقتل أو يؤسر الرجال، وكن السند القوي لشد سواعد قادة المقاومة. هذه الأدوار للمرأة ملأت وجداني اعتزازاً وفخراً بما كانت تقوم به المرأة من أدوار، وأحزن حينما أرى المرأة في هذه الأزمنة الحديثة وقد هُمش دورها، وأجبرت على الاختفاء، ومورس عليها الإقصاء.

كنت وأنا صغيراً وحتى بلغت الثانية أو الثالثة عشرة من عمري أشاهد مرابط الخيل في قصر جدي لأمي وهو عبارة عن بناء مستطيل ضخم يزيد طوله على ثمانين متراً. كنا ونحن صغاراً نخاف من القرب منه لحصانته وإحكامه، وتحول إلى مستودع للأعلاف والعجور. حدثتني والدتي وأكدت ذلك خالتي منيرة وبعض خالاتي وكبيرات السن الأخريات من هذه الأسرة بأن بنات هذه الأسرة كن يتعلمن ركوب الخيل ويقمن بتدريبها والعناية بها، وذكرن ذكراً مؤكداً بأن والدتي كانت آخر بنات هذه الأسرة ممن تعلمن ركوب الخيل. وكانت هي الأصغر من بنات جدي التي شهدت آخر عصر الخيل؛ وكانت والدتي تحدثني عن أسماء الخيول البارزة من مربط تلك الأسرة، وكان جدي ثم أبناؤه وأبناء أعمامه من بعده يشترطون مهراً لبنات هذه الأسرة أو جزءا من المهر أجود الخيول. لم تنقرض خيول هذا المربط إلا في مطلع الخمسينيات الهجرية من القرن الماضي.

قدري أن أشهد في طفولتي وفي قريتي كثيرات من النساء اللواتي كن يدرن أمور حياتهن مستقلات مع وجود إخوانهن الكبار يسكن بمفردهن وهن أرامل أو لم يرغبن في الزواج لأنهن يملكن شخصيات مستقلة يربين أغنامهن ويزرعن في خيرات الأرض ويبعن محاصيلها في الأسواق، يذهبن إلى أماكن الاحتطاب ويجلبن الحطب إلى الأسواق للبيع ومثله بيع ماتدره أغنامهن وأبقارهن من سمن أو لبن أو أقط أو غير ذلك.

رأيت آباءهن الكبار في السن يأتون لزيارتهن في منازلهم المستقلة، وكذلك إخوانهن وأبناء إخوانهن. أعرف كثيرات منهن بأسمائهن كان هؤلاء النسوة يحظين باحترام مجتمعي فائق. كانت بيوتهن مفتوحة لاستقبال الضيوف والمحتاجين، وكنا نسعد بزيارتهن في مناسبات الأعياد وغيرها من المناسبات الاجتماعية، وقد تم تحويل بيوت بعضهن إلى مأوى لكبار السن أو المرضى من أقاربهن يرعينهم ويحنون عليهم.

قدري أن عشت في البادية مدة تزيد على أربعين يوماً هي مدة العطلة الدراسية، وأنا مازلت في السنة الثانية الابتدائية مع رجل مسن فقد زوجته منذ فترة طويلة ومعه ابنته التي تكبرني في السن كثيراً. كان -رحمه الله - رجلاً شديداً قاسياً في طباعه صارما قليل الكلام. ومع أنه صديق لأسرتي إلا أنه كان يعاملني مع حداثة سني بما اعتاد عليه من قساوة رجال البادية، وكان يفرض عليّ النوم خارج بيت الشعر، وأن أكون متنبهاً لاحتمال مواجهة غزوة يقوم بها الذئب على الأغنام أثناء الليل، وكان معه مايقارب الستين رأساً من أغنام أسرتي، وكان يعتبرني المسئول عن سلامتها. كنت في هذه السن، وفي هذه الأرض المنقطعة التي لا أعرف تحديد موقعها ولبعدها أو قربها من منازل قريتنا.

كنت أخشى قدوم الليل الموحش فبعد المغرب مباشرة يقدم لي نصيبي من غذاء يعمله بنفسه، ولا يترك لابنته المشاركة في صناعته، ثم بعد أن يؤمني بصلاة العشاء وكان - رحمه الله - رجلاً محافظاً على الصلاة يصلي بطريقته يقرأ الفاتحة وبعضا من الآيات القصيرة أو أجزاء منها بطريقته الخاصة أيضاً؛ ثم ينهض قائلاً لي: خذ فراشك. والفراش قطعة من نطع؛ أما اللحاف فلحافي السماء - والحمدلله أن الوقت كان صيفاً - أفترشه عند باب بيت الشعر؛ ثم ينصحني قائلاً: كن يقظاً فقد يدهم الذئب الغنم في أي وقت، وإذا أحسست بشيء فاصرخ أما هو فلا ينام إلا متوسداً ببندقيته القديمة التي تعود صناعتها إلى العهد العثماني، ولاينام إلا محتزماً بجنبيته، وكم من مرة أثناء الليل البهيم كان يصحو ويطلق عياراً نارياً في الهواء أو مصوبه باتجاه معين إذا أحس بأن هناك حركة مريبة، وأخشى ما يخشاه عدو الأغنام الأول الذئب وكم من مرة أدخل في نفسي الرعب إذا ما قام بمثل هذه الحركات الاحتياطية.

كان مصدر أمني وأنسى في هذه الليالي الموحشة ناراً أراها متقدة من بعيد في بيت شعر لاأقدر قربه أو بعده إلا من خلال ومض النار، وأصوات السمار تهب بها الريح من بعيد. كان مضيفي أو مدربي لهذا الفصل الصيفي يمنعني من التعرف أو الاحتكاك بأي من أصحاب بيوت الشعر، وهي قليلة وليست قريبة من مكان خيمتنا. سألت نورة ابنته من هو الشيخ صاحب ذلك البيت أو الخيمة البعيدة عنا الذي لاتنطفئ ناره معظم الليل، والذي أسمع أصوات السمار يدفع بها الريح من بعيد فتدفع في نفسي الطمأنينة إلى أن يأخذني النوم. قالت ذلك بيت مردفة بنت ناصر، ولم أكن أعرفها، ولكن عرفتها فيما بعد بسنوات طويلة. عرفت أنها من أنبل النساء، وتعيش مستقلة بحياتها، كريمة من أصل كريم، نذرت حياتها لخدمة أمها المسنة، وأخواتها الكبيرات، وأبناء وبنات إخوانهما الذين فقدوا آباءهم، فتحول بيتها الذي ابتنته لنفسها في قريتنا إلى ما يشبه بيت رعاية اجتماعية لمن جار عليه الزمن من أفراد أسرتها. وقد كتبت عنها، واقترحت ونصحت بترشيحها للفوز بجائزة المرأة المثالية على مستوى منطقة عسير، وقد استجيب وكرمت على مستوى المنطقة. الآن تقدمت بها السن، فأصبحت بحاجة إلى الرعاية وأصبحت في رعاية من كانت راعية لهم من بنات وأبناء إخوانها يوما ما. إنها بحق امرأة عظيمة ضربت المثل الأعلى للمرأة العربية الأصيلة. من أراد أن يرجع إلى قصتها كاملة فليرجع إلى كتابي ذاكرة الأمة ص188.

التحقت بكلية الآداب جامعة الملك سعود وكان قدري الاختياري أن أتخصص في التاريخ خاصة تاريخ بلادنا الحديث والمعاصر، وانهمكت في قراءة هذه التاريخ بشكل غير عادي، وبحثت بعمق في جوانب مالم يكتب منه في مناهجنا التقليدية، ولا ما كتبه الهواة أو حتى أصحاب الاختصاص من المؤرخين التقليديين الذين ظلوا يدورون ويكررون ما ذكره من قبلهم، أي بمعنى أنهم -بكل أسف - لم يضيفوا شيئاً.

كتبت رسالتي للماجستير عن تاريخ المقاومة ضد الحكم العثماني المصري المشترك في منطقة عسير، وكشفت لي هذه الرسالة المبنية على مصادر أولية من الأرشيف المصري والعثماني والبريطاني والفرنسي والنمساوي عن حقيقة مهمة هي أنه لم تصل إليها يد باحث سعودي أو عربي قبلي، وأفتخر بقول هذا. هذا إلى جانب ماكتبه الرحالة الأجانب والمرافقون العسكريون الذين رافقوا تلك الحملات؛ وأفتخر بأنني أول من اكتشف أهمية ماكتبه هؤلاء الرحالة، وجعلتها من أهم مصادر بحثي وجمعت كثيرا منها، وشرعت في ترجمة الأهم منها، وأسست دار بلاد العرب للنشر لكي تقوم بهذه المسؤولية.

اكتشفت من خلال هذه المصادر الأولية عظمة المقاومة، وشراسة التحدي الذي أبداه أبناء وبنات المناطق الجنوبية، خاصة ضد العدو المحتل. ذكرت كلام خالتي منيرة التي كانت تحدثني أثناء طفولتي بما شهدته من أحداث المقاومة، وما نقلته لي على لسان من سبقها من أقاربها الكبار. كنت أعتقد أن خالتي منيرة تحكي لي قصصاً كنت أنظر إليها في تلك المرحلة العمرية على أنها من نسج الخيال. ولكن بعد أن قرأت الوثائق وتقارير قادة تلك الحملات وما كتبه أولئك الرحالة المعاصرون والمشاركون في تلك الأحداث ثبت لي بالوثائق التي لا يرقى إليها الشك أن المرأة لعبت أدواراً لا تقل عن أدوار أبطال المقاومة من الرجال. فقد أوردت المصادر الأجنبية قصة غالية البقمية تلك المرأة الأسطورة التي تجاهلت مصادرنا المحلية حتى ذكر اسمها، دعك عن أن تذكر شيئا من بطولاتها التي أرعبت بها الأعداء، حتى وصفها أحد الفرنسيين بجان دارك الفرنسية. ما كان للمقاومين الأبطال أن يصمدوا في ساحات الوغى ويلحقون بالأعداء أشد أنواع الهزائم لو لم تكن المرأة هي السند القوي لهم. في إحدى معارك المقاومة في مواجهة جيش محمد علي باشا أقسمت مجموعة من النساء بأنهن سيطلقن أنفسهن من أزواجهن إذا لم يحققوا الانتصار على العدو، أو يسعدن باستشهادهم وهم يدافعون عن وطنهم.

وصف أحد العسكريين الفرنسيين الذين شاركوا في حملات إبراهيم باشا على نجد استماتة تلك المرأة الرسية (أي مدينة) الرس وهي تشجع أبناء جلدتها من الرجال الأبطال، وكتبت قصائد تستحثهم في الدفاع عن مدينتهم.

ثم يذكر نفس المصدر دور المرأة في الدفاع عن عاصمة نجد، بل عاصمة الجزيرة العربية في عصرها الحديث الدرعية التي صمدت في مواجهة حملة عسكرية كبيرة تملك من العتاد الحربي والتفوق العسكري ما لا تملكه الدرعية. صمدت العاصمة تحت الحصار أكثر من ستة أشهر شارك في الدفاع عن المدينة العاصمة كل من كان محاصراً. يذكر المصدر الفرنسي أن النساء في الدرعية ومنهن الأميرات السعوديات كن يحملن الذخائر على أكتافهن إلى المدافعين في الأبراج الحربية، وكن يسهمن في كل مساء في ردم الثلمات التي تحدثها مدفعية العدو في كل نهار. هذه الأخبار عن المرأة لم تأت على ذكرها مصادرنا المحلية، لأن نظرتها للمرأة لا تتجاوز كونها عورة. وأنا على يقين من أن أدوار المرأة في الجزيرة العربية عظيمة، وعظيمة جداً، لكنها بكل أسف لم ترو، وكان لها شيء من الذكر في الشعر الشعبي، خاصة لدى المرأة في البادية التي كانت لها أدوار عظيمة في بناء الأسرة والعشيرة، ولكن من اعتنى بجمع الأدب الشعبي أو الشعر الشعبي جاء في فترة متأخرة فترة سيادة ثقافة أن ذكر المرأة ولو حتى اسمها عورة، عدا بعض الومضات المضيئة فيما أورده الأمير الشاعر الفارس محمد بن أحمد السديري في كتابه أبطال من الصحراء.

أتساءل دائماً وحينما يكون حديثي مع إخواني وزملائي من أبناء البادية أليس لأولائكَ الأبطال أمهات بطلات، وخالات، وأخوات، وزوجات، وبنات عم، وبنات عشيرة، وبنات عائلة يعتزون بهم ويعتزون بهن، فلماذا إذن نهمش دور المرأة ونقصي تاريخها وإنجازاتها ومكانتها القيادية في جميع الميادين.

قرأت عن دور الأميرة موضي بنت بن وطبان زوج الأمير محمد بن سعود بالرأي والمشورة في بداية تكوين الدولة السعودية الأولى؛ ثم علمت من بعض من روى لي بعض الأخبار بأن هناك من يقول لاتأتوا على ذكر النساء عند الحديث عن تاريخنا الوطني، وربما الدليل على صحة ماسمعت أن هناك من بعض سكان الأحياء في مدينة الرياض من يبدون امتعاضهم من أن تحمل بعض الشوارع أسماء نساء، حتى وإن كن من أمهات المؤمنين، أو بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما اضطر أمانة مدينة الرياض إلى إضافة إلى اسم عائشة كلمة رضي الله عنها على الشارع الذي يحمل اسمها، وكذلك إضافة إلى اسم فاطمة الزهراء رضي الله عنها على الشارع الذي يحمل اسمها.

وهناك دلالة أخرى غير حضارية هي أن مدارس البنات في كل أنحاء المملكة لا تحمل أسماء، بل تحمل أرقاماً تجنباً لحملها أسماء نساء لهن مكانة في تاريخنا الإسلامي، وتاريخنا الوطني جزء منه.

ذكرت في أول ترجمة لما أورده الرحالة ويليام بلجريف عن مدينة الرياض في عهد الإمام فيصل بن تركي ويعد هذا الرحالة أول أوروبي يزور الرياض ذكر بالتفصيل أحوال المدينة وذكر تفاصيل حكومة الإمام فيصل بن تركي، وجاء على ذكر إحدى بناته التي قال: إنها تقوم بعمل السكرتيرة السياسية لوالدها، والكاتبة لرسائله السياسية المهمة، وأنها أميرة انقطعت لخدمة والدها، وعزفت عن الزواج لهذا الغرض. وعندما بعثت بترجمة ما أورده الرحالة عن أخبار هذه الأميرة إلى مجلة التوباد - التي كانت تصدرها جمعية الثقافة والفنون لنشرها - اعترض الرقيب على نشر هذا الموضوع، بحجة أنه أورد ذكر ابنة الإمام فيصل، وهذه خصوصية عائلية لايجب ذكرها. أخذت الموضوع إلى سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض والمحب للتاريخ وقلت لسموه أنت الحكم في صلاحية هذا الموضوع للنشر. بعد أقل من يوم اتصلت بي دائرة الرقابة في وزارة الإعلام حينذاك تعتذر ونشر الموضوع في نفس المجلة.

كم من أخبار النساء العظيمات شطبت أخبارهن ومكانتهن في تاريخ هذا الوطن والمجتمع لهذه الأسباب التي يشعر بها المرء أن تصدر من أناس ينتسبون إلى أمة الإسلام وحضارته العظيمة ودينه القويم الذي نأخذ نصفه مما أوردته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مصداقاً لما قاله رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم «خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء». ولم تكن أسماء بنات الرسول ولا زوجاته ولا زوجات ولا بنات صحابته بعورة كما يحاول أن يصوره لنا بعض من أبناء هذا الجيل الذي ران على عقولهم التخلف والنظرة الدونية للمرأة. وغلبوا العادات على الدين.

ماذا عن مكانة وتاريخ ودور الأميرة نورة بنت عبدالرحمن شقيقة المؤسس الملك عبدالعزيز ملهمته وسنده وعزوته التي لعبت أعظم الأدوار في تغذية الروح المعنوية في نفوس إخوان شجعان، وأبناء أعمام أبطال لاتنقصهم الشجاعة ولكن للمرأة دور مهم وفاعل في شحذ الهمم، وتغذية النفوس الأبية بالقيم، والاستماتة في الوصول إلى الهدف مهما كانت التضحيات. هذا ما قامت به سمو الأميرة البطلة نورة بنت عبدالرحمن؛ والحمد لله أن عشنا وشهدنا واحدة من أكبر جامعات المملكة وأحدثها وأكثرها تميزاً بمبانيها الرائعة، بل وتعد من أندر جامعات العالم أمر ببنائها بمواصفات راقية بطل يقدر البطولة ابن شقيقها العظيم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأمر أن تحمل هذه الجامعة اسمها اعتزازاً بها وبمكانتها في تاريخ هذه الأسرة وتاريخ هذا الوطن. آمل أن تكون نبراساً ورمزاً لإعادة واستذكار مكانة المرأة في بلادنا وفاتحة أمل لمستقبل المرأة في هذه البلاد.

قدري أن سمعت من رواة ثقات عن دور المرأة في إبان الفترة المبكرة لتوحيد المملكة. فلقد سمعت من شاهد عيان، وصاحب مكانة معروفة في مجتمع مدينة أبها بأنه إبان استيلاء جيش الأمير عبدالعزيز بن مساعد على أبها بعد معركة حجلا وهي بلدة تبعد عن أبها بحوالي 15كم، فحين علم سكان مدينة أبها من كبار السن والنساء والأطفال بما حدث في حجلا نزحوا من المدينة على عجل إلى القرى والجبال البعيدة نسبياً عن المدينة. دخل جيش الإخوان المدينة وغالبيتهم من البادية الذي لم يألفوا حياة المدن، ومكثوا فيها حوالي شهر أو أكثر وهم وقادتهم ينتظرون الأوامر من الملك عبدالعزيز إلى أين يتجهون من بعد ذلك. ولأن وصول الأمر من الملك قد يأخذ وقتاً طويلاً بسبب بعد المسافة وصعوبة المواصلات وهي الركائب من الإبل ضاقت الحياة بالمواطنين اللاجئين عن مدينتهم، وطال بهم الزمن فرأوا ضرورة الاتصال بالأمير عبدالعزيز بن مساعد قائد الجيش؛ ولكن كيف يكون ذلك الاتصال وبأية وسيلة فاقترحت سيدة من اللاجئين قائلة: أنا التي سأقوم بفتح الاتصال وأنا التي سأتدبر أمري في الوصول إلى الأمير. غامرت تلك السيدة وعبرت طريقها عبر الأودية والشعاب المكتظة التي تعرفها جيداً، ورأت أن الوقت المناسب لمقابلة الأمير بعد صلاة الفجر مباشرة. تصوروا ذهبت بمفردها في الليل الحالك، وما إن أذن الفجر إلا وهي بالقرب من مكان مسجد القصر أو القلعة التي اتخذها الأمير عبدالعزيز بن مساعد مقرا لقيادته وانتظرت حتى خروج الأمير من المسجد محاطاً بحرسه وكبار رجاله، ومعه قاضي الحملة وإمامها الشيخ عبدالله بن راشد، وكان بعض من الناجين من معركة حجلا والذين انضموا إلى أهاليهم من اللاجئين قد وصفوا لها هيئة الأمير؛ وما إن ميزته حتى رفعت صوتها عالياً باسم الأمير قائلة يالمير باابن مساعد أنا امرأة من المسلمين أريد الحديث معك، وأطلب منك الأمان لي ولمن خلفي من سكان مدينة أبها، فمنحها الأمير الأمان، فقالت نحن والضعفاء والمساكين من الرجال والنساء والأطفال لاجئون من بيوتنا لأكثر من شهر تقطعت بنا السبل وأصبحنا معرضين للهلاك من المجاعة والخوف على أنفسنا لو حاولنا العودة إلى بيوتنا وأطلب منك أن تعطيني الأمان لمن سيأتي إليك من قومي يمثلنا لشرح وضعنا وعمل الترتيب الذي تراه مناسباً لحل قضيتنا فقال لها الأمير ولك ولهم الأمان، فعددت له أسماء ثلاثة من قومها ممن سيمثلون اللاجئين فقال ولهم الأمان.

عادت إلى قومها تحمل البشرى وهي في حماية بعض من رجال الأمير، أما قصة مقابلة الممثلين للأمير وما دار بينهم وبينه من حديث فيحتاج إلى مساحة أخرى، إنما الهدف هنا هو الاستشهاد بموقف هذه المرأة الشجاعة -رحمها الله - ولهذا أحببت المرأة وسأقف إلى جانبها والدفاع عن قضاياها إلى أن أموت.

روى لي من أثق في روايته قصة الشيخ مبخوت بن الأحمر أحد شيوخ اليمن البارزين الذي كان لاجئاً سياسياً لدى الملك عبدالعزيز لخلافه مع الإمام يحيى إمام اليمن بأنه أي ابن الأحمر يرغب في الإقامة في مدينة أبها لاعتدال مناخها بدلاً من جدة أو مكة أو الرياض، فوافق الملك عبدالعزيز على طلبه. فسافر من مكة بعد أداء فريضة الحج إلى أبها مع رفاقه عن طريق البر على الخيول قبل عهد السيارات، وكانت للطريق مراحل توقف، كان إحداها المحطة التي تلي أبها مباشرة، حيث داهمه مساء ليلة ماطرة باردة فقصد أحد بيوت تلك القرية قبيل غروب الشمس بقليل، فاستقبلته سيدة ذلك البيت هو ورفاقه بكل ترحاب وكانت ملابسهم وخيولهم مبتلة من كثرة المطر، فأرشدت مرافقي الشيخ إلى مكان في البيت لإيواء الخيول من المطر، وإنزال ما عليها من حمولة بما فيها من ملابس للشيخ، وأشعلت النار وقدمت واجب الضيافة من قهوة وغيرها، ثم طلبت من أحد مرافقي الشيخ أن يذبح إحدى أغنامها لإعداد عشاء الشيخ ورفاقه ولما سألها الشيخ أين زوجك أو أخوك أو أبوك يا سيدة المنزل أجابته إن زوجي مع أغنامنا في المراعي القريبة من القرية، وما أخره من العودة إلا شدة المطر، ولكنه سيأتي. مضى المغرب ثم العشاء والزوج لم يأت والشيخ يسألها في كل مرة، وكانت تجيبه ربما حال بيننا وبينه سيل أحد الأودية، ولم تتوان في القيام بواجب الضيافة من إعداد القهوة والخبز واللحم والشحم الذي طهته بنفسها وأعدت للشيخ ورفاقه فرشاً في مجلس منزلها للنوم، وأخذت ملابس الشيخ المبتلة من المطر وغسلتها وقششتها أي جففتها على النار قامت بكل هذا الواجب وهي لا تعرف الشيخ، ولا من أي بلد هو، ولم تسأله أو حتى أحد رفاقه عن هويته. وبعد صلاة الفجر أعدت لضيوفها إفطاراً باكراً، وكرر الشيخ الأحمر سؤاله للسيدة عن زوجها وعسى ما أصابه مكروه أدى إلى تأخره فقالت له الحقيقة، وقالت له: إن زوجي مع أغنامنا في سفوح الجبال الغربية المواجهة لتهامة حيث هذا موسم أخذها إلى هناك في مثل هذا الوقت من السنة، وأنا قمت بما يفرضه الواجب في حق ضيوف بيت زوجي فشكرها الشيخ مثنياً على كرمها ونبلها وأصالتها، وقدم لها مبلغاً من المال ذكر لي الراوية أنه أربعة أو ستة جنيهات من الذهب؛ فقالت أما ما قدمته من عبارات الامتنان فأشكرك على ذلك ولاأستحقه، لأن ماقمت به هو الواجب في حق الضيف، ولا يجب أن أشكر عليه؛ ورفضت بشكل قاطع ما قدمه لها الشيخ من مال قئلة ماذا سيقول عني أهل قريتي وعشيرتي، وما سيقولون عن زوجي أنني بعت ضيافتي بالمال، لا والله يا شيخ لن أقبلها مع إلحاحه بأنها هدية منه وأصرت على الرفض.

وصل الشيخ الأحمر إلى مدينة أبها، واستقبله أميرها استقبالاً حافلاً، وأقام له مأدبة عشاء دعي إليها القاضي وبعض العلماء وكبار موظفي الدولة وأعيان مدينة أبها وأخذوا يتحدثون عن أوضاع جزيرة العرب والعالم الإسلامي، وعن أحوالها الدينية، ووصل الحديث إلى من هي الفرقة الناجية من النار، وعلى من تنطبق عليه صفاتها في هذا الزمان وكل من الحضور أدلى بدلوه. فقال أهل نجد ومنهم الأمير والقاضي لا نعلم من تنطبق عليه في هذا الزمان صفة الفرقة الناجية من النار سوى أهل نجد، لأنه البلد الوحيد الذي ينبذ الشرك والخرافة. قال أهل الحجاز نحن جيران بيت الله من تنطبق علينا صفاتهم. وقال أهل اليمن والشيخ ابن الأحمر يتحدث على لسانهم كنا نعتقد أننا في اليمن من تنطبق علينا صفة تلك الفرقة، ولكن في الواقع اكتشفت حقيقة من تنطبق عليهم صفات تلك الفرقة وقص عليهم قصة تلك المرأة العسيرية التي استضافته، وقال هي وقومها من تنطبق عليهم صفة تلك الفرقة عن حق. من أجل هذا أحببت المرأة وأقف إلى جانبها.

قدري حينما ذهبت لدراسة الماجستير في الولايات المتحدة الأمريكية أن عين لي قسم التاريخ في جامعة كانساس وهو من أقسام التاريخ المصنف من الأقسام العشرة الأوائل على مستوى الجامعات الأمريكية الأستاذة الدكتورة روز قريفز، وهي أستاذة تاريخ الشرق الأوسط الحديث حصلت على الدكتوراه بتميز من جامعة أكسفورد البريطانية، فكانت نعم المشرفة والأم الأكاديمية التي فتحت ذهني وعقلي على مختلف أبعاد تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وأرشدتني بصدق وأمانة إلى حيث تكمن المصادر الحقيقية للتاريخ في الأرشيفات العالمية، ونلت درجة الماجستير بتفوق على يديها.

قدري حينما تحولت لدراسة الدكتوراه في جامعة كمبريدج البريطانية العريقة وبناء على نصيحة من هذه الأستاذة العظيمة أن كان إحدى المشرفات عليّ أستاذة متميزة في الدراسات العثمانية هي الدكتورة سوزان سكلتر، وكانت المشرفة عليّ بعد تقاعد مشرفي الأساسي البروفسور اربي سارجنت المتخصص المشهور في دراسات الجزيرة العربية وأستاذ كرسي اللغة العربية في جامعة كمبريدج خلف في منصب هذا الكرسي الأستاذ المشهور في اللغة العربية والدراسات الإسلامية أربري صاحب أعظم ترجمة للقرآن الكريم على أيدي مستشرقي العصر الحديث، وظلت الأستاذة سكلتر مشرفتي إلى حين وفاتها ورسالتي في لمساتها الأخيرة كانت خير عون لي في تعريفي بالمتخصصين البارزين في الدراسات العثمانية في تركيا وخارجها.

قدري حين سنوات ترددي على مدينة إستانبول بحثاً في مكتباتها وأرشيفاتها أن قابلت سيدات فاضلات كن خير عون لي في البحث عن مصادر رسالتي الماجستير والدكتوراه في تاريخ الدولة العثمانية وعلاقتها بالجزيرة العربية مثل مديرة القسم الثقافي في وزارة الخارجية التركية،وكانت برتبة سفير، ومديرة أرشيف وزارة الخارجية بإستانبول التي أفتخر بأنني أول باحث عربي يدخل هذا الأرشيف يبحث في أضابيره ووثائقه المتعلقة في الجزيرة العربية بفضل هاتين السيدتين. وهناك سيدة أخرى هي مديرة مكتبة جامعة إستانبول التي مكنتني من الاطلاع على أندر المخطوطات والتقارير والصور النادرة التي تضمها تلك المكتبة، كما مكنتني والعاملات معها في هذه المكتبة من تصوير تلك المخطوطات والتقارير والصور.

ثم يأتي بعد ذلك وفوق ذلك كله المواقف العظيمة لزوجتي الفاضلة التي ضحت كثيراً خلال مسيرتي التعليمية منذ سنواتي الأولى بجامعة الملك سعود، مروراً بمرحلة الماجستير في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتهاء بمرحلة الدكتوراه في جامعة كمبريدج. فلقد باعت حليها أكثر من مرة ونحن في إستانبول لشراء مخطوطة أو كتاب نادر، أو شراء ماكنت أحصل عليه من نوادر الصور والمجلات، وكذلك الوثائق التي كانت تباع في سوق الصحافة والكتب النادرة في مدينة إستانبول بالإضافة إلى تحمل غيابي لفترات طويلة جرياً وراء البحث عن مصادر دراساتي العليا، وتحمل مسئولية العناية والرعاية لأبنائنا خلال سنوات الدراسة، وتحمل ظروف الحياة القاسية تضحية من أجل الوصول إلى الهدف المقصود.

من أجل هذا أقف بكل قوة إلى جانب المرأة، لأنها السند القوي للرجل، وهي الشريك له في تحقيق آمال وتطلعات المجتمعات. فمجتمع لايحترم المرأة ولا يعترف بحقوقها ولا ينظر إليها شريكاً كاملاً الشراكة في بناء المجتمع مجتمع محكوم عليه بالتخلف. هذا بعض ما كنت أريد قوله في نادي الرياض الأدبي ولكن ليس كل ما أريد قوله عن المرأة.

 

لماذا المرأة..؟!.. من وجهة نظري..
د. محمد بن عبدالله آل زلفة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة