Sunday  05/06/2011/2011 Issue 14129

الأحد 03 رجب 1432  العدد  14129

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وَرّاق الجزيرة

 

(قصائد قتلت أصحابها) في ميزان النقد

رجوع

 

قرأت كتاب (قصائد قتلت أصحابها) فوجدته فريداً في بابه، قيماً في موضوعه، جميلاً في طباعته وإخراجه، والنسخة التي أتحدث عنها هي بالأوصاف التالية:

عنوان الكتاب (قصائد قتلت أصحابها) وفوق العنوان كتب اسم المؤلف (عائض القرني)، وفي أسفل الغلاف عبارة (مكتبة العبيكان)، وطبعته التي بين يدي هي الطبعة الأولى سنة 1423هـ / 2002م وخرج في 192 صفحة من القطع المتوسط 14×21سم.

وقد وضع فهرس الكاتب في مقدمته ص5، وسار فيه المؤلف على الترتيب التالي:

مقدمة في صفحتين هي السابعة والثامنة ثم الموضوع الأول: مقتل أبي الطيب المتنبي، وفيه: ترجمته، ثم مقتله، ثم مقتل طرفة بن العبد وفيه: اسمه ولقبه، ولادته، رعايته، لهوه، اتصاله بعمرو بن هند ثم قصة مقتله..

وهكذا في بقية الثمانية الآخرين الذين عرض لقصص مقتلهم وهم: أعشى همذان، وصالح بن عبدالقدوس، وحماد عجرد، ودعبل الخزاعي، وبشار بن برد، ووضاح اليمن، والسليك بن السلكة، وأخيراً هدبة بن خشرم وزيادة بن زيد في قصة واحدة.

ومع ما ذكرت من تميّز الكتاب وجديته وجودته، إلا أن القارئ له يلحظ الملاحظات التالية:

أولاً: لا يكاد المؤلف يذكر سنة ميلاد أو مقتل من عرض لهم من الشعراء، وذكرُ التاريخ أمر لازم لكل من يؤلف في الأدب وتاريخ الأدباء بأي شكل كان، والذين ذكر تاريخ ميلادهم هما المتنبي ودعبل فقط!!

ثانياً: جاءت كثير من قصص الكتاب وأخباره دون ذكر المراجع، وهذا يخالف الأمانة العلمية إذ إنه من الواجب ذكر مصدر كل خبر من أخبار التاريخ الماضي، ومن أمثلة ما لم يذكر مرجعه من الأخبار: قصة مقتل دعبل الخزاعي، وقصة مقتل بشار بن برد، وقصة مقتل السليك بن السلكة.

ثالثاً: اعتمد الكاتب في أكثر الأخبار التي أوردها على كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني، وقد بلغ عدد المواضع التي ذكر هذا الكتاب فيها أكثر من خمسة وعشرين موضعاً.

وكتاب (الأغاني) تأريخٌ أدبي غير موثوق، ولا يعتمد على أخباره.. روى الخطيب البغدادي عن الحسن بن النويختي قال (كان أبو الفرج الأصبهاني أكذب الناس، كان يشتري شيئاً كثيراً من الصحف، ثم تكون كل رواياته منها(1) وقال العلامة ابن الجوزي: (ومثله لا يوثق بروايته، يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق.. ومن تأمل كتاب الأغاني رأى كل قبيح ومنكر)(2).

وذكر ابن شاكر الكتبي أن الشيخ الذهبي قال (رأيت شيخنا تقي الدين ابن تيمية يضعفه، ويتهمه في نقله، ويستهول ما يأتي به)(3).

وقال الذهبي أيضاً (كان إليه المنتهى في معرفة الأخبار وأيام الناس والشعر والغناء، والمحاضرات، وكان يأتي بأعاجيب بحدثنا وأخبرنا)(4).

وقد ذكر العلماء ثلاثة وعشرين راوياً من أشهر رواة الأصفهاني كلهم مشهورون بالكذب والدجل وتأليف القصص والحكايات. ومنهم أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عمّار، المعروف بحمار العُزَيْر، وقد روى عنه الأصفهاني في ما يقارب مائة وخمسين موضعاً من كتابه الأغاني.

فكيف يكون مثل هذا مؤرخاً مؤتمناً؟!!

ومؤلف كتاب (قصائد قتلت أصحابها) جعل الأصفهاني هو المرجع الوحيد لقصة مقتل أعشى همذان!!، وهو المرجع عما قيل عن حماد عجرد من سب للأنبياء، ونجد لما قلنا هنا شاهداً من الكتاب الذي معنا، ففي صفحة 148 يقول المؤلف (ويرى الدكتور طه حسين أن قصة صاحب الأغاني عن سبب تلقيبه بوضاح مختلقة من أساسها، متكلفة، صنعها الرواة لكي يبرروا هذا اللقب، ولكي يثبتوا الوجود التاريخي لهذا الشاعر)!!. فتأمل. ومن مراجع الكتاب (مروج الذهب) للمسعودي، وللعلماء في المسعودي كلام أرجو ألا يغيب عن ذهن المؤلف.

رابعاً: اعتمد مؤلف الكتاب الأسلوب الخطابي الإنشائي وهذا لا يقبل في الكتب، إذ الكتب مراجع يوثق بها، ويوقف عند ألفاظها ومعانيها، ولكل عبارة فيها دلالة علمية يبنى عليها ما سواها.. ومن أمثلة هذا أقوله ص 7 (لأنهم لحنوا لحناً فاحشاً لا يصلحه الخليل ولا سيبويه) فلم أجد لهذه العبارة معنى علمياً معروفاً!! وقوله (وكتابنا ليس موضع تحقيق لهذا الأمر) ص158 وهذه من الغرائب أيضاً، إذ إذا لم يحقق الخبر ويمحصه كتاب مثل هذا الكتاب، ولم يقم بهذا الأمر باحث مؤهل مثل (القرني) فأين نجد التحقيق وممن نجده؟!!

خامساً: حينما يورد المؤلف أخباراً يغلب عليها الشك، لا يقف عندها، أو يجعلها محل شك على الأقل، ومن ذلك ما ورد في ص 91 (قتلة المهدي بيده، ضربه بالسيف فشطره شطرين)!! كيف يعقل هذا وما المقصود (فشطره شطرين)!! وأشنع من هذه قوله (ولكن الوليد - ويقصد الوليد بن عبدالملك - لم يقبل من ابنه وإنما أمر بطلب وضاح اليمن، فلما قدم عليه أمر جنوده أن يجعلوه في صندوق ويدفنوه حياً). وهذه قال القرني بعدها، والله أعلم.

وبين أن أحمد الزيات ومحمد الأثري اختلفا حول ثبوت هذه القصة. لكن هذا لا يكفي!!

ونحن نرى أن خلفاء المسلمين كانوا أقرب إلى الشرع والعدل، وكانوا يحرصون على تطبيق أحكام الشرع وتوجيهاته ومنها (وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)، فكان السيف هو وسيلة القتل الوحيدة عندهم وبه كانوا يضربون الأعناق فقط!! أما المبالغات فهي -غالباً- من صنع بعض كتاب التأريخ لتزيين كتبهم وعلى مذهب (خالف تعرف) والله المستعان.

سادساً: لم يضع المؤلف لكتابه خاتمة يكون فيها خلاصة للكتاب وما يضيفه للثقافة، وبيان منهجه وأهدافه ومقدار ما تحقق منها في الكتاب.

سابعاً: ورد في الكتاب أخطاء مطبعية كثيرة منها كلمة (قصائدة) ص5، وعجرة ص6، والقائمه الخائبه ص8، ومذجح ص11، وقصة مقتلة ص38، وآلٌ ببللقعة ص77، ويرجي ص80، والعباسى ص90، والهجائيين ص131، وإلا أنه نهايته ص123، وأمة ُص161، وعبدالمقدوس ص90، وأكبيد ص189، ووجوهم في الغلاف الأخير.

ثامناً: وهنا حقيقة نقدية أخذ بها الكُتّاب والنقاد على مر العصور، وهي أن الحكم على الأشخاص يعتمد على نهايتهم، والعبرة بالخواتيم، فإن عدد من عرض لهم المؤلف في الكتاب الذي بين أيدينا أعلنوا توبتهم ورجوعهم عما قالوا؛ فمن كان عاصياً أو زنديقاً أو فاحشاً في كلامه أو هجائه يمكن أن يتوب فيتوب الله عليه، ومن هؤلاء: كعب بن زهير رضي الله عنه. فهل كانت هذه الحقيقة أمام كاتبنا وهو يعد كتابه؟!

وبناء على ما سبق، فإنه من الثابت في تأريخ الأدب أن عدداً كبيراً - قد يصل إلى ضعف من ذكرهم مؤلف هذا الكتاب- قد أنقذتهم قصائدهم، ويمكن أن يضمهم كتاب بعنوان (قصائد أنقذت أصحابها)!! وتلك منة ومنحة يهبها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده، فإن من تاب وحسن إسلامه قد ينفع الله به ويبلي في الحق بلاء حسنا، ولدينا في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمثلة أخرى منهم: عبدالله بن الزِّبعْرى -رضي الله عنه-، وهو الذي أهدر الرسول -صلى الله عليه وسلم- دمه مع سبعة رجال وأربعة نسوة كانوا قد أسرفوا في أذى المسلمين بأيديهم وألسنتهم..

جاء وألقى قصيدته التي منها قوله:

منع الرقاد بلابلٌ وهموم

والليل معتلج الرواق بهيم

مما أتاني أن أحمد لامني

فيه فبتُّ كأنني محموم

يا خير من حملت على أوصالها

عَيْرانةٌ سُرُحُ اليدين غشوم

إني لمعتذرٌ إليك من الذي

أسببت إذ أنا في الضلال أهيم

أيام تأمرني بأغوى خطة

سهْمٌ وتأمرني بها مخزوم

وأمد أسباب الرَّدى ويقودني

أمر الغواة وأمرهم مشؤوم

فاليوم آمن بالنبي محمد

قلبي ومخطئ هذه محروم

قضت العداوة وانقضت أسبابها

ودعت أواصر بيننا وحلوم

فاغفر فِدى لك والداي كلاهما

زللي فإنك راحمٌ مرحوم (5)

فلما سمع منه نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- عفا عنه وقبل منه، وعاش مع الصحابة حتى توفي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

وبعد: فلئن أوضح المؤلف -وفقه الله- الهدف من الكتاب في غلافه الأخير إذ قال (وفي كتابنا هذا قصص لمجموعة من الشعراء تفوهوا بقصائد بمناسبة وبغير مناسبة أودت بحياتهم وأتت بنهايتهم، لعل أن يأخذ القارئ منها العبرة والفائدة في الدين والدنيا).

وهذا حق لا مرية فيه فعلى الناس جميعاً ومنهم الشعراء أن يزنوا كلامهم، وأن يحسنوا الحديث عما يريدون، وأن يحسبوا لكل كلمة ألف حساب، ولكن العصمة لله وحده، وكل ابن آدام خطاء، ولقد عفا أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم عن كعب بن زهير بعد أن أهدر روحه لهجائه للصحابة ومدحه للمشركين، بل وأعطاه بُرْدته لما مدحه بقصيدته المشهورة والتي مطلعها:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم إثرها لم يفد مكبول

ولم يقل إنه قالها تهرباً وخوفاً من القتل، أو نفاقاً أو غير ذلك، بل إن نبينا -صلى الله عليه وسلم لم يقتل من خاضوا في قضية الإفك من الصحابة، وكانت تمس كرامة النبي وبيته، ولم يقتل أحداً من المنافقين الذين صدوا عن سبيل الله وأفسدوا في الأرض بألسنتهم، فلماذا لا يكون لخلفاء المسلمين وولاتهم أسوة حسنة بنبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام.

إننا نطمح إلى رؤية كتب موثقة محققة، تمحّص أخبارها، وتنتقي ألفاظها ويحكم نظمها وسبكها، لتحمل للقراء كل مفيد، وتقدم لهم زاداً يجمع بين الصدق والجمال، ومعلومات وفوائد تجمع الذهن ولا تشتته، وتربط الناشئة بسلفهم على منهج سليم.

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا من عثرات اللسان وأهواء الشيطان، كما أسأله لي وللمؤلف الكريم التوفيق للعلم النافع والسبيل الأقوم، وأن ينفع بما نقول ونكتب ونسمع، وأن يجعل ذلك شاهداً لنا لا علينا إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عبدالعزيز بن صالح العسكر - الدلم

ص ب 190 ادلم 11992

الهوامش:

(1) تاريخ بغداد ج11 ص398.

(2) المنتظم ج7 ص 40، 41.

(3) تصدير الأغاني ج1 ص19.

(4) ميزان الاعتدال ج3 ص123.

(5) ديوان عبدالله بن الزبعري تحقيق د. يحيى الجبوري ص45، 46.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة