Friday  10/06/2011/2011 Issue 14134

الجمعة 08 رجب 1432  العدد  14134

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لقد حظي أبو ذرّ الغفاريّ رضي الله عنه بمكانة مرموقة في الإسلام، إذ كان إسلامه قنبلة تفجرت بين ظهراني مشركي مكة بشجاعته وجرأته.

ذلك أن أبا ذرّ الغفاريّ، صحابي من كبار الصحابة، قديم الإسلام، فهو من السابقين إليه محبة وشجاعة، يقال: أسلم بعد أربعة وكان خامساً، يضرب به المثل في الصدق والشجاعة.

وهو أول من حيّا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام: السلام عليكم، وهو في مكة، فرد عليه رضي الله عنه، رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلاً: عليك ورحمة الله، من أين أنت؟ قال: من غِفَار.

روى الترمذي في فضائل ابي ذرّ الغفاريّ، عن عبدالله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (ما أظلّتْ الخضراء، ولا أقلّتْ الغبْرَاء من ذي لهجة، أصدق ولا أوفى من أبي ذرّ). أما رواية الترمذي، عن أبي ذرّ نفسه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، من ذي لهجة، أصدق ولا أوفى من أبي ذرّ، يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم عليه السلام، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كالحاسد - وهو حسد غبْطَة وهو محمود - يا رسول الله أَفَنَعْرِفُ ذلك له؟ قال: (نعم فأعرفوه) حديث حسن.

وقد أوضح في قصة إسلامه، أنه صلّى أربعاً قبل أن يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بثلاث سنوات، قال راوي الحديث عبدالله بن الصامت: قلت: لمن؟ قال لله، قلت: أي توجّه؟ قال: حيث وجهني الله، أصلي عشاء، حتى إذا كان من آخر الليل، ألقيت كأني خفاء، حتى تعلوني الشمس.

قيل عن النبي: أحد السابقين الأولين: من نجباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل خامس خمسة في الإسلام، ثم إنه رده إلى بلاد قومه، فأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، فلما أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، هاجر إليه أبو ذرّ رضي الله عنه، ولازمه وجاهد معه، وكان يفتي في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، قال ابن الأثير اخْتُلِف في اسمه اختلافاً كثيراً، فقيل: جندب بن جناده، وهو أكثر وأصح، قيل فيه، وقيل: برير بن عبدالله، وبرير بن جناده، وقيل جندب بن عبدالله، وقيل: جندب بن سكنْ والمشهور جندب بن حناده بن سفيان بن عبيد بن حرام، بن غفار بن مُلَيْل بن ضمرة بن بكر، بن عبد مناة من كنانة بن خزيمة، بن مدركة الغفاريّ، وأمه رملة بنت الوقيعة من بني غفار أيضاً (أسد الغابة 6: 99).

وكان رأساً في الزهد والصدق، والعلم والعمل، قوّالاً بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم، على حِدة فيه، وقد فاتته غزوة بدر، وشهد فتح بيت المقدس، مع عمر، وفي صِفَتِهِ البدنية: كان آدم ضخماً، جسيماً كث اللحية (سير أعلام النبلاء 2: 46-47).

وقد وردت أحاديث كثيرة، في فضائل قبيلة غِفَار، ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، فقد روى الإمام أحمد عن حنظلة بن علي الأسلمي، عن خفاف بن أيماء بن رُحَضَة الغفاريّ، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فلما رفع رأسه في الركعة الأخيرة، قال: لعن الله لِحْيَان ورَعْلاً ودكوان عُصْبَة عَصَتْ الله ورسوله، أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها، ثم خر ساجداً، فلما قضى الصلاة أقبل على الناس، وقد أسلم نصف غفار بإسلام أبي ذرّ، والنصف الآخر، أسلموا بعدما هاجر رسول الله إلى المدينة، فقال: إني لست أنا قلت هذا، ولكن الله سبحانه قاله (فضائل الصحابة 2 :881).

وعن إسلامه فقد روى ابن الأثير في قصة إسلامه، عن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذرّ مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لأخبيه اركب إلى هذا الوادي، فاعْلَم لي عِلْمَ هذا الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني.

فانطلق أخوه حتى قدم وسمعه من قوله، ثم رجع إلى أبي ذرّ، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاماً ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتني مما أردت، فتزود شنة له فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل فاضطجع فرآه عليّ، فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه فمر به عليّ، فقال: أما آن للرجل أن يعلم منزله؟

فأقامه وذهب به معه، لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان اليوم الثالث، فعل مثل ذلك فأقامه عليّ معه، ثم قال ل: ألا تحدثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني، فقلت؟ ففعل وأخبره. قال: إنه الحق وإنه لرسول الله رب العالمين فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليه منه، قمت كأني أريق الماء، فإذا مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل.

وانطلق يقفوه حتى دخل على النبي ودخل معه، فسمع من قوله وأسلم مكانه، فقال له النبي: ارجع إلى قومك، فأخبرهم حتى يأتيك أمري، قال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلا صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وعبده، فقام القوم إليه وضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، وقال ويلكم ألستم تعلمون أنه غفاريّ، وأنه طريق تجّاركم إلى الشام؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه، وثاروا عليه، فأكب عليه العباس (أسد الغابة 6: 10).

روى له البخاري ومسلم 281 حديثاً، وروى عنه كثير من الصحابة والتابعين، وأخباره كثيرة حتى أنه قد أُلِّفَتْ في سيرته مجموعة من الكتب، سُمِّى أحدها: بأول اشتراكي في الإسلام، ومن القديم: كتاب أخبار أبي ذرّ لظفر بن حمدون، وأخبار أبي ذرّ لابن بابويه القُمي كما حكاه الزركلي في الأعلام: 2: 137.

وفي مجال الفتوى وسعه العلم، اعتبره الكتاني من فقهاء الصحابة، وقد أورد له في موسوعته معجم فقه السلف أكثر من أ ربع عشرة مسألة، أبرزت مكانته، فقد كان يرى التبريد بصلاة الظهر، وهو قول علي، وابن مسعود وأبي هريرة، وكان عمر يقول: صل الظهر، إذا آفاء الفيء ذراعاً، وبه يقول مالك (2:30) المعجم.

وكان صحابة رسول الله ينهون عن صوم يوم الجمعة، حيث روي عن سلمان وعلي وابن عباس وأبي ذرّ وغيرهم، وقد مر بأبي ذرّ ناسٌ من أصحاب ابن مسعود، يوم جمعة وهم صيام، فقال: عزمت عليكم لما أفطرتم، فإنه يوم عيد، أما أبو هريرة فإنه يقول: لا تصم يوم الجمعة، إلا أن تصوم قبله أو بعده (المعجم 3: 63).

وهذا ما حدا بالفقهاء رحمهم الله: القول: ويكره صوم الجمعة، إلا لمن صام يوماً قبله أو يوماً بعده.

ومفهوم أبي ذرّ رضي الله عنه في الصوم، أنه ليس عن الطعام والشراب وحده، ولكنه عن لاكذب واللغو، حيث قال لِطُلَيْق بن قيس: إذا صمت فتحفظ ما استطعت، فكان طُليْق إذا كان يوم صيام، دخل فلم يخرج إلا لصلاة (المعجم 3 :78) وفي فسخ الحج إلى عمرة، كما حصل في العام الذي حج فيه رسول الله يقول ابن عباس كما جاء في صحيح البخاري: قام سراقة بن جعشم فقال: يا رسول الله هي لنا أو للأبد؟ فقال: لا بل للأبد، وهذا حكم عام تنتفع به أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة.

لكن أبا ذرّ رضي الله عنه روى عنه قوله في ذلك: كانت المتعة في الحج رخصة لنا، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤكد هذا في قوله آخر ما روى عنه: كان فسخ الحج من رسول الله لنا خاصة، وقال: لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا، مع رسول الله، ولم ير ابن عباس وأبو موسى ذلك خاصة (المعجم 4: 36).

رضي الله عن أبي ذرّ فقد حفظ سبعاً أوصاه بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيد بهن، وهن كما قال: (أمرني بحب المساكين، والدنو منهم، وأمرني بأن أنظر إلى من هو دوني، وألا أسأل أحداً شيئاً، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق إن كان مراً، وألا أخاف في الله لومة لائم، وأن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله. فإنهن من كنز تحت العشر، (سير أعلام النبلاء 2: 64).

وقد كانت وفاته عام 32هـ بالربذة، وصلى عليه ابن مسعود، وفي غزوة تبوك قيل يا رسول الله تخلف أبو ذرّ فتلوّم على بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله ماشياً، فقال رجل من المسلمين هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله كن أبا ذرّ، فقالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذرّ، فقال عليه الصلاة والسلام: (يرحم الله أبا ذرّ، يمشي وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده (سير ابن هشام 2: 523).

 

رجال صدقوا
أبو ذرّ الغفاريّ
د. محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة