Friday  10/06/2011/2011 Issue 14134

الجمعة 08 رجب 1432  العدد  14134

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

الجنون
أماني السليمي

رجوع

 

ترقص في بيت غُلب عليه الطراز الأوروبي، في الأسفل ترقص رقصة دقيقة منتظمة، ذات الرقصة لا تتغير لا تزيد، ولا تنقص، تتغنج إلى اليمين تارة وإلى الشمال تارة، ترقص دون موسيقى ولا تصفيق، ولا صفير، لا أنكر رقتها وروعتها رغم عصيانها وجبروتها، تعيش راقصة حتى الموت، حاولت منعها، لكنها تكتفي بنظرة ازدراء، لا تزيدني إلا غضباً، وتزيدُها شموخاً، فتستمر بعملها الراقص -اهدئي قليلاً أرجوكِ توقفي- فترقص غير مبالية بحديثي ولا إلحاحي.

سئمت رقصها الموحد المتوازي دقيق الخطوات، فقررت الذهاب إلى الأعلى لأنظر إلى أخواتها الثلاث، ولم يكنّ أقل صخباً ونشاطاً منها، إحداهن تخطو بحركة دائرية غاضبة ماجنة مسرعة، لا يُسمع سوى طقطقة حذائِها العالي، تمشي بحركة دائرية منتظمة لتصل وتسحب شقيقتها بعنف، وبصمت، ومن ثم تتخلى عنها لتكمل مسيرتها!.

إلى أي حد وصل هذا الظلم؟

تجر شقيقتها لتتخلى عنها دون أن تنبس ببنت شفة!

هل هي السيطرة أم إثبات الذات؟

وهاهي تعود من جديد لتفعل تلك الفعلة الشنيعة تسحب شقيقتها النائمة بعنف دون همس، فتتجاهلها وتكمل مسيرتها بذات الشموخ والكبرياء ودقة الخطوات الواثقة والهادئة رغم تعجلها، لم ألحظ أي حركة صادرة من أختهن الثالثة! كانت هادئة ربما نائمة أو ميتة.

قطع تفكّري الضجيج الصادر من طرق حذاءَ تلك النشِطة والطويلة ذات الدوران الدائم، كدوران الأرض حول نفسها، بنفس الدقة والهدوء والحكمة!.. ألقيتُ نظرة إلى الأسفل لأجد الراقصة ترقص بذات الدقة والرتابة والحركة التي اعتادت عيناي رؤيتها، وسئم ذهني تكرارها، وانزعجت أذناي من سمع طقطقتها!

قلت بصوت مبحوح منهك:

- مهلاً توقفن.. أستحلفكن بالله، توقفن!

وكان الصمت ثم الطقطقة هو الجواب!

شعور الجنون انتابني، فلم أعد أسيطر على ذاتي.. ازدادت الراقصة رقصاً، وتمردت الأخرى بحركاتها الدائرية حركةّ وسحباً لأُختيها معاً، ومن ثم بدأت تطلق أجراسها وبدأت أصرخ معها: (تباً لكِ، اصمتي)

يا للعجب!

ما زالت مستمرة بحركتها لا تكل ولا تمل..

- تباً لكن توقفن حالاً

ولا يزيد غضبي إلا تمرداً وعصياناً ورقصاً فحركة!

بدأ الصُداع يتسيّد رأسي صخباً بلا صخب وغضباً دون سبب!

لم أنفك عن رؤيتهن، ولم أفكر بالفرار إلا عندما أتخلص منهن..

فوضى عارمة، فضجيج، ورقص، وحركة روتينية أثارت غيظي، التقطت قنينة العطر في الجانب

الأيمن فوق المنضدة، فألقيته عليهن بقسوة، وسقطت الراقصة صريعة لا تتحرك، وتلك التي تمشي بدوران ثابت توقفت، فخرّت صريعة بجانب أختيها، وكأنهما اتفقتا على العيش والموت معاً، وقطع الزجاج متهشمة من حولي، شعور الحزن انتابني عند تبخر وانتشار رائحة العطر النفاذة والقاتلة، الغربة عصفت قلبي عندما شعرتُ بالوحدة، كانوا الملاذ الوحيد لحياتي وتسليتي في أوقات فراغي كنت أسابقهن، فيسبقنني، وأحاكيهن فيسمعنني، وأصب عليهم جم غضبي فيهدئنني بصمتهن، ولكن اليوم تغير كل شيء نعم تغير!

عندما قتلت الوقت، وتوقف الساعة.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة