Sunday  12/06/2011/2011 Issue 14136

الأحد 10 رجب 1432  العدد  14136

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

ذات ظهيرة سمعت امرأة تشتكي لأحد البرامج الإذاعية التي تمد يد المساعدة للناس والمحتاجين والمتعثرين في الحياة، فكانت تعاني من تشردها وزوجها وطفلتيها، الزوج الذي لا يجد فرصة عمل بسبب جناية قضى عنها مدة حكمه المقررة، لكنه حينما خرج اكتشف أن المجتمع لديه عقاب جديد، عقاب من نوع آخر وهو ملاحقته في جميع الوظائف والأعمال حتى لو كانت وضيعة لكنها تستر الحال وتكفي ذل السؤال. هذا الرجل وزوجته يقضيان النهار بأكمله في الشوارع والطرقات، وفي الليل يفترقان، فيذهب هو لمنزل أخيه كي ينام، وتذهب زوجته إلى أهلها كي تنام وطفلتيها.

كما تذكرت حكاية رجل أرسل على موقعي الرسمي رسالة شبيهة، يرويها لي بضمير الغائب، وهو يحكي عن نفسه، كأنما هو أيضاً يعاقب نفسه بضمير غائب لا متكلم، يقول عن نفسه: كان مديراً لأحد الأقسام المهمة في إحدى المؤسسات الحكومية يرعى طلاباً ويبذل الغالي والنفيس في سبيل تطوير عمله والتسهيل على الطلاب واختصار إجراءاتهم. كان يعمل ليل نهار، يقتطع من وقته في منزله الذي من المفترض أن يقضيه مع عائلته ليكمل ما بقي من أعمال لم يسعف الوقت في بداية اليوم لينهيه. يتصل من هاتفه الخاص بشكل يومي للتواصل مع الطلاب بدون مقابل مادي من جهة عمله. يكمل دراساته العليا ليطور من نفسه ويحسن قدراته. كان يحمل عبئاً كبيراً على كاهله وكان يرى العمل النصف الثاني من حياته، يبذل له ما يستطيع ويشغل تفكيره أغلب اليوم ولكنه كان يؤدي عمله بسعادة وتفان. أوقف رغم عدم مخالفته الأنظمة وعدم تجاوزه السرعة، وعثر معه على ممنوعات لاستخدامه الشخصي. اتخذت الإجراءات الرسمية بحقه وسلم للأمر لأنه أخطأ. بعد حوالي الشهرين، وصله خطاب إلى جهة عمله بكف يده عن العمل حتى انتهاء التحقيق معه. شكل له هذا صدمة كبيرة. برغم كل ما قدم ورغم تفانيه في ملء المكان الذي يشغله ورغم تقديمه عمله في أحيان كثيرة على حياته الأسرية، وجد أن مكافأته هي إيقافه من العمل والتشهير به، وصرف نصف راتبه من تاريخ القبض عليه. كل هذا لم يحرق قلبه كما أحرقه التشهير به والإساءة إلى سمعته في مكان قضى فيه نصف عمره الوظيفي. سؤاله هو كيف يكف عن العمل أثناء التحقيق، دون ثبوت التهمة بشكل نهائي وصدور الحكم عليه؟ فهل ينتظر من مثل هذا، ورغم ما جرى، أن يحب وطنه؟.

نعم يا عزيزي عليه أن يحب وطنه حتى آخر قطرة من دمه، وآخر نفس من أنفاسه على هذه البسيطة، فمن يخطئ هم الأشخاص، مثلك ومثلي ومثله، لكن الوطن يبقى منتظراً أن نصنع عزته وكرامته وحرّيته، فلا تغضب من وطن يحبك ويخاف عليك، ويسعى لحفظ حقوقك وكرامتك حتى لو أخطأ أحد أبنائه.

هذه الملحوظات أسوقها إلى جمعية رعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم، ولا شك أن الجمعية لديها الكثير من الأسر التي تعاني من حالها، وحال سجينها الذي قد يخرج من السجن إلى سجن المجتمع، فما أشد مرارة أن تكون حراً كما تظن، لكن قيود وزرك تلاحقك أينما سرت! فهذا الإنسان الذي أخطأ، لابد أنه ندم مراراً، ويريد أن يكون عضواً صالحاً في مجتمعه، لكن هذا المجتمع إذ تنكّر له، وظل يذكّره بجرمه أو خطيئته، ويعيد محاكمته عليها عشرات المرات في اليوم الواحد، سيحرّضه على العودة من جديد إلى الخطيئة!.

 

نزهات
عتب على مجتمع وبلاد!
يوسف المحيميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة