Monday  13/06/2011/2011 Issue 14137

الأثنين 11 رجب 1432  العدد  14137

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هل يعني مطالبة الشعوب العربية في ثوراتهم للحقوق المدنية والديموقراطية والتعددية انتصاراً للثقافة الغربية، وهزيمة لثقافة الشعارات المزيفة، والتي رفعتها مختلف التيارات، ومنها الجماعات الإسلامية، وقد يُفهم من تنازل الأحزاب الإسلامية في مصر وتونس عن برامجها الدينية ميلاً للخطاب الغربي عندما قدمت أول خطوات الانضمام للثقافة الحديثة..،

فقد أعلن (الإخوان المسلمين والجماعة السلفية) في مصر الدخول في الانتخابات تحت مسميات غير دينية وتقدم برامج مدنية، كذلك الحال في تونس، الذي أعلن الإسلاميون تخليهم عن برامجهم الضيقة الأفق، وكان للغنوشي دور إصلاحي كبير في تغيير النهج السياسي الإسلامي إلى مدني، وكان من أخطاء الإخوان المسلمين شعارهم إذ يُفهم من شعار الإخوان احتكارهم للعمل الإسلامي الذي يجب أن يكون أوسع من أن يضيق في دعوة مجموعة محددة، لأنه قد يعني أن غيرهم لا يدخل في مصطلح الإخوة، والذي كفله الإسلام لعموم المسلمين.

لعل قصة الصراع السياسي في تركيا تحكي سيرة الفشل ثم النجاح للأحزاب الإسلامية، فسيرة نجم الدين أربكان - رحمه الله - وغيره من الحرس القديم في الحزب الإسلامي في تركيا توثق لماذا فشل في الانتخابات بينما نجح رجب أردوغان في الوصول لكرسي الحكم عبر صناديق الاقتراع من خلال المنهج المدني، فالحرس القديم كان يقدم شعارات الوصاية والفضيلة ويقاوم الحريات الفردية، بينما ركز رجب طيب أردوغان على حماية الحقوق الفردية، وعمل على محاربة الفساد المالي، وكان قد قدم صورة مثالية للإدارة الحديثة في إسطنبول، لذلك كسر احتكار الأحزاب العلمانية عندما قرر أن يخوض الانتخابات من خلال برنامج مدني، وكانت النتيجة انتصارا كاسحا في نتائج الانتخابات.

لن ينسى التاريخ قصص الفشل في العالم العربي، بعدما تفننوا في الحكم تحت مختلف الشعارات من القومية إلى الاشتراكية والعلمانية والديموقراطية الشعبية وأيضاً تحت شعار الإسلام هو الحل، كما حدث في السودان، وكان الشعار بمثابة الوثن الذي يعبده الناس، ومن أجله يموت الأبرياء، وتحت مظلته تُنهب الثروات، وكان العاقبة أن ثارت الشعوب وسالت الدماء بسبب عدم قناعة الشعوب بكذبة الشعار الأسمى، وقد دفعت الدول العربية ثمناً باهظاً بسبب الحروب التي قامت من أجل حماية الشعارات المزيفة، كان من أهم ضحاياها العراق وليبيا والسودان وسوريا ومصر واليمن.

عرفت أوروبا أشد الحروب بسبب شعار الشعوب المتفوقة ممثلة في النازية في ألمانيا وإيطاليا، فتحت شعار التفوق العنصري قُتل الملايين في الحرب العالمية الثانية، بينما انتصرت الدول التي قدمت العمل المدني على الشعارات الفارغة، وظهر ذلك في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان وكوريا الجنوبية والهند، وانضمت دول أوروبا الشرقية لركب السياسة المدنية التي تعمل من أجل تحسين أوضاع الناس واحترام حقوقهم وحريتهم الفردية.

كان التاريخ الإسلامي حافلاً بكل صور الحكم السياسي، فقد قتل الذين رفعوا المصاحف المسلمين الأبرياء من أجل السيطرة، بينما كانت سيرة الحكم الراشدي تمثل أحد أهم صور الحكم المدني في تاريخ المسلمين، إلا أنها لأسباب يصعب حصرها تم تجاوزها، ثم تبريرها بأن الناس تغيرحالهم، وبالتالي تغيرت أنماط الحكم السياسي، وفي ذلك هروب من مواجهة مطالب الناس في حكم راشد، الذي يأتي ضمن أولوياته تلبية حاجات الناس ومطالبهم.

لذلك أجد في تلك التوجهات المدنية التي قدمتها الأحزاب الإسلامية خطوة في طريق العودة للجذور، وإلى الخروج من سلطة الحق الإلهي الذي لم يكن على الإطلاق من شروط الحكم السياسي في تاريخ المسلمين، الذي جاء إلى العرب من ثقافات أخرى والحكم السياسي تُركت أحكامه لتقدير الشعوب، وإلى نظرية التطور في أساليب الإدارة، وأعتقد أن المستقبل السياسي في مصر وتونس سيكون في حال أفضل من العراق ولبنان والذين لازالوا يعيشون في ظل التنازع الطائفي واستخدام شعارات الحق الإلهي مثل جيش المهدي وحزب الله وغيرهما.

لن نستبق الأحداث في القول: إن الثقافة الغربية قد انتصرت في الثورات العربية، عندما رفعت شعوبها شعارات المواطنة والمساواة والحقوق والتعددية والديموقراطية، وسننتظر أن تقدم الثقافة الإسلامية منهجها الحديث الذي لا يتعارض مع الحقوق المدنية والديموقراطية، والعمل على تحسين الشؤون التنموية والمعيشية لشعوبها، بدلاً من محاولة القفز على كراسي الحكم عبر الآلة العسكرية والإرهاب والتكفير، ولتكن المرحلة القادمة لهذه الأحزاب ورش عمل يقدم من خلالها رموزها صورة مشرقة لكيفية إدارة شؤون بلادهم من دون إقصاء أو تكفير أو تبديع.

 

بين الكلمات
هل انتصرت الثقافة الغربية؟
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة