Monday  13/06/2011/2011 Issue 14137

الأثنين 11 رجب 1432  العدد  14137

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كانت مقالتي يوم الاثنين الماضي مجرد خواطر رجوت أن تُؤخذ بعين الاعتبار عند النظر في أمر قيادة المرأة للسيارة في وطننا العزيز. وكان مما أشرت إليه أني لا أتناول الموضوع من وجهة نظر شرعية لعدم أهليتي لذلك.

ومما قلته في تلك المقالة: إن بعض الداعين إلى السماح للمرأة بقيادة السيارة يذكرون نتائج إيجابية عن ذلك السماح، لكن ما يذكرونه من هذه النتائج لم يُبن على دراسات علمية. وذكرت أن من أولئك من يقولون - في محاولتهم حث قيادة هذا الوطن على تبنِّي ما يرون- : إن علماء الشريعة في وطننا ومجتمعنا السعودي، كانا يعارضان تعليم المرأة، وإنه لولا أن الدولة فتحت المجال لتعلمها لما وصلت إلى ما وصلت إليه من تقدم محمود. ولقد حاولت إيضاح أن ذلك القول لا ينطبق مع الحقيقة. فلا أولئك العلماء عارضوا تعليم المرأة، ولا المجتمع السعودي -باستثناء فئات في ثلاث بلدات نجدية - عارض تعليمها أيضا. واختتمت المقالة بالتأكيد على أن قضايا المجتمع - ومنها قيادة المرأة للسيارة - ينبغي تناولها بوعي مبني على دراسات علمية تؤدي، في نهاية المطاق، إلى تبني ما هو أقرب إلى الصواب الذي يتمناه المخلصون للوطن وأهله.

ولأني من عشاق تاريخ هذا الوطن فإنه يشدني ما في صفحاته عن علمائه وموقفهم من قضايا المرأة. ومن هذه القضايا تعليمها ومراعاة حقوقها. ولعل أبرز عالم من أولئك العلماء الشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله رحمة واسعة، الذي لم يفرِّق بين المرأة والرجل في حثِّه لهما على تعلُّم ما تَعلُّمه ضروري من الناحية الشرعية بالذات، ويجد أنه حرَّم ما كان شائعاً في المجتمع من حرمان ذرية المرأة أن يرثوا نصيبها من الوقف؛ معتبراً ذلك وقف جُنُف. وفي العهد، الذي أدركه كاتب هذه السطور، كان حفيد ذلك العالم الجليل، الشيخ محمد بن إبراهيم، رحمه الله، قاضي قضاة الوطن ومفتيه العام، هو من عُهِد إليه الإشراف على تعليم البنات عند افتتاح مدارسها الحكومية في المملكة. وكان قبل تعميم تعليمهن هو من عُهِد إليه اختيار مدرسين لهن في القسم النسائي من معهد الأنجال في الرياض.

على أن أقوال بعض الدَّاعين إلى السماح للمرأة بقيادة السيارة لم تقف عند الادعاء بمعارضة علماء الشريعة، والمجتمع السعودي، تعليمها؛ وهو ادعاء لم يُبْنَ على أساس صحيح. بل إن من الكتَّاب من تمادى في قول الأقوال البعيدة عن مطابقة الحقيقة إلى درجة ادِّعائه - وهو يتحدث عن المجتمع السعودي وقيادة المرأة للسيارة - أن شرب القهوة كان محرماً في القرن التاسع عشر الميلادي. ولم يمر عليَّ أن ذلك المجتمع - وفي طليعته علماء الشريعة - قد حرَّم شرب القهوة. ومن يقرأ تاريخ ابن بشر، مثلاً - وما قاله شعراء كثيرون؛ حاضرة وبادية، في القرن المذكور تتبين له صحة ذلك من عدم صحتها. فقد ذكر ابن بشر في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد أن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، الذي اغتاله موتور من العراق بترتيب مع والي ذلك القطر عام 1218هـ-1803م، «كان يرسل دراسهم يُشتَرَى بها قهوة لأهل القيام في رمضان في المساجد في جميع البلدان». أما قصائد الشعراء المشيدة بالقهوة فأكثر أن تُحصَر. ولو لم يكن منها إلا قصيدة الشاعر محمد بن عبدالله القاضي، المتوفى عام 1285هـ-1868م، لكفت. وكانت تلك القصيدة قد أصبحت لها شهرة تجاوزت حدود وسط الجزيرة العربية إلى بلاد الشام. بل إن مناولة فنجال القهوة للرجل كانت دليل احترام عظيم له، كما أن صرف الفنجال، أو كما يقال: «تعديته»، عنه كان دليل احتقار له.

ويرى كاتب هذه السطور أن الداعين إلى السماح للمرأة بقيادة السيارة، لو اكتفوا بالقول: إنهم يدعون إلى ذلك كي تكون هناك مساواة بين الرجل والمرأة في هذه القضية بغض النظر عن النتائج لكان هذا أمراً مبرراً للنقاش، ولكان أولى من أن يقولوا أقوالاً لم تُبْنَ على دراسات علمية، أو يدَّعوا ادعاءات لا تنطبق مع الحقيقة.

كيف بدأت قصة قيادة المرأة للسيارة في هذا الوطن؟

كان عدوان صدام حسين الإجرامي المتمثل في احتلال الكويت نكبة فادحة على أمتنا. وقد رأت قيادة وطننا العزيز دحر ذلك العدوان وإزالة آثاره. ولم تجد بداً من السماح لقوات أجنبية - في طليعتها القوات الأمريكية - بالمجيء إلى أرض هذا الوطن للعمل على إعادة الحق إلى نصابه. ولقد وقف من زعماء الدول العربية - مع الأسف - من وقفوا مع المعتدي إلى حد أن منهم من راحت وسائل إعلامية تُروِّج؛ زوراً وبهتاناً، أن المُجندات الأمريكيات أصبحن يتجوَّلن في المطاف بالمسجد الحرام. وكان ما كان من وقوف مندفعين من أبناء الوطن ضد مجيء القوات الأمريكية إلى هذه البلاد بالذات. فكان أن رأت القيادة - في محاولة لإقناع الجميع - أن تأخذ رأي هيئة كبار العلماء في هذا الموضوع. وأصدرت تلك الهيئة الموقرة رأيها واضحاً جلياً.

وفي تلك الأجواء المتفجرة حساسية أقدمت نساء من هذا الوطن بحركة لو لم يكن من علامات عدم توقيتها إلا توقيت قيامها لكفاها خطأ. لقد انطلقن في شوارع الرياض سائقات بسياراتهن. ونظر البعض إلى تلك الحركة على أنها بمثابة تحدٍّ لسلطات البلاد، التي لم تستأذن، فتسمح بها. ولسوء توقيت الحركة فسرَّها أناس، أيضاً، بأنها تَشجُّع من وجود القوات الأجنبية. ورأت قيادة الوطن - مرة أخرى - أنه لابد من أخذ رأي هيئة كبار العلماء في تلك الحركة. وكان للقيادة ما أرادت من معرفة رأي العلماء الأجلاء. ومن الواضح لدى الجميع - ودع عنك من يُحمِّلون الكلام ما لا يعنيه - أن أولئك العلماء لم يروا أن قيادة المرأة للسيارة بحد ذاتها لا تجوز؛ بل رأوا عدم جوازها لما يترتب على ذلك، في نظرهم، من أمور يُرجَّح أنها ليست في المصلحة العامة. وإلى جانب ذلك الرأي انطلقت أصوات بلغت درجة سوء ألفاظها حداً لا يليق بالعامة؛ ناهيك من يَعدُّون أنفسهم من المتدينين، أو الوُعَّاظ. وكان من العدل أن يُحاسب من تلفَّظوا بتلك الألفاظ، وراحوا يلقون الاتهامات جزافاً ضد من قمن بحركة قيادة سيارتهن.

ولقد انتهت تلك الزوابع التي ثارت نتيجة العدوان الصدَّامي المُتمثِّل باحتلال الكويت، وتنفَّس المخلصون لأمتهم الصعداء لزوال تلك الزوابع قبل عقدين من الزمن. فما الجديد حول قيادة المرأة للسيارة في بلادنا؟

الجميع يرون أن منطقتنا كلها تعجُّ بزوابع متغيرات منها ما يبعث على التفاؤل بمستقبل يكون من أبرز صفات إنجازاته التخلص من المفسدين؛ سياسياً وإدارياً، والمتحكمين بمصير شعوبهم؛ طغياناً وظلماً. لكن من تلك الزوابع ما يبثُّ الرعب في النفوس نتيجة ما يُرى من أحداث كارثية بعيدة كل البعد عن أيِّ مظهر من مظاهر الإنسانية السويَّة. وإني لأكاد أجزم أن أيدي مواطني هذا الوطن العزيز على قلوبهم وهم يرون زوابع تحيط بخاصرتي وطنهم جنوباً وشرقاً. وفي ظلِّ هذا الجو، أو في قتامه، تُثار مسألة قيادة المرأة للسيارة جذعة في وسائل الإعلام المختلفة. وقرار الدولة الذي اتخذ أخيراً حول تأنيث محلات الأمور الخاصة بالنساء قرار جيد. وكم يتمنى المرء لو شُفع ذلك بقرار يُمهِّد الطريق لأن تحلَّ السعوديات محلَّ الرجال الأجانب العاملين في محلات خياطة ثياب النساء؛ وهي محلاَّت تتجاوز أعدادها عشرات الآلاف. وكم يتمنى، أيضاً، لو أقدمت نساء هذا الوطن بمحاولات ليحللن محلَّ غير السعوديات في تصفيف شعورهن وفي الوطن آلاف - إن لم يكن عشرات الآلاف - يقمن بهذه المهمة النسائية.

ألهم الله الجميع الرشد، ووفَّقهم للرأي الصائب.

 

حين يبلغ تجاوز الحقائق حَدَّه
د. عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة