Tuesday  14/06/2011/2011 Issue 14138

الثلاثاء 12 رجب 1432  العدد  14138

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يقول الأمريكان »كلما كبر المنصب كلما قل وصول الحقيقة!!»، قد يكون هذا الكلام فيه شيء من الصحة وإن كان الأمر ليس على إطلاقه، ولكن إذا كان هذا في الذهنية الأمريكية على ما نعرفه من دقة في النقل وتقدم في الحرية فقد يكون الحال لدينا أشد والوضع أصعب، فنحن في شوارعنا ومجالسنا وملتقياتنا ومنتدياتنا واجتماعاتنا بل وحتى في صحافتنا نقرأ ونسمع الكثير عن مؤسساتنا وأداء المسؤولين المؤتمنين على مصالح الرعية من قبل ولي الأمر الذي كان وما زال يؤكد على وجوب أداء هذه الأمانة والسهر على مصلحة الناس، ولكن وللأسف الشديد قد يكون من حول المسؤول صاحب المنصب بل حتى أصحابه ومحبيه وأهله وذويه لا يقولون له إلا ما يريد هو أن يسمعه غالباً، وهو أصلاً قد يميل بطبيعته إلى تقريب من يسري عليه ويؤنسه لا من يكثر معه النقاش أو ينغص عليه أنسه ويعكر جلسته أو ينصحه محبة ووفاء، ومن هنا يستشري الفساد وتكثر التجاوزات!!.

إن سماع الحقيقة قد يكون مؤذياً في حينه كشرب الدواء وتجرع مرارته تماماً وربما أشد فهو غير محبب للإنسان ولكنه لا بد منه أحياناً حتى لا يتهالك الجسد وتسري الأمراض ويدب الوجع والإنسان غافل عن حقيقة ما فيه من داء، وقد يعيش هذا الإنسان على المسكنات التي تؤجل وتخفف الشعور بالألم ولكنها في النهاية لا تشفي بل تهلك الجسد وتفسد أكثر مع مرور الزمن حتى يأتي اليوم الذي يصير فيه جسدنا لا يستجيب لمثل هذا العلاج بل يحتاج إلى ما هو أقوى وهكذا إلى أن يسقط ويحاول الوصول للعلاج الصحيح ويكون الجواب من قبل أهل الاختصاص كالصاعقة عليه.. « لقد تأخرت كثيراً»، وهذا تماماً ما هو حادث في كثير من بلاد عالمنا العربية اليوم؟؟!!، لذا جاء الأمر الرباني الصريح والواضح باتخاذ البطانة الصالحة، ليس هذا فحسب بل إن المسلمين جميعاً يدعون في كل مناسبة أن يرزق الله الحاكم وقس على ذلك المسؤول عن مصالح الناس ومنافعهم العامة أياً كان أن يرزقه الله البطانة الصالحة، وأن يقيه شر بطانة السوء، وقد فصل القول في هذه المسألة الدقيقة فضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرحه لقول ابن عمر رضي الله عنهما أن ناسا قالوا له إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟ قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نعد هذا نفاقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري، والذي نقلته كاملاً في مقال الخميس الماضي.

إن القارئ في صفحات التاريخ الإسلامي والمتفحص لسير العلماء الربانيين والمتأمل لما يقال ويكتب عن حياة الساسة والحكام المصلحين يلحظ أن هناك في مسألة الدخول على السلاطين والملوك وكبار القادة والمسؤولين مدرستين إسلاميتين مستقلتين ومتباينتين بل هما على طرفي نقيض، إحداهما ترى البعد عن مجالسة السلطان والقرب منه، والثانية وهي التي تهمنا هنا ترى خلاف ذلك. ولهؤلاء الفريق أدلتهم ومبرراتهم وتوجيهاتهم التي سطروها في كتبهم ولقنوها تلاميذهم الفقهاء المعروفين، وأكثر ما أكدوا عليه وأوصوا به أن يكون من يجالس الملوك والخلفاء أميناً لسرهم حافظاً لغيبتهم معترفاً بفضلهم غير ناكر لجميلهم، لا ينصح في جمع من الناس ويلتزم اللين في القول وعدم الاستعلاء حين النصح وإظهار الأستاذية عند الحديث، فقديماً قالوا: (علم السلطان وكأنك تتعلم منه، وأشر عليه وكأنك تستشيره).

تعلق رجل بالرشيد وهو يطوف بالبيت فقال: إني أريد أكلمك بكلام فيه بعض الغلظة، فقال: لا ولا نُعمي! إن الله بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني فقال (فقولا له قولاً لينا...)

وخطب المنصور يوماً فذكر الناس بطاعة الله ومجانبة المعصية فقام إليه رجل فقال: أنت يا أمير المؤمنين أولى بأن تذكر بطاعة الله واجتناب معاصيه، فاتق الله وحاذر غضبه!، فقال المنصور: والله ما أردت بهذه النصيحة وجه الله، ولكن أردت أن يقال بين الناس قام إلى أمير المؤمنين فنصحه.

وأحق الناس بالانبراء لهذا الأمر والقيام به العلماء الربانيين الذين يعرفون الحق ويعلمون الواقع ويدركون المفاسد والمصالح وهم غالباً من يجالس السلطان ويعاوده الزيارة بين الفينة والأخرى ولي عودة لهذا الموضوع في مناسبة أخرى بإذن الله وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
كلام يجمد على الشارب 2 - 2
د. عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة