Saturday  18/06/2011/2011 Issue 14142

السبت 16 رجب 1432  العدد  14142

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من أجل فهم أكثر لاختلاف آليات الحكم السياسي ومنهجية القضاء بين المسلمين والغرب، لابد من النظر من خلال رؤية متأنية إلى المرجعيات التي تقف خلف القانون في الغرب وخلف نظام القضاء عند المسلمين، وبالتالي قد يسهل فهم تلك الجذور المؤسسة للنظامين، وإدراك تنافر مصادر السلطة التشريعية بين الغرب والشرق الإسلامي في التاريخ. وقد نكون في غاية الدهشة إذا أدركنا أن مفهوم مجلس الشيوخ التشريعي قد بدأ قبل الميلاد في الدولة الرومانية، فقد كان المجلس مسؤولاً عن إصدار التشريعات وتعيين الرومان في المناصب المدنية والعسكرية المهمة، وتوجيه الجيوش وإعلان الحروب وصرف المكافآت للجنود، وكان معظم الأعضاء منتخباً، وكان لمجلس الشيوخ تأثير كبير ومهم في تاريخ روما منذ تأسيسه، بينما رفض المسلمون هذا التوجه لأكثر من أربعة عشر قرناً إلى أن جاءت مع قافلات المعدات العسكرية الغربية إلى بعض الدول العربية.

تم اختزال فردية القرار في الإسلام من منهجية القضاء في الإسلام، ومفردة قاضي مأخوذة من «قضى»، وهو أصل يدل على إحكام الأمر وإتقانه والفراغ منه. قال الله تعالي {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} (12 سورة فصلت). أي: أحكم خلقهن، والقضاء: الحكم والإتقان، قال سبحانه {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ} (72 سورة طـه). أي: اصنع واحكم، ومنه سمي القاضي قاضياً، لأنه يحكم الأحكام وينفذها، ويرد القضاء بمعنى القطع والفصل والإعلام، والقضاء في الاصطلاح يدور معناه على فصل الخصومات، وقطع المتنازعات بحكم شرعي على سبيل الإلزام من القاضي، وفي الإسلام يكون القاضي بمثابة الحاكم الذي يملك علم الشريعة والقادر على إصدار الحكم في القضية المطروحة. وفي المختصر أن الحكم يعود إلى حكم الرجل الواحد، الذي يحكم من خلال علمه المطلق بأحكام الله عز وجل.

بينما يختلف الحال في القانون الغربي، والذي تطور وضعياً لغياب مفهوم الفقه والفقهاء في الثقافة المسيحية، ولذلك تم تعويضه من خلال استعمال المحلفين في المحاكم الإنجليزية. ففي القرن الثالث عشر والرابع عشر، نجح القضاة الجواليون في الوصول إلى إشراك المجتمع في إصدار الحكم النهائي، فكان القاضي أثناء تجواله للنظر في قضايا المواطنين يطلب مساعدة أبناء البلدة، والطلب منهم التطوع في الوصول إلى الحكم في القضايا، ليتطور النظام متكئاً على القول الشائع «خير من يحكم على المتهم عشيرته»، وبذلك تطور القانون الغربي من خلال جمع المعلومات من الناس، وبالتالي أصبح له مرجعيه شعبيه عندما تم تدوين تلك الأحكام والمعلومات. ومن خلال هذه النافذة تم إرجاع كل أمر إلى أهله، فالقانون الطبي يستقي أحكامه وتشريعاته من المجتمع الطبي والعمالي من مجتمعهم وكذا، فالعشيرة أصبحت حلقات التخصص التي تغذي القانون بالأحكام والجنائيات. وأدت تلك الفلسفة الشعبية في القانون إلى شيوع أنظمة المحاماة وثقافة الحقوق في الدفاع عن النفس.

ذهب الفقهاء إلى أن حكم القضاء يعتبر واجباً كفائياً، بحيث إذا تولاه من أهل له سقط عن الآخرين، وذلك بقولهم: (القضاء واجب كفائي)، وهنا يكمن وجه الاختلاف بين القانون الغربي والقضاء في الإسلام، إذ تسقط مرجعية المجتمع في إصدار الحكم، ويكون القاضي بمثابة الحاكم بأوامر الله عز وجل بين الناس. وقد أولى الإسلام القضاء المسؤولية الكبرى أمام الله، وأن ثلثي القضاة في النار، وهم من يجعل من المهمة في غاية الصعوبة، أولاً لإنفراد القاضي بمهمة إصدار الحكم، وثانياً إدانتهم بأن ثلثيهما في النار، وبالتالي صار التعفف عن العمل في سلك القضاء يمنع بعض التقاة من العمل فيه، فالمهمة مستحيلة وتحري حكم الله عز وجل قد يكون في بعض الأحيان في غاية الصعوبة. وبسبب تلك الرؤية الفقهية العليا ضعفت سلطة المجتمع المدني، وندرت كثيراً أنظمة المحاماة وجمعيات حقوق الدفاع عن مظالم الناس في المجتمع الإسلامي التقليدي.

من خلال فلسفة القانون الغربي القائمة على حكم المجتمع تطور نظام الحكم السياسي إلى الديمقراطية التي تعني أن الشعب هو مرجعية الشرعية والأحكام، في حين فرض منهج القضاء الإسلامي المنزل نظام الحكم الفرد الملزم بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وإصدار الأحكام النهائية الموافقة لحكم الله عز وجل. وقياساً على ذلك يعود الأمر في نظام الحكم السياسي في الإسلام جله إلى الحاكم، ويضمن استقرار حكمه حكماء الأمة وأمراؤها وعلماؤها أو ما يطلق عليه بأهل الحل والعقد، بينما في الغرب يكون المجتمع مرجعية شرعية الحاكم والتي تصادق على التزامه بالقانون، كما هو الحال في القضاء الذي تكون مرجعيته المحلفين الذين يتم اختيارهم من العامة، لذلك أجد صعوبة في تخريج الديموقراطيه على أنها تتوافق مع الفهم الأصولي للإسلام. وقد يتطلب الأمر انقلاباً كبيراً في الفقه الإسلامي من أجل مواكبة العصر.

 

بين الكلمات
الحكم والقضاء بين المسلمين والغرب
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة