Tuesday  21/06/2011/2011 Issue 14145

الثلاثاء 19 رجب 1432  العدد  14145

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

في موضوع الخميس والأحد الماضيين تحدثت عن الشأن الاقتصادي، وسياسات الدول الاقتصادية، وأهميتها كسبب أول (للبقاء والاستمرار) بالنسبة للدول في العصر الحديث، وضرورة أن يُلم المشايخ والوعاظ بالثقافة الاقتصادية التي هي من ضرورات التعامل مع مشاكلنا اليوم. في موضوع اليوم سأتحدث عن علاقات الدول ببعضها، وعلاقة الدولة المعاصرة بما اصطلح عليه اليوم (بالمجتمع الدولي)، وترابط هذه العلاقات بين الدول في هذا المجتمع إلى درجة التشابك غير القابل (إطلاقاً) للعزل أو الانفصال؛ وانعكاس هذا الشأن بالتالي على الاستقرار السياسي داخل الدول.

العالم اليوم يحتوي على 192 دولة، جميعها أعضاء في هيئة الأمم المتحدة بموجب ميثاق يسمَّى ميثاق الأمم المتحدة. هذا الميثاق بمثابة النظام الأساسي للمنظمة الذي ينظم عملها من الداخل، ونشاطاتها في الخارج، ويضبط علاقة الأعضاء بالمنظمة، وعلاقات الدول فيما بينها. والأمم المتحدة تتفرّع عنها وكالات متخصصة تنظم (التعاون) بين الدول في الشؤون الثنائية والمجتمعة؛ خذ على سبيل المثال: منظمة الأغذية والزراعة، صندوق النقد الدولي، منظمة العمل الدولية، المنظمة الدولية للطيران المدني، منظمة الصحة العالمية، وغيرها من الوكالات؛ إضافة إلى (مجلس حقوق الإنسان) الذي يعتمد بشكل أساسي على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ وهذا المجلس بالذات يتزايد الاهتمام الدولي به وما يَصدر عنه من مُخرجات سنة بعد سنة.

وكل منشأة من هذه المنشآت الأممية تُنظم نشاطها، وتحدد نطاق تخصصها أنظمة واتفاقيات بين أعضائها المنتسبين إليها. معنى ذلك أنّ الانتساب إلى (المجتمع الدولي) يعني عملياً أن تلتزم - أولاً - بميثاق الأمم المتحدة، وتلتزم - ثانياً - باتفاقيات الوكالات المتفرّعة عنها متى ما كنت عضواً في هذه الوكالة أو تلك، إضافة إلى التزامك ببروتوكولات العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين الدول؛ ولا يمكن (إطلاقاً) تصوُّر دولة تعيش في عالم اليوم وتستغني عن العالم. والسؤال الذي يفرضه السياق : هل عالمنا اليوم له علاقة بعالم الأمس، حيث الغزو والنزاع والحروب والقتال وإراقة الدماء هو الشكل الغالب على العلاقات بين الأمم؟.. لذلك لا مناص من أن نتماهى مع شروط العصر من أجل أن نعيش فيه؛ وعندما نرفض هذه الشروط، ونختلق الأسباب والدواعي التي تفضي بنا إلى التملُّص منها كما يفعل المتشدِّدون، معنى ذلك أننا (سننعزل)، وهذه العزلة تعني حكماً السقوط والتلاشي. أن ترفض الانتساب إلى المجتمع الدولي بشروطه وليس بشروطنا كأنك تماماً ترفض الانتساب إلى المجتمع المعاصر في المملكة، وتختار أن تعيش في خيمة نائية منفرداً في صحراء الدهناء أو النفود مثلاً.

كل ما أريد أن أقوله هنا وكذلك في المقالين السابقين اللذين حملا نفس العنوان، إنَّ عالمنا اليوم يختلف اختلافاً جوهرياً عن عالم السلف، وبالتالي فإنّ قياسه بمجتمع السلف كما يفعل المتشدِّدون هو (قياس مع الفارق). كما أنّ العلوم (المعاصرة) ليست مجرّد ثقافة (كمالية) يمكن الاستغناء عنها، وإنما هي علوم (ضرورية) يجب على (طالب العلم الديني) الإلمام بها، تحقيقاً للقاعدة التي تقول: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)؛ فطالب العلم الديني (الجاهل) في الاقتصاد والعلاقات الدولية والقانون الدولي وعلم السياسة وعلم الاجتماع وغيرها من علوم العصر، لن يكون قادراً (أبداً) على التعامل مع عالم اليوم، ولا فهم تركيبته، ولا تصوُّر قضاياه، ولن يكون ملماً بالتحديات التي تواجه استقرار مجتمعاته؛ وعندما يواجه نازلة من النوازل، ويكتفي (فقط) في الجانب التأصيلي بالرجوع إلى كتب السلف ليستلهم منها رؤاه، ويبحث فيها عن حلول، ويُغفل متطلّبات الواقع، ستكون النتيجة التي يتوصل إليها مختلة، أو على الأقل قاصرة عن إيجاد حلول عملية للنوازل؛ فعالم اليوم، واقتصاد اليوم، ومصالح الناس، والعلاقات بين الدول اليوم، تختلف اختلافاً جوهرياً عنها في زمن فقهاء السلف؛ ومن هنا يبدأ التخبُّط.

إلى اللقاء.

 

شيء من
مناصحة المشايخ والوعاظ (3 - 3)
محمد عبد اللطيف آل الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة