Wednesday  22/06/2011/2011 Issue 14146

الاربعاء 20 رجب 1432  العدد  14146

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في خضم هيجان الكساد الاقتصادي الرهيب الذي خرج من رحم أزمة الرهن العقاري بالولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أكبر اقتصاد عالمي وهبوب العاصفة على اقتصادات الدول في جميع أركان الكرة الأرضية.

ولم تسلم المادة السحرية (النفط) من أذى ذلك الزلزال الاقتصادي، فبعد أن كسرت أسعاره 147 دولارا للبرميل فإذا برياح الأزمة الاقتصادية العاتية تهوي به سريعا ليبلغ 33 دولارا، ولم يكن في جعبة المنظمة التي تنادي اعضاءها لمواجهة العاصفة الهوجاء سوى تخفيض إنتاجها لرفع الأسعار وبالفعل كان قرارها النفطي حكيما عندما قررت في ديسمبر 2008 خفض الإنتاج بـ (4.2) مليون برميل يوميا. استمرت الأوبك في دعم قرارها الهام الآنف الذكر في سوق النفط الدولية وبدأت أسعار النفط تأخذ طريقها في الارتفاع المستمر لتبلغ اليوم مابين 100 - 118 دولارا للبرميل، هذا رغم أن المنظمة (العتيدة) انخفض التزامها بسقف الإنتاج الذي حددته لأعضائها ليبلغ 58 في المئة، فما بال المنظمة إذا التزم بعض أعضائها بحصصهم (75) في المئة مثلا فإن الأسعار ستبلغ الثريا لا محالة.

وعلى الجانب الآخر فإن عدم التزام بعض الأعضاء بما قبلوا به كحصة لإنتاجهم وفي مقدمتهم بالطبع إيران وفنزويلا وانغولا جعل سوق البترول تشهد فائضا من النفط بحدود (2) مليون ب - ي، وهذا هو حال الأوبك فإن من يقرأ تاريخها الطويل المليء بالإخفاقات والنجاحات يدرك أن المنظمة لم يلتزم معظم أعضائها يوما مئة في المئة بسقف الإنتاج الذي تحدده ، وهذه عاهة تنخر في جسد المنظمة التي كان هدف تأسيسها هو الدفاع عن مصالح أعضائها بل إن الخلافات الحادة بين الأعضاء من صقور وحمائم أثرت وتؤثر على مستقبل المنظمة!!

هذا ما كان متجسدا في اجتماع الأوبك الأخير في فينّا في أوائل هذا الشهر حيث تقدمت كل من المملكة والكويت والإمارات وقطر باقتراح لرفع الإنتاج بمعدل (1.5) مليون ب - ي وقابلت سبع دول هذا الطلب بالرفض، مما جعل وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي يصف الاجتماع بأنه أحد الاجتماعات الأسوأ بين اجتماعات المنظمة قائلا (لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق .. هذا أحد أسوأ الاجتماعات التي عقدناها على الإطلاق).

ومع هذا الرفض للمقترح الخليجي بزيادة الإنتاج يبقى السقف الحالي لإنتاج الأوبك على حاله بحدود 28.8 مليون ب/ي، ناهيك عن خروج بعض الأعضاء على حصصهم، وفي مقدمتهم بعض الدول التي وقفت حجر عثرة في زيادة إنتاج المنظمة، ومنها إيران وفنزويلا وانغولا التي تنتج كل برميل تستطيع إنتاجه فكان التزام المنظمة بحدود 58% ، والدول التي طالبت برفع الإنتاج هي التي لديها فائض كبير وفي مقدمتها بالطبع المملكة التي تملك فائضا يبلغ أكثر من (3) ملايين برميل بإمكانها مد السوق الدولية للنفط باحتياجاتها عندما تدق ساعة الخطر وتطلب تلك السوق مزيدا من النفط الذي قدرت وكالة الطاقة الدولية في آخر تقرير لها نموه بـ (1.3) مليون برميل يوميا حتى عام 2016 ليبلغ 95 مليون برميل يوميا.

لا شك أن فشل الأوبك في التوصل إلى اتفاق بشأن رفع الإنتاج وإرجاء النظر فيه بعد ثلاثة أشهر عندما تعقد أوبك اجتماعها الطارىء في الرابع عشر من ديسمبر القادم طبقا لاحتياج السوق يعني في طياته إعلان وفاة نظام الحصص المعمول به حاليا وأن الثلاثة الأشهر القادمة ستشهد انفلاتا في الإمدادات وقد ينحدر التزام الأوبك إلى أقل من النسبة الحالية (58)% وهذا ينقل سوق النفط إلى مفترق طرق جديد.

وإذا كانت سوق البترول العالمية قد استجابت لفشل المنظمة في رفع إنتاجها وزادت الأسعار لتبلغ 118 دولارا للبرميل، فإن هذه الاستجابة السريعة لا تعني أنها دليل قاطع على (قوة) الأوبك وتماسكها بقدر ما تعني أن المنظمة تعاني ما تعاني من جروح نازفة في داخل بيتها، وهذا يترك أثره على (الحبل) الواصل بين أعضاء المنظمة التي حظيت خلال حياتها باهتمام واسع النطاق على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية.. الخ، لم تحظ به أي منظمة اقتصادية دولية منذ السبعينيات من القرن المنصرم وتحديد منذ عام 1973 إبان ثورة أسعار النفط الأولى حتى اليوم.

ومع هذه الأهمية البالغة والتي يبدو أنها آخذة مكانها ما دام أن هناك احتياطيات نفطية تمد العالم باحتياجاته من النفط، ناهيك أن الاحتياطيات النفطية بتزايد مستمر فهي اليوم حوالي (1.2) ترليون برميل، ومن يقرأ تاريخ النفط يعلم أن الاحتياطي تضاعف أكثر من (500) مرة خلال القرن المنصرم وهذا جعله صاحب النفوذ والقوة والسطوة والمؤثر بالاقتصاد الدولي ونموه والتجارة الدولية رغم أن مساهمته بها لا تتجاوز 8 في المئة بينما كانت في الثمانينيات مابين 17 و 18 في المئة.

وإذا كانت الأوبك في اجتماعها الأخير أمام عناء الرافضين لرفع الإنتاج أبقت على سقف إنتاجها الحالي دون تغيير (28.8) مليون ب - ي فإن أعضاء المنظمة أمام تفرقهم هذا قد ينقلون منظمتهم إلى حرب في الإنتاج خلال الثلاثة الأشهر القادمة حتى الاجتماع الاستثنائي القادم، وحرب الإنتاج تلك يقودها صقور الأوبك الرافضون لرفع الإنتاج الذين ينتجون كل برميل بإمكانهم إنتاجه، وعندما جاء طلب رفع سقف الإنتاج من الدول التي لديها فائض في الإنتاج قوبل بالرفض.

إن الثمانينيات من القرن المنصرم شهدت حرب أسعار أصابت الأسواق المالية العالمية بالذعر الشديد، كما أنها ألحقت أضرارا بليغة باقتصادات الدول المنتجة للنفط التي تدنت مداخيلها منه بشكل غير مسبوق، وإن كانت الدول خارج الأوبك قد تضررت أكثر من تلك الحرب نظرا لارتفاع تكلفة الإنتاج لديها وفي مقدمتها نفط بحر الشمال وروسيا وغيرهما من الدول.

اليوم الأوبك وهي تعيش سنوات سمان نتيجة ارتفاع أسعار النفط ودخلت وستدخل خزائنها أرقام فلكية، عليها أن تدرك أن الاتفاق على سقف الإنتاج ارتفاعا او انخفاضا هو البوصلة التي تسير دفتها ، وليس هناك أخطر على الأوبك من التفكك والانهيار سوى عدم الاتفاق على الأمور الجوهرية، وإذا أرادت المنظمة النصر فعليها التمسك والشد بالنواجذ على الأهداف التي تأسست من أجلها وهي الدفاع عن مصالحها الحيوية من خلال التنسيق بين السياسات البترولية للأعضاء بحيث تحقق عوائد مناسبة من ثرواتها الطبيعية التي وهبها الله لها، والحفاظ على سوق نفطية دولية مستقرة تخدم مصالح كل أطراف معادلة النفط الدولية.

وبذا تبلغ سفينة الأوبك بر الأمان، والدولة الوحيدة التي تستطيع قيادة السفينة هي المملكة لما تتمتع به سياستها البترولية من حكمة وروية وبعد نظر وباعتبارها أكبر منتج ومصدر لهذه السلعة التي يبلغ احتياطيها منها (264) مليار برميل فهي بهذا تضمن قيادة السفينة لتبحر في هيجان فيضان النفط، وتضمن نجاة السفينة من الغرق لا قدر الله.

رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الإستراتيجية

dreidaljhani@hotmail.com
 

سفينة الأوبك .. إلى أين ؟
د. عيد بن مسعود الجهني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة