Friday  24/06/2011/2011 Issue 14148

الجمعة 22 رجب 1432  العدد  14148

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

اليونان تعتمد في اقتصادها على السياحة، وبعض الخدمات مثل النقل البحري، لكن منافسين جدداً مثل إسبانيا اقتطعوا جزءاً كبيراً من ذلك الإرث الاقتصادي الذي كان يعيش عليه بعض من سكان اليونان.

واليونانيون الذين صنعوا حضارة العالم في قرون مضت، وأنجبوا علماء أفذاذاً خلال سنين خلت، ابتعدوا عن المشاركة العلمية التي تتربع عليها بعض الدول الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، شأنهم في ذلك شأن جيرانهم العرب الذين تلاقحت حضاراتهم من أوقات ذروتها وبقيت وخبت وما زالت كذلك.

تعاقب على اليونان في عصرنا الحاضر عددٌ من الحكومات التي تسعى عبر صناديق الاقتراع على الظفر بكرسي الحكومة الوثير، والأثير على القلوب والأفئدة، ولأجله تطرح الحقائق والآمال، وتكثر الأحلام، مع علم مسبق بالفرق بين الحقيقة والخيال، والواقع والأمل، لكنه المطمع والمطمح الذي أشار إليه سفيان الثوري رحمه الله، وحتى يمكن إرضاء الشعب وإعادة الانتخاب لا بد من تدفق المال الذي يوفر الوظائف، ويقلِّل عدد العاطلين عن العمل ويزيد المداخيل، ويعمل على التوسع في البنية التحتية، لكن المال يحتاج إلى مصدر، وليس هناك من مصدر مهم سوى الضرائب، وإن عجزت عن المطلوب من الإنفاق المالي فلا بد من اللجوء إلى الاقتراض كأداة من أدوات الحصول على المال اللازم وغير اللازم حتى وإن كان ذلك الاقتراض يستوجب الإعادة مع الفائدة لا بأس بها يتحمّلها القادمون إلى كرسي الحكم الوثير في السنة القادمة.

السياسون اليونانيون الكرام راكموا القروض عبر السنين، وأخذت تلك التراكمات تتشكَّل وتتكوَّر وتكبر حتى وصلت إلى رقم قارب نحو 340 بليون دولار أو يزيد، وقد وفر تلك البلايين المتراكمة عدد لا بأس به من الشعب اليوناني والشعوب والمؤسسات المالية والحكومات من أنحاء العالم وذلك عبر سندات اقتراض تصدرها الحكومة اليونانية ويتهافت عليها الطامعون في استثمار ما حباهم ربهم به من نقود فائضة عند حاجتهم الاستهلاكية، وكان الضامن الوحيد لهم في ذلك ثقة الدولة اليونانية وحكوماتها المتعاقبة.

وفي لحظة معينة فتح القائمون على المال اليوناني خزائنهم ليدفعوا للمقرضين رؤوس أموالهم وما علاها من فوائد مستحقة، لكنهم وجدوا أنه لا قِبَلَ لهم بتلك الأموال المستحقة، فكانت صيحة فورية واستنجاداً بالشقيق الأوروبي الغني بماله وإنتاجه لعله يستمع إلى من استصرخه، ولبى في المرة الأولى النداء وقدَّم مبلغاً فاق مائة وعشرين بليوناً لكنه على نمط الغربي، والذهنية الاقتصادية البحتة التي لا تدفع المال جزافاً وإنما بشروط أن تضمن استعادة المال، وتحسين الحال، وتهذيب المواقف السياسية، وليس بالمبدأ العربي الذي يمنح المال لإسعاد الإخوان ورفع الكربة دون النظر إلى المردود المالي أو السياسي.

اشترطت الدول الأوروبية وصندوق النقد الدولي على الحكومة اليونانية أن تقرَّ ميزانية تقشفية وأن تتبع أسلوباً في الإنفاق لم يكن مرغوباً لدى الشعوب بشكل عام، فما كان من الشعب إلا أن هبَّ رافضاً التقشف ومطالباً بإسقاط الحكومة التي كانت في حاجة إلى الاقتراض مرة أخرى، طرح الموضوع للنقاش في البرلمان وكادت الحكومة أن تسقط، ونجت بفارق ضئيل لم يزد عن أربعة أصوات لكن الأمر لا يتوقف على ممثلي الشعب في البرلمان، بل بالشعب نفسه الذي يبدو أنه في الغالب غير راض عن ذلك الأسلوب التقشفي لكنه كشعب لا يهمه محدودية الخيارات المتاحة والمبررات، فهو يبحث عن نتيجة شأنه شأن شعوب العالم أجمع.

إن من يصرف أكثر من دخله معتمداً على القروض سواء كان دولة أو فرداً فسيكون في وضع حرج وفي حالة نفسية لا يحسد عليها، وسينال من ذل السؤال - حمانا الله وإياكم منه- قدراً يفوق ما ناله من السعادة في الإنفاق أكثر من الحاجة.

 

نوازع
اليونان والديون
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة