Monday  27/06/2011/2011 Issue 14151

الأثنين 25 رجب 1432  العدد  14151

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في السنة الأولى لي في الجامعة وفي إحدى محاضرات مادة من مواد الإعداد العام.. دلفت من باب القاعة أستاذة المادة بوجه مكفهر وغاضب لتوحي لنا أنها حازمة وقاسية.. تلك الملامح التي تعودنا نحن الطلبة فك رموزها وتفسيرها لكثرتها في عالم التعليم.

هدوء يا بنات. بدأت المحاضرة، وشيء من ملامحها الصارمة لم يهدأ، ربما كان مضمون المحاضرة بالنسبة لها يستدعي ذلك، فكيف تبتسم وهي تحدثنا ومنذ أول حرف نطقته عن قائمة المحرمات التي لم تنتهي، وعن تلك الحملة الشعواء التي يقودها الغرب لتغريب وتدمير المرأة المسلمة عن طريق التلفزيون والمسلسلات والمجلات ومواقع الإنترنت، ثم قفزت لنقطة أخرى أكّدت قبل الشروع في شرحها وتشريحها أهميتها بل وخطورتها على الأمة..ارتفع صوتها وازدادت حده تعابير وجهها ومفرداتها.. كانت تتحدث عن خبث ومكر بعض الدول والأفراد في العالم الغربي الذين من خبثهم ولؤمهم يقطعون المسافات والبحار ليحطوا رحالهم في الدول الفقيرة المعدمة في أفريقيا وغيرها ليساعدوهم ويمدوهم بالغذاء والكساء والدواء حتى يغروهم في الدخول إلى الدين النصراني.. تخيلوا هذا !!

لم تعبر هذا النقطة إلى رأسي بهدوء، ولم يحرك ذلك السيناريو الحزين شيئاً من الغضب أو الحقد في داخلي على هؤلاء التنصيريين على حد وصفها.

فرفعت يدي حينما انتهت من تلك النقطة لتقديم رأيي الذي يحتمل الصواب والخطأ وقلت: اسمحي لي أن أقدم وجهة نظر مختلفة، برأيي المتواضع أن ما تتحدثين عنهم -وإن سلمنا جدلاً أن نيتهم هي التنصير- ببساطة شديدة أذكياء، ففي حين ينشغل العرب في مشاكلهم الطائفية ونزاعاتهم القبلية ذهب الغرب أفرادا ودولا إلى مواطن الفقر والجوع والأوبئة لمساعدة هؤلاء الذين انشغلنا نحن المسلمين عنهم مع أنه عمل يمثل قمة الإنسانية التي تصفق لها السماء قبل الأرض ومع أن ديننا دعانا إلى ذلك ووعدنا بالأجر السخي عليه.. فتبين لهؤلاء الفقراء والمحتاجين أن النصارى أكثر إنسانية وعطف منا!

ألم يكن في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فئة تسمى المؤلفة قلوبهم تعطى الغنائم والأموال حتى يغروهم لدخول الإسلام ثم إذا قوي إسلامهم قطعت عنهم.. لماذا نلومهم ونرمي عليهم أبشع التهم ولا نسأل أنفسنا: أين نحن عنهم؟

انتهت مداخلتي وسط صمت خيم على القاعة ولم ترد الأستاذة على مداخلتي بل اكتفت بسؤال عن اسمي وتحميلي المادة ثمناً لاختلافي بالرأي والفكر عنها.

لست بصدد الحديث عن بشاعة الظلم والاستبداد الذي تعرضت له، ولكني تذكرت حديثها عندما قرأت وشاهدت خبر زيارة النجمة سفيرة النوايا الحسنة والإنسانة قبل أي شيء أنجلينا جولي لمخيمات اللاجئين السوريين في تركيا، ثم جزيرة (لامبيدوزا) الإيطالية التي عجّت باللاجئين الفارين من تونس وليبيا خلال الأشهر الماضية.. ذهبت بهدوء دون أن تفتعل ضجة إعلامية أو تلبس الحدث الحزين طابع إعلامياً، ذهبت وتحدثت وواست الأطفال والثكالى والأرامل.. من فقدوا بيوتهم وأحبابهم وحكاياتهم الصغيرة وساروا في درب المجهول.. هم نفسهم من استقبلوها بلافتة كبيرة كتب عليها (أهلا بملاك الخير بالعالم) وكأن لسان حالها يقول:

(إذا كان أصلي من تراب فكلها

بلادي وكل العالمين أقاربي)

أنجلينا لم تبحث عن الشهرة، فهي من وجدتها منذ سنين في هوليوود، ولم تبحث عن المال فهي تتصدر قائمة أغلى الممثلات أجراً.. بل واجبها الإنساني هو من دفعها وحرّضها لقطع المسافات للالتقاء بتلك الأسر المكلومة التي هي بأمس الحاجة لمن يواسيها ويعدها بغد أفضل.

سؤالي هو: هل السيدة جولي هي من هؤلاء الخبثاء الذين تحدثت عنهم أستاذة الجامعة؟ هل ما تقوم به من أعمال إنسانية هو ما يندرج تحت مسمى التنصير؟ أين الشر والمكر فيما تقوم به هي وغيرها من الأفراد من العالم الغربي؟ لماذا لا نلقي باللوم على الفنانين والفنانات العرب الذين يدبون في مجتمعاتنا بلا فائدة ويطفون على الحياة مثل الطحالب الميتة على غيابهم المخجل عن الأعمال الخيرية والواجبات الإنسانية وتجاهلهم لما يحدث من كوارث إنسانية مؤلمة في أوطاننا العربية وانشغالهم بحفلات الصيف و تصوير الفيديو كليب، بل إن البعض منهم لم يكتف بالسكوت المخزي عن تلك المجازر، بل أدلوا بتصاريح تؤيد تلك الأنظمة الفاسدة حفاظاًعلى مصالحهم الخاصة فأدرجتهم الشعوب في قائمة العار إلى الأبد.

أخيراً.. تعودنا -مع الأسف- أن نعلق أسباب فشلنا وتراجعنا وانتكاساتنا وأوجاعنا على الآخرين، لم نتعلم كيف نواجه أخطاءنا ونضمد جراحنا ونعترف بتقصيرنا حتى نعالج مشاكلنا وإخفاقاتنا.. ألم يقل الله سبحانه وتعالى ببلاغة القرآن وإعجازه المذهل قبل مئات السنين : (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فمتى نعي ذلك.. متى؟!

 

ربيع الكلمة
احذروا أنجلينا جولي !!
لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة