Monday  27/06/2011/2011 Issue 14151

الأثنين 25 رجب 1432  العدد  14151

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في أتون الصراعات بين الدول يظهر أن الاحتكام إلى القوة العسكرية هو الخيار الأول والأقوى لخلق سياسة الأمر الواقع من الأقوى على الأضعف، ويظهر أيضا ميل القوة الأضعف تحت وطأة الزمن وتزاحم الأحداث

إلى تغليب الأمل في إمكانية استرداد بعض الحقوق على التصلب غير المدعوم أو مسنود بإمكانيات مادية للتحقيق، بينما يٌظهر لنا التاريخ إن القوة في الحقيقة عقل يفكر.

فالتاريخ وهو القوة الحقيقية التي تدير حراك الأمم ليس سلاحا عسكريا يتنافس البشر على استحواذه والتغلب به، بل هو نتاج وجدان إنساني يتشكل عبر الأجيال حتى يرسم صبغته وخصائصه في مفاهيم الناس ويحكمهم بثقافتهم وهم أيضا بهذه الثقافة يحكمونه، لأن التداخل في الأثر والتأثير بين الإنسان والزمن المنتج في النهاية لما نعرفه بالتاريخ يبدو صعب التفكيك وكأنه حال واحدة لا تتجزأ، وهنا تكمن القوة الحقيقية التي تعجز أفتك وأشد الأسلحة أمامها، وعلى ضوء هذه الرؤية الموجزة يمكن الاستشهاد من التاريخ نفسه للتأكيد على مدى قوته الإعجازية أمام السلاح العسكري أو بالأصح سلاح القهر البشري، فلو أخذنا مثلا قهر الهيمنة الفارسية والرومية على العرب قبل الإسلام كمثال لقوة التاريخ في بسط قواعده الثابتة على بني البشر ثم كيف أن العرب بفعل ملكية ثقافة أقوى تغلبوا على هاتين القوتين، لرأينا أن العرب وهم يحاربون الفرس أو الروم كانوا أقل عددا وعدّة ومع هذا انتصروا وسادوا حتى امتزجت الثقافة وصارت واحدة هي ثقافة المنتصر وليس سلاحه، بل صار المنهزم محاربا ثقافيا لمصلحة الثقافة الجديدة وداخلا ضمن مفهوم الأمة الثقافية الواحدة، حتى انتشرت الثقافة الإسلامية وتوسعت ووصلت إلى شرق الدنيا وغربها دون سلاح طيران أو أساطيل بحرية، وعلى النقيض نشاهد انحسار الثقافة ذاتها في أسبانيا بعد زوال الأندلس رغم بقائها لثمانية قرون، ولم يكن ذلك إلا لضعف ووهن هذه الثقافة لتصعد القوة البشرية العسكرية وتعيد الواقع لتاريخه، فكان صراعا خفيا بين الإنسان والتاريخ ولما لم يستطع الإنسان خلق تاريخ بديل قادر على طرد ما قبله واكتفى بقوته العسكرية انهزم وتوارى لضعف قوته الثقافية التي عجزت عن صبغ التاريخ والدخول في خصائصه مما ساعد القوة العسكرية الأقوى على إزالته وقذفه خارج واقعها.

الحال أيضا يمكن قوله بشان انتشار الثقافة الأمريكية في أوروبا وآسيا وأفريقيا، إذ من المعلوم أن أمريكا أو الولايات المتحدة الأمريكية لم تستخدم قوتها العسكرية في استعمار آسيا أو أفريقيا أو حتى أمريكا الجنوبية بقدر ما استخدمت قوتها الثقافية ( الأدب والعلم ) بل إن استخدامها القوة العسكرية في اليابان وكوريا أو فيتنام لم تمكنها من البقاء إلا في مناخات الحرب العسكرية، أما ثقافتها فقد مكنتها من الانتشار والاقتداء إلى درجة البقاء بفعل تحولها من قوة قهر بشري إلى واقع يمتزج بالوجدان الإنساني ويصبح داخلا في حكم التاريخ الذي لا يتغير إلا بقوة أقوى منه، وبالتأكيد القوة التي أعنيها هنا ليست عسكرية بل ثقافية.

الأعجب من هذا أن الثقافة الأمريكية والتي لا تملك تاريخا من الأصل صارت هي بحد ذاتها تاريخ، لأنها اليوم هي الثقافة الأفضل والأقوى، والعجب ليس هنا بل في أن هذه الثقافة الأمريكية تكاد تبسط هيمنتها اليوم على الثقافة العربية، وعندما أقول الثقافة العربية فإني أقصد الإسلامية، فالثقافة الأمريكية اليوم يسندها علم وأدب بلغ ذروته حتى بات الإنسان يعجز حتى لو أراد عن التخلص من أثرها واحتياجه لها في حين صارت الثقافة الإسلامية (أحيانا) خصما لراهن العصر في ثقافته ونشاطه وحاجة الناس إلى منتجاته، ولعل ظهور كيان إسرائيل على أرض العرب والإسلام كقوة مرهوبة الجانب إلى درجة الغطرسة والاحتقار المهين لما يحيط بها من أقطار عربية تملك بعضها جيشا بتعداد سكان هذا الكيان الهش مثال يمكن فهمه لمدى خطورة الوهن الثقافي العاجز عن محاكاة العصر الذي استطاع بذر التشكيك والإنكار في عقول كثير من العرب والمسلمين في ثقافتهم وتاريخهم.

إننا في حاجة ماسة لتجمع بحثي لإعادة تجديد الفهم وإصلاح المفاهيم، يضم تنوع فكري واسع وقادر على الإحاطة قدر الإمكان بكافة الجوانب المشكلة لطبيعة العصر ومؤثراته في مناخ حر وخالي من التحزب الفئوي والسلطوي، كي يكون العطاء غني والنتاج في النهاية واقعي لا يتضاد أو يتعارض وراهن العصر، أي أننا نحتاج فعلا للاعتراف والإقرار بأن الخلل ليس في الإسلام وليس في العصر ولكنه في عجز العقول عن التفكير بالشكل الصحيح الذي يظهر كمال هذا الدين في عمار الحياة وتأمين سلامة الخلود.

hassam-alyemni@hotmail.com
 

صراع الثقافات يحتاج تجديد الفهم وإصلاح المفاهيم
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة