Wednesday  29/06/2011/2011 Issue 14153

الاربعاء 27 رجب 1432  العدد  14153

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

قال معاوية يصف أسلوبه في الحكم: «إن بيني وبين الناس شعرة، إذا أرخوا شددت وإذا شدوا أرخيت»، هذا الأسلوب في الحكم ساد السياسة العربية فيما تلا ذلك من عصور حتى عصرنا الحديث، ومع أن بعض الأنظمة الحزبية تخلت عن ذلك النهج ومالت لنهج سلطوي قمعي، إلا أن الأنظمة التقليدية ما زالت تستنير بهذه السياسة في الحكم، فمفهوم شعرة معاوية في الحكم يقوم على خلق قناة تفاوض مستدامة بين السلطة والمجتمع، هذا الأسلوب في الحكم مثالي في حال كون السلطة أوتوقراطية (مركزية المصدر) والمجتمع متجانس تتماثل لديه التطلعات والهموم وحال الواقع التفاوضي هي حال آنية تلقائية، وعندما يتغير حال أي مما ذكر يتحول مفهوم شعرة معاوية السياسي لفرعيات أخرى مثل: «فرق تسد» عندما يفقد المجتمع التجانس ويصبح مكونات متعددة لها تطلعات وهموم مختلفة، و»مراكز القوى» عندما تتشارك في السلطة أيدٍ مختلفة، وعندما يكون حال التفاوض حالا تاريخيا أو مستقبليا تحدث الجفوة بين السلطة والمجتمع ويصبح الحكم دكتاتوريا «جبريا»، وعندما تكون أحوال السلطة والمجتمع والواقع متغيرة بصورة ديناميكية متغيرة مستمرة يكون الحكم كمركب هائم في مهب الرياح تتقاذفه الأمواج حتى يرتطم بصخور المخاطر الكبيرة الخارجية والداخلية. وهذا ما حدث في نهاية معظم الأنظمة التاريخية في المنطقة العربية منذ زوال الدولة الأموية تحت نفس الظروف.

عندما ننظر لحال عدد من البلدان العربية، نجد أنها باتت مجتمعات غير متجانسة، فهي متنوعة بأصولها العرقية وهي متنوعة بمعتقداتها الدينية والمذهبية وهي متنوعة بتطلعاتها المستقبلية وهي متنوعة بثقافاتها وفلسفاتها تجاه الحياة والتطور والمستقبل وهي متنوعة بطبيعة التحديات البيئية والجغرافية، وفوق ذلك هي متنوعة بمدى تأثرها بالأحداث والتجاذبات الدولية، في هذه المجتمعات التي تنتهج سلطاتها نهجاً تقليدياً يقوم على مفهوم (شعرة معاوية) لا تلبث تلك السلطات وتحت ضغط الحاجة، أن تخلق عدة قنوات تفاوض مع كل مكون سماتي من مكونات المجتمع، هذه القنوات تضيق وتتسع بحكم أولويات السلطة وقدرة المكون الاجتماعي لفرض أجندة ضاغطة على السلطة، وبحكم محدودية الاهتمام والموارد تصبح مكونات المجتمع في حال تنافس لتوسيع قنوات تفاوضها مع السلطة بصورة منفردة، وهو ما يجعل عملية التنافس بين المكونات الاجتماعية خاضعة لمعايير ومناورات مأذونة من السلطة، وهذا يجعل السلطة متأرجحة في استجابتها لتفاوض المكونات ونتيجة لذلك، يشتد التنافس بين المكونات الاجتماعية فتتشظى بينهم الوطنية المشتركة، ويصبح الاستقطاب السماتي هو السائد، ويفقد الجميع مع مرور الزمن الثقة بالسلطة، وربما تجد المكونات الأقل اهتماماً من السلطة مسوغاً لاستجلاب مؤثرات خارجية حتى تستقوي بها للتفاوض مع السلطة. هذا الواقع هو بداية الانزلاق لسياسة (فرق تسد) والتي تحقق به السلطة إلتجاء المكونات الاجتماعية لها لتحقيق تميز تنافسي على المكونات الأخرى، وهو ما يوحي لها بالسيطرة التامة على عملية الحكم والإدارة، ولكونها تتحكم بوضع معايير وميدان التنافس الاجتماعي فهي تتحكم بحدة ومدى ذلك التنافس.

في النظرية يبدو هذا واقعًا ممكنًا الحدوث ولكنه مرهون بسيادة واقع خالٍ من المؤثرات الخارجية القوية ذات المصالح والمطامع، وخلو من التواصل الديناميكي بين مكونات المجتمع. ولكن وفي القرن الواحد والعشرين هذا الواقع غير موجود، لذا فسياسة (فرق تسد) لا تتحقق عملياً وإن تحققت فلا تدوم إلا لفترة قصيرة ثم تنفلت المكونات الاجتماعية من الرابط المركزي للسلطة وتكون روابط جديدة تتمثل في ولاءات خارجية مع ذوي المصالح والمطامع، وتحالفات بين مكونات وأخرى بهدف إعادة صياغة سياسة التفاوض مع السلطة، وربما تغيير محاور التفاوض لتشمل محاور جديدة تمثل ضغوطاً تسلب السلطة دورها التقليدي.

إن واقع الحال يدعو لصياغة جديدة لسياسة الحكم، فلم يعد الحكم هو حال التفاوض المستديم بين منفق ومنتفع أو حاكم ومحكوم، لقد حان الوقت ليكون الحاكم هو المبادر في صياغة العلاقة على معايير جديدة تجعل من جميع المكونات الاجتماعية شركاء في تقرير حال البلاد ومستقبلها، وبات على الحاكم المبادرة في وضع تنظيم يضمن عدم جموح مكون اجتماعي على الآخر، وأن يكون القانون هو السائد من منطلق القيم السامية المشتركة لجميع المكونات الاجتماعية، وأن يصاغ هذا القانون وفق المصالح العليا المشتركة. هذا هو التحدي الذي يواجه أي حاكم يريد أن ينجو بمركب الحكم من تلاطم أمواج الأغراض الشخصية والتجاذبات القبلية والأهواء الفئوية. فلم يعد الحال يحتمل تأجيل ذلك الإصلاح المنتظر، وما علي إلا أن أذكّر بقصيدة نصر بن سيّار التي مطلعها:

(أرى خلل الرماد وميض نار

ويوشك أن يكون له اشتعال)

حفظ الله بلادنا وبلاد العرب والمسلمين كافة، وجعلها منارة علم ورقي وحضارة.

mindsbeat@mail.com
 

نبض الخاطر
شعرة معاوية.. آلية حكم تندثر
محمد المهنا ابا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة