Monday  04/07/2011/2011 Issue 14158

الأثنين 03 شعبان 1432  العدد  14158

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بسم الله الرحمن الرحيم

* رُوِيَ - والعهدة على رُوِي - أن الرفيق عوناً يُسَخِّر عُمَّالاً بلا أجر يوماً من الدهر؛ فإذا أقبل الليل أحضرهم عامله صفوفاً، وضرب راحة كل واحد منهم برفق قائلاً (عَفَارِم)، وأظنها تركيَّة، وأظن أن معناها (بيَّض الله وجهك) أو ما يقرب من هذا، ولا تزال العامة اليوم تقول للفرد ثناءً عليه: (عفارم عليك).. وكان عاملٌ من أهل نجد جاد في عمله يقوم بعمل عشرة عُمَّال طامعاً في زيادة الأجر؛فلما أقبل الليل زادوه من العفارم ثنتين؛ فكان نصيبه ثلاثة عفارم: (عفارم عفارم عفارم)، وقد أخذ منه الجوع مأخذه؛ فدخل مطعماً، وطلب من كل أنواع الطعام حتى شبع؛ فغسل يده، ونقَّب أسنانه، وحمد الله حمداً متتابعاً بعد تَغَراتٍ متتابعة، ومنح العفارم الثلاث لصاحب المطبخ بِصَفْقٍ قويٍّ على راحته؛ تفاؤلاً بثباتها؛ فجرَّه بأطراف أكمامه المُلَوْسَنة قائلاً: (إيش بك يبوي؟!.. أين الفلوس؟!)؛ فقال (هذه العفارم أجر عملي من الشروق إلى الغروب منحني إياها سِيد الجميع عون الرفيق؛ فهي عملة خفيفة لا تحتاج إلى كيس أو حَمْل، ووالله ما بخستك منها شيئاً)؛ فجرَّه إلى عون الرفيق قائلاً: (بلاشي فَراخَة يا شرقي !!)، ولكنَّ عوناً الرفيق لما قَصُّوا عليه القَصص وصلت شنباته إلى حواجبه من الضحك، وأعطى الطباخ حقَّه، وأمر للشرقي براحلتين وحملين من الغذاء والكساء؛ فلله ما أعظم بركة تلك العفارم !!.

*قبل الربيع العربي بأعوام زرتُ مع بعض الزملاء الوادي المبارك الذي تقع عليه بلدة (نالوت) غرب شمال ليبيا.. وهو وادٍ فحلٌ على ضفَّتيه مزارع داكنةُ الخضرة، وبيوت حديثة، وطيورُ مغرِّدة، وفوائح عُطريَّة من نبات المطر.. ويحيط به على امتداده جبلان شاهقان يبعدان عن الأرض تدريجياً.. أي بتدرُّجٍ طبيعيٍّ إلى العلوِّ، ويطلُّ عليك من الجبل الجنوبي الغربي بيوتٌ وحصونٌ ومنشآتٌ أخرى؛ فصعدنا الجبل مع طريق المارَّة بشكلٍ دائريٍّ، وصادف ذلك أيام تسخيرٍ لترميم منشآت الجبل؛ فوجدنا بيوتاً متناثرة أثرية اجتمع فيها النحت والإنشاء، وآباراً مصهرجة يُسلَّط عليها الماء من منحدرات الجبل، ومخازنَ ذات أدوار للحبوب والزيتون والخبز اليابس والدهن والفواكه المجفَّفة، وحصوناً وأبراجاً يتعاقب عليها الرماة والطلائع.. وينتثر في أرجاء الجبل الطويل العريض قِطاع من الشعب الليبي يُرمِّمون مظاهره الطبيعية والإنشائية، وكان ذلك عادة لهم مدة عشرين يوماً من كلِّ عام، وكان البرد قارصاً جداً لا أكاد أتحمَّله لولا الله ثم حملٌ من الملابس أنوء به، وكنت حريصاً على التواصل مع العاملين ومع السُّيَّاح وأكثرهم ليبيُّون، وكنت كثير الفضول بالأسئلة؛ فتبيَّن لي من أحدهم في انفراد بعد الاطمئنان - والقلوب جنود مجنَّدة: ما اتَّفق منها ائتلف، وما افترق منها اختلف -؛ فتبيَّن لي أن هذا العمل الشاق باللغة المهذَّبة الرسمية (تطوُّعيٌّ)، وبالواقع العملي (تسخير بلا أجر)، ولم يُؤمَّن لهم قوت يومهم، وإنما يحمل كل واحد قوارير من الماء يبل بها ريقه، وكانوا يبادرون إلى الصلاة في وقتها؛ فالمتباعدون يصلون جماعات، والمتقاربون يصلون جماعة واحدة (وقد أدركتُ قوماً في بلدٍ ما يبلغ أحدهم خمسين عاماً لا يدري كيف يصلي !!).. وكانت معي وريقات أسجل فيها مشاهداتي (وأوراقي الآن مبعثرة متباعدة ليست بين يدي)..وهذا الجبل أيام الخوف مأوى لأهل المزارع والمواشي في الوادي، وأبراجه وحصونه حماية لهم.

* تذكَّرتُ من أوراقي أنَّ لهم أجراً سخيَّاً مذخوراً في إعلانات من قائد اللجان الشعبية، ونص أحدها فيما أظن: (المُسْتَهْلِكُ والعامل شريكان، وليسا مُوَرِّدين أو أجيرين) !!.. وكانت الإعلانات على لوائح خضراء في ذروة الجبل، وبين كل إعلان وإعلان فقرات من (الكتاب الأخضر) الذي يُغْني عن علوم الأولين والآخرين.

* وجدتُ أجر هؤلاء الفضلاء كدحاً وكبداً من أرضهم ومواردهم لا من دخلٍ قوميٍّ كما زرتُ متاجرهم.. وحوانيتُهم الصغيرة ثرية بإنتاج بلدهم وصناعاتهم البلدية اليدوية، وأما المورَّدُ فلا تحلم به، وما وجدتُ أصدق منهم لهجةً في التعامل والتعفُّف عن الغشِّ، والسماح عندهم رباح وقد تكون عند غيرهم السماحة سلاحة، ويغمر قلبك ويبكيك عباراتهم الإيمانية، ولا تجد المرأة إلا محجَّبة محتشمة، ورأيتهم في البر أهل كرمٍ، وأهل عزَّة وتعفُّف، وأما الشجاعة فمأثرة معروفة من تاريخهم؛ فإن رأيت في بعض البلدان التي لا تردُّ يد لامس قوماً يبدِّدون الأموال على ما لا ينبغي، ويتعاملون بالعنف فأولئك من الربائط المسمَّنة لعميد القادة العرب وزعيم أفريقيا، وقد عايشتُ بعضهم في (جاردن سيتي) في محبوبتي (القاهرة) أعاد الله أمجادها، وذكرتُ شيئاً من ذلك في التباريح.

* * وركَّزت دولة يهود كذلك على البحث العلمي وحركة الترجمة، ويكفي أن نعرف أن ميزانية (معهد وايزمان) - وهو معهد واحد - تتجاوز ملياري دلاور سنوياً بينما لا تكاد تصل ميزانية الجامعات العربية إلى مليار دولار، ونشطت حركة الترجمة إلى العبرية حتى فاق تطوُّرها خلال القرن الماضي تطوُّر اللغة العربية (نبيل عودة / القاهرة / 2007م) وقديماً قال ابن خلدون (1332- 1406م): ((لغة الأمة الغالبة غالبة، ولغة الأمة المغلوبة مغلوبة)) [التركي] (1).

قال أبو عبدالرحمن: هذه من فواصل (مآزق التغيير)، وأودُّ من الحبيب اللبيب أن يوثِّق هذه المعلومات النفيسة في الطبعة الثانية؛ فلا يكفي ذكر نبيل عودة، ويهود منذ ملك سليمان - الذي هو منحة لا كسباً - ومنذ عصا موسى (التي هي آية من آيات الله أحبطت السحر والساحر) عليهما، وعلى نبينا محمد، وعلى جميع أنبياء الله ورسله أفضل الصلاة والسلام: عُنوا بالسحر، وكان لهم لاهوت طبيعي في مثل هذا ولا سيما (القُبَّالا) الذي علمنا منه بعض الشيئ ولم يُعرَّب بعد، وعُنوا بالعلم المادي التجريبي مبكراً على مستوى أفراد ملتهمين العلم من كل أمة من الأمم، وهم أزهد الناس اليوم في الموسيقى وكرة القدم التي هي صرعة العصر الحديث وإن سخط الساخطون، ولكن الإبداع في العلم المادي على مستوى الجماعة لا على مستوى أفراد كان لأهل الكتاب الآخرين، ولولا حُمْق هتلر والفاشية لكانوا أعقل من إطلاق كارثة القنبلة الذرية المبيدة، ولو تفرَّد العرب بملكها، أو تفرَّدت يهود بها لكانوا أسرع جنوناً في تدمير العالم.

* اليهود غير الصهاينة متمسكون بدينهم عقيدةً وسلوكاً، ويهود الصهاينة يُسوِّغون قبائح الوسائل بما يظنونه شرفَ غاية؛ فلا حرج على الصهيوني أن يكون عدوانياً أو شهوانياً أو علمانياً أو أن يكون في الظاهر مسلماً أو نصرانياً، ولا اهتمام لهم بمن كَفَوْهُمْ المؤونة من الوثنيين.. والأحزاب في يهود كثيرة، ولا تعني التعدُّدية، بل هي في مصبٍّ واحد لخدمة الصهيونية؛ وإنما هي غطاء خارجي للأخذ بمجمل الديمقراطية، كما أنها مُقْتضى تسويغ الوسائل الشريرة.

* النظام العالمي منذ مبادئ السلام ومواثيق الأمم تبلورت إلى تغيير وضعي بحت شديد الضغط على تمكين الدين من حكم الدولة إلا إسرائيل فهي مستثناة بلا برهان أن تكون دولة يهودية مع العدوان الصهيوني في سياستها وفي تعاملها مع الآخرين.

* * العلم المادي اليوم هو القوَّة القاهرة بإذن الله، وليست هي سواعد ذوي البأساء؛ فسقطت شجاعة الشجعان.. وبالأمس كان الخنفوس شبه الرجال - وهو أجبن من النعامة - ينفث سيجارته ويُفني أُسُود الشرى الذين عَيَّرهم الأعداء في حرب الخليج العربي بغزلان الصحراء، ثم نام الخنفوس في مرقده، وكفاه المهمة طيارة بلا طيار.

الهيمنة إذن لقوَّة العلم المادي وإن كانت يهود في البداية على هامشها، وإن كانت لهم مشاركة أفراد: إلا أنهم أخلصوا اليوم جهدهم لهذا العلم بكثرة طلابهم في جامعات العالم ولا سيما أن لهم انتماءات وطنية صورية.. أخلصوا لهذا العلم؛ تخطيطاً للمدى الأبعد، ولكنهم سريعو الاستفادة بالابتزاز للعالم بترسانة الأسلحة وبناء المفاعل النووي بسواعد الحلفاء الصهاينة غير اليهود، وبسواعد الصهاينة اليهود ذوي الانتماءات الوطنية الصورية، وصرفوا - على بخلهم وعبادتهم المال - المليارات لمتابعة المستجدات العلمية؛ للإفادة منها أوَّلاً، وللحجر على مَن عنده وعي يكيد الصهيونية.

ابن خلدون كتب أنفس مقدمة في التاريخ - مع نقد كثير لبعض مسلماته -، ولكنه أخفى الأثر عمن استلب منهم كالمسعودي وابن مسكويه وابن حزم وإخوان الصفاء الباطنيين، ورأيتُ له سطواً صريحاً على فِصَلِ الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى كأدلته العقلية العتيدة على إحالة ما في لاهوت يهود من آلاف الخيول والفرسان وكثرة عدد مقاتليهم؛ لأنهم قليلو العدد، ولأن أرضهم محدودة لا تفي بإيواء تلك الأعداد وغذائها، ومنطقه رحمه الله تعالى: (الطبيعة لا تعطيك أكثر مما فيها)، وقد بيَّن برَّد الله مضجعه في أول (الإحكام لأصول الأحكام) بأسلوبٍ فكريٍّ مُتَرَسِّل أن خمول الأمة، وغياب شواهد العلم عنها ضامِنٌ لِبُيودِ لغتها؛ فابن خلدون ناقل باقتضاب، والقاعدة:

وَنُصَّ الحديثَ إلى أهله

فإن الأمانة في نَصِّه

* * السياسة العملية لا النظرية التي تحكم العلاقات الدولية هي دين وضعي بلا ريب أبدعها علماء القانون والفلاسفة، وأُمَّتنا العربية والإسلامية وكل دول العالم النامي والمتخلَّف ترضَى بهذا النظام الوضعي ما سلمت لهم خصوصيتهم بمقتضى التنظيم للعلاقات الدولية نفسه إذا التحمت مبادئ السياسة بالأخلاق، وتوارَى عن الميدان المشاهد مقولة (السياسة لا أخلاق لها)؛ وهذا ما برم به الفيلسوف القانوني أمَّانوئيل كانط.. ومع كرهي لمجمل النقدية الكانطية فإنني معترف على الرغم مني بأنه من سدنة الأخلاق التي أدرجها تحت اسم (الواجب).. يعني الواجب العملي أخْذاً من التفكير الحر المنتهي إلى ضرورة، ومن التجرِبة العملية، ولكنه أهمل هداية الشرائع التي نزَّلها خالق العقول، وأجلُّ ما فيها الإذعان للواجب في السر والخفاء عند البعد عن مراقبة السلطة إيماناً باطِّلاع ومراقبة خالق العقول ومنزل الشرائع، وما ينجم عن ذلك من إيثار وتضحية استثماراً لوعد اليوم الآخر، ولكنه جعل الإيمان فَرضِيَّة ذات خير - وإن كان الإيمان بالله عنده غير صحيح في نفسه -؛ من أجل صلاح الأخلاق؛ وذلك هو السلوك الحر غير المرتبط بما هو عليه من تفكير نقدي، وتجرِبة عملية.. وهو يجعل السياسة والأخلاق توأمين.. قال: ((الأخلاق علم عملي بالمعنى الموضوعي؛ من حيث إنها مجموع من القوانين المطلقة التي بموجبها يجب أن نفعل.. ومن غير المعقول أن نزعم أننا لا نستطيع أن نفعل ما يجب علينا؛ إذ لو كان الأمر كذلك لكان علينا أن نستبعد مفهوم الواجب من ميدان الأخلاق، وهكذا لا يمكن أن يكون هناك نزاع بين السياسة من حيث هي ممارسة للقانون (للحق)، وبين الأخلاق والعمل اللهمَّ إلَّا إذا فهمنا من الأخلاق نظرية عامة في الفطنة.. أي نظرية القواعد التي تُبيِّن أنجع الوسائل لتأمين المصلحة الشخصية، لكن هذا معناه إنكار وجود الأخلاق عامة)) (2).

* ذكر كانط التباعد بين السياسة والأخلاق بهذه الأدبيات: ((والسياسة تقول: (كونوا فطنين مثل الأفاعي)، والأخلاق تضيف (كقيد حدِيدي بغير مخادعة مثل الحمائم)؛ فإذا كانت هاتان النظريتان لا يمكن أن تتعايشا معاً في أمرٍ واحد فذلك أن هناك حقاً نزاعاً بين السياسة والأخلاق، لكنْ إذا كان لا بد من اجتماع الأمرين معاً فإنَّ فكرة الضدِّ تكون غير معقولة حينئذ (3)، ولا يبقى هناك مجالٌ لوضع السؤال لمعرفة كيف يمكن وضع حدٍّ لهذا النزاع؟.. وعلى الرغم من أن هذه القضية: (الأمانة أفضل سياسة) تحتوي على نظرية ينقضها العمل مع الأسف في كثيرٍ من الأحوال (4)؛ فإن القضية النظرية [أي القضية الأخرى] هي الأخرى التي تقول (الأمانة أفضل من كل سياسة توضع فوق كل افتراض.. إنها الشرط المطلق للسياسة معها) (5).. وحجة السياسيِّ العمليِّ هي أنَّ الطبيعة الإنسانيَّة لا تريد ما هو ضروريٌّ لبلوغ الهدف من السلام الدائم؛ إذْ لا يكفي لبلوغ هذا الغرض أن يريد كل فردٍ من الناس أن يعيش وَفْقاً لمبادئ الحرية تحت دستورٍ شرعيٍّ (6)، بل يجب أن يريد الجميع هذه الحالة، ومن يملك السلطة لا يسهل عليه أن يملي عليه الشعب القوانين (7)، والدولة التي توصَّلت إلى التحرر من كلِّ تشريعٍ أجنبيٍّ لن تقبل أن تعتمد على محكمةِ دولٍ أخرى فيما يتعلق بالطريقة التي ينبغي عليها أن تَسْنُد بها حقَّها ضدَّ الدول الأخرى.. وحتى إذا استشعر جزء من العالم بأنه متفوق على جزء آخر لا يقاومه فإنه لن يترك الفرصة تضيع لزيادة قوَّته بأنْ يستولي على هذا الجزء أو يخضعه لسيطرته، وهكذا فإنَّ كلَّ خططنا النظريَّة الخاصَّة بالقانون المدنيِّ وقانون الشعوب والقانون العالميِّ تتبدَّد إلى وهمٍ لا يقبل التحقيق.. وفي مقابل ذلك فإن الممارسة العملية المؤسَّسة على المبادئ التجريبيَّة للطبيعة الإنسانيَّة، والتي لا تتحرج من أن تستمدَّ من سلوك العالم تعليماتٍ لوضع قواعدها يمكنها وحدها أن تأمل في العثور على أساسٍ راسخٍ لبناء فطنتها السياسية (8).. لكن إذا لم توجد حريَّةٌ ولا قانونٌ أخلاقيٌّ مستنبطٌ من هذه الحريَّة فإنَّ السياسة (بوصفها فن استخدام هذا الجهاز لحكم الناس) تمثِّل كل الحكمة العملية، ولن يكون مفهوم القانون سوى فكرةٍ جوفاء خاوية.. لكن إذا رأينا أن من الضروري اتِّفاق السياسة مع الأخلاق فمن الممكن الإقرار بإمكان التوفيق بينهما.. [قال كانط:] وفي وسعي أن أتصور سياسياً أخلاقيً.. أيْ رجلَ دولةٍ يقرُّ - كمبادئ للفطنة السياسيَّة - بمبادئ يمكن أن تتفق مع الأخلاق، لكنني لا أتصوَّر أخلاقياً سياسياً.. أيْ أخلاقياً يصنع أخلاقاً مناسبة لرجل الدولة)) (9).

* يُـجْمل كانط التصادم بين السياسة والأخلاق في نقاط منها:

1 - افعل واعتذر.. اهتبل الفرصة المواتية للاستيلاء اعتباطاً (على حق الدولة.. على الشعب، أو على شعب مجاور)، وبعد الفعل بمكن التبرير على نحوٍ أسهل وأكثرَ أناقة، وسيكون أسهل عليك أنْ تموِّه العنف (خصوصاً في الحالة الأولى؛ حيث السلطة العليا في الداخل هي في نفس الوقت السلطة التشريعية التي يجب إطاعتها دون تفكير) (10) على نحوٍ أسهلَ ممَّا لو حاولتَ أوَّلاً أن تعثر على أسبابٍ مقنعةٍ وأنْ تستبعدَ الاعتراضات، وهذه الجرأة نفسها تَـهَبُ نوعاً من مظهر الإقناع الداخلي فيما يتعلَّق بمشروعيَّة الفعل، وأن النجاح هو بعد ذلك أفضلُ محامٍ.

2 - إذا فعلتَ فأَنكِرْ ما دبَّرته أنتَ: مثلاً لدفع شعبك إلى اليأس، وبالتالي على التمرد.. إِنفِ أنَّ ذلك ذنبك، وقل بالأحرى: إنه ذنب تمرُّدِ رعاياك (11).. أو في حالة غزوك لشعبٍ مجاور ألْقِ الذنب على طبيعة الإنسان التي من شأنها أنه إذا لم يسبق جارَه باستعمال القوَّة فيمكنه دائماً أن يتوقَّع أنَّ جارَه سيسبقه إلى ذلك وسيستولي على ما هو له (12).

3 - فرِّق تَسُدْ (حرفياً: فرِّقْ، وسيطر).. أي إذا كان بين شعبك بعض الزعماء ذوو الامتيازات قد اختاروك حاكماً ففرِّق بينهم، وجُرَّهم إلى مشاكل مع الشعب، وتملَّق الشعب ملوِّحاً أمامه بالمزيد من الحرية؛ وعمَّا قليلٍ يتوقَّف كل شيئ، على إرادتك المطلقة (13).. أو إذا تعلَّق الأمر بدولٍ أجنبيَّة فإن الوسيلة الأكيدة لإخضاعها لك الواحدة بعد الأخرى هي أن تثير بينها الشقاق والمنازعات، وتدَّعي الدفاع دائماً عن الأضعف من بينها)) (14).

* * فرق كانط بين السياسة والأخلاق بهذه التوأمية بين القانون والحق؛ إذِ القانون سلوكٌ عمليٌّ لممارسة الحق، وجعل الأخلاق نظرية الحق الذي يمارسه القانون، ولا ريب أن هذه ثنائية خاطئة؛ فتاريخ (جنكيزخان) حقٌّ لأنه ثابت الوجود وإن كان شِرِّيراً؛ فليست الأخلاق نظرية للحق؛ وإنما الأخلاق فضائل وضرورات واجبة التطبيق؛ فهي وجوب عمليٌّ ببراهين الحق والخير والجمال، وليست نظرية للحق، ولكنها نتيجة حتمية للمعايير الثلاثة.. والقانون بيان موجز مبسَّط يزيح الغموض، ويجمع ويمنع ما أمكن، ويُحدِّد بالتعيير المباشر ما هو واجبٌ عمليٌّ تُلزَم الأفرادُ بتنفيذه، ولا يتم تسويغه بالبرهان إلا في مسوَّدة إعداده، وفي اللوائح الإيضاحية لبواعث تنظيمه، واستنباط الحكمة والضرورة في بعض شروحه.

* رفع كانط النزاع بين السياسة والأخلاق، وهذا حقٌّ حسبما يجب أن يكون لا حسب ما هو كائن؛ لأن السياسة الوضعية مدخولة بالأهواء الإيديولوجية، والأطماع النفعية، كما أن الأخلاق الوضعية مهدَّدة بغياب الرقيب.. والمصلحة الشخصية التي سماها كانط (فطنة) هي وباء (الأطماع النفعية التحليلية)، ولكنَّ المفكر المجرب ذا الدين الصحيح يضحِّي بمصالحه الشخصية الدنيوية؛ لأنه ضامن من ربه مصالحَ شخصية في العمر الأبدي بعد البعث، وهي مصالح إذا عُودلت بالمصالح الشخصية الدنيوية كانت تساوي المعادلة بين المحدود وغير المحدود، والخالص والمكدَّر، واللذَّة النفسية والبطر بالاستمتاع بِاَثْرة نفعية زائلة.. وإنَّ حبور النفس بإعانة أخيك على نوائب الدنيا بهدايةٍ من الله لك ألذُّ وأمتع من رصيد في البنك تُعدِّده جمعاً وضرباً وطرحاً وقسمةً، وتشغل به ليلك ونهارك، ويكون هو وِرْدَك في فراشك!!!.. لقد مدح الله أبا بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه بقوله: وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19) سورة الليل، ومع هذا كان أنفع الخلق للأمة؛ لأنه يريد الجزاء من ربه.

* قال أبو عبدالرحمن: الأخلاق أمام أهواء السياسة ذات المطامع الأيديولوجية والنفعية التحليلية تقتضي عظمة فكرية في الفطنة، لأن سوء الظن حزم، وتقتضي شجاعةً في كسر المطامع من أجل سياسةٍ أخلاقية، أو اللجوء إلى معادلة بين المصالح والمفاسد وإن لم يحصل إلا على أحلى الأمَرَّين، مع الهمَّة العالية - ولو على الأمد البعيد - بتحويل أمرِّ الحال إلى أحلى حال بالعمل الكادح أو التفكير السياسي العاقل.

** قال أبو عبدالرحمن: فطنة الأفاعي في السياسة سمومٌ قاتلة، ويهون اصطياد الأفعى بعد إفراغها سمَّها، ولا معنى لإضافة القيدِ الحديدي إلا الاحتياطُ بالحاجز - وهو حاجز أخلاقي - لعدوان السياسة، وهكذا إضافة (نفي المخادعة)،ولكن التشبيه بالحمائم رديئٌ جداً، بل يتعفَّف عن المخادعة مَن يملكها؛ فإذا بُلي بحربٍ عدوانيَّة فالحرب خَدَعَةٌ، وعمر رضي الله عنه - وحسبك به إيماناً وذكاءً وقوَّةً - يقول: (لستُ بالخبِّ ولا الخبُّ يخدعني).. والنزاع بين الأخلاق والسياسة حقيقة مشاهدة ماثلة على الرغم من كل معاهدات السلام، ولم نر اتِّحاد السياسة والأخلاق إلا عند أتباع الديانات الصحيحة، وقد أفاض كانط في التناقض بين السياسة والأخلاق، وغفل عن المأثور التاريخي المتواتر عن سلوك ذوي الأديان الصحيحة.. ألا تراه يذكر استئثار من يملك السلطة ببعده عن واجب القانون الوضعي الذي يُمْلَى عليه وقد أخذ زمام السلطة باسم القانون نفسه؟!.. ألا تراه يذكر مَنَعة الدولة المتحرِّرة التي يكبر عليها الخضوع للنظام الدولي، وقد صدقت نبوءة كانط بالفيتو (15) الظالم؟!.. ألا تراه يذكر أطماع الدولة القويَّة باحتواءٍ نفعيٍّ يجعل قانون الشعوب والقانون العالمي وهمياً؟!.

* في فلسفة كانط ثنائية غامضة بين (سياسي أخلاقي)، و (أخلاقي سياسي)؛ فالفارق الأول ببادي الرأي أن الأول متنفِّذ، والآخر صاحب رأي باللسان والقلم، والرأي لمن يملكه لا لمن يراه ولا رأيَ لمن لايُطاع..، والنتيجة أن الأخلاقي السياسي لا يستطيع بحرية تصرُّفه أن يجعل السياسة الأخلاقية واقعاً ماثلاً؛ فهذه الثنائية الساذَجة لا تليق بموهبة كانط وهو من أساطين السياسة والقانون.

* أثرانا كانط - فيما نقلته من كلامه وما لم أنقله - بنماذج حيَّة من حيل الاستبداد على مواضعات السلام والقوانين والدساتير، ونحن نشاهد هذه النماذج عياناً فيما حولنا من العالم، ولو قُدِّم حقُّ الله في التشريع لاقتضى ذلك مراقبة الله في السرِّ والعلن.

** من الحكم الآشورية: أصلح نفسك فالله هو عونك.. إذا كنت آذيت صديقك فماذا ستفعل مع عدوك.. إن شعباً بغير مَلِكٍ كغنمٍ بلا راعٍ [يعني يأكلها الذئب].. الرجل الجائع يقتحم مبنى من الآجُرِّ المحروق.. [بخلاف ما قاله الدكتور عبدالغفار مكاوي؛ فهو مثلٌ لاقتحام الجائع المهالك، وأكله الرطب واليابس ولو من أبناء جلدته، وإذا استمرَّ شعار (سلميَّة)، و (صدور عارية)، وتوقَّفُ المرافق والخدمات والكسب المباح والمبيعات: فلا مندوحة عن الجوع والمرض، ثم اقتحام المهالك، فالحرب الأهلية].. لا تأكل الدهن ولن يظهر الدم في برازك.. [هذا تحليل قديم للديزنطاريا المتكيِّسة (التي أعاني منها)، والمثل دعوة للتقشف].. لا ترتكب جريمة ولن يصل الحزن إلى قلبك [المجرم يتقطَّع حزناً ونقمةً وإن لعب الشطرنج ولبس الحرير الأحمر من لُعاب العنكبوت!!].. عندما يدخل الكلب الفخار في التنور فسوف ينبح صانعَ الفخار.. قال الدكتور عبدالغفار مكاوي: ((ورد هذا المثل في بداية رسالةٍ وجَّهها الملك الآشوري أسرحدون (680 - 669 ق.م) إلى بعض البابليين الذين تمرَّدوا على الحكام الموالين له وبعثوا يشكونهم إليه، ويحتمل أن يكون الملك قد ضرب لهم هذا المثل ليقول لهم: (إنهم كان من الممكن أن يتعرَّضوا لعقابٍ أشدَّ، وأنهم في وضعٍ لا يسمح لهم بالشكوى من عمالة الموثوق بهم؛ شأنهم في هذا شأن كلب صانع الفخار إذا دخل الفرن أو التنور فلن يكون في وضعٍ يسمح له بأن ينبح سيِّدَه).. والمثل نفسه موجود في الصيغة السريانية من حِكَم أحيقار (كاتب الملك الآشوري سنحاريب 704 - 681 ق.م) الذي غدر به ولده، حيث يقول هذا الحكيم لابنه: يا بني: لقد كنت عندي كالكلب الذي شعر بالبرد فذهب إلى بيت الفخار ليتدفأ وعندما أحسَّ بالدفء بدأ ينبحهم (أي عائلةَ سيِّدِه)؛ فطردوه وضربوه حتى لا يعضَّهم.. وقد جاءت العبارة في الترجمة العربية عن النص السرياني على هذه الصورة: كنت لي يا بني كالكلب الذي دخل على فرن الخزافين ليتدفأ، وبعد أن دفئ نهض لينبح على الخزافين.. راجع كتاب أحيقار الحكيم / بغداد / مطبوعات مجمع اللغة السريانية / 1976 - ص132، والنص من تحقيق المطران غريغوريوس بولس بهنام الذي قدَّم له وعلَّق عليه)) (16).

قال أبو عبدالرحمن: ما علمتُ في الكلب إلا الوفاء، وإنما قال مسكين الدارمي:

أو كحمار السَّوْء إن جوَّعته

رمح الناس وإن يشبع نَهَقْ

أو كعبد السوء إن جوَّعته

سرق الناس وإن يشبع فسقْ

وجاراه ابن لعبون، وإلى لقاء إن شاء الله في الأسبوع القادم، والله المستعان وعليه الاتكال.

وكتبه لكم:

أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري

- عفا الله عنه -

(1) فواصل في مآزق الثقافة العربية ص 222.

(2) فلسفة القانون والسياسة للدكتور عبدالرحمن بدوي الحلقة الثالثة، وهي شرح الفلسفة كانط - وكالة المطبوعات بالكويت عام 1979م ص 247.

(3) قال أبو عبدالرحمن: هذان افتراضان ساذجان لا يليقان بعقل كانط إمام الفلسفة النقدية؛ لأن الضدية بين السياسة والأخلاق غير متصوَّرة في العقل، وإنما الضدية المحالة مثل اجتماع القيام والقعود في آن واحد، وأما فصل السياسة عن الأخلاق في السلوك العملي فذلك عدوان على ما هما غير ضدّين، بل جلال السياسية مشروط بكمال الأخلاق.

(4) قال أبو عبدالرحمن: الأمانة مفردة من فضائل الأخلاق، والسلوك الظالم لا ينقض قاعدة خلقية فكرية.

(5) قال أبو عبدالرحمن: العقول الكبيرة لا تسلم من السطحية؛ شهادة على نقص العقل البشري المخلوق، ولا تناقض بين القضيتين؛ فجملة: (الأمانة أفضل سياسة) تعني تقيد السياسة بأن لا تكون فوق كل حق، وجملة، (الأمانة أفضل من كل سياسة توضع فوق كل افتراض) تعني خلوص السياسة للأمانة، وقول: (فوق كل افتراض) عبارة مضللة؛ وإنما المعتد به الحق الواجب لا عموم الافتراض، ولا معنى لهذه الثنائية إلا من جهة جعل الأمانة أفضل سياسة اقتراح فيلسوف أو قانوني مخلص للحقيقة، ومن جهة جعل أن (الأمانة أفضل من كل سياسة توضع.. إلخ) عملاً واقعياً، ولا اعتداد بهذه الثنائية؛ لأن التنظير لما يجب أن يكون، وليس لما هو كائن.

(6) قال أبو عبدالرحمن، معنى هذا الكلام أن بعض الأفراد يود سياسة في ظل القانون، ولكن له غرائز من طبيعته الإنسانية تود إشباع حريته الفردية، ولكن السياسة، كما يجب أن تكون، يجب أن تكون في ظل قانون عادل يرضاه الجميع.

(7) قال أبو عبدالرحمن: مالك السلطة هو السياسي العملي، وهو واحد من الأفراد الخاضعين لحرية النوازع؛ لهذا يجرح كبرياءه أن يملي عليه شعبه قانون سلام دائم.

(8) قال أبو عبدالرحمن: يعني فطنة تجمع بين الواجب والمواءمة، بين النوازع التي هي طبيعة إنسانية تريد حقها من الحرية، وهذا بناء سياسي كريم لا يتفق إلا بدين صحيح، لأن خالق النوازع المتصارعة هو العليم سبحانه وتعالى بما يوفق بينها بمقتضى شرعه المطهَّر.

(9) فلسفة القانون والسياسة ص 247 - 249.

(10) قال أبو عبدالرحمن: هذه هي الحجة لطواغيت الاستبداد في الدساتير الوضعية إذا تسلموا السلطة بتشريع قانوني، ثم تجاوزوا واستبدوا: تذرعوا بمقولة: (مخالفة القانون جريمة)، وهذا حق بالمنطق الوضعي لو ظل القانون كما هو عند تولي السلطة.

(11) قال أبو عبدالرحمن: هذه حجج إبليسية تشاهدها الآن في الربيع العربي لطغاة خنقوا شعوبهم حتى كان التمرد أمراً لا مفر منه، ثم أخذوا يجازونهم بالقمع والقتل بحجة التمرد، ولا يقولون: (التمرد على الظلم)، بل يقولون: (التمرد على شرعية الدولة).

(12) قال أبو عبدالرحمن: حفظت في مسقط رأسي شقراء (عمرها الله، وعمر بلاد المسلمين بالإيمان والأمن والرخاء) مثلاً ولد هناك (ابدأ بزيد قبل أن يبدأ بك).. وبلهجتنا: ((ابدْ بزيد قبل يبدا بك).

(13) قال أبو عبدالرحمن: هذا غير (فرِّق تسد) عند دول الاستعمار؛ وإنما هو تحييد لزعامات في الداخل يخشى الحاكم خطر معارضتها.

(14) فلسفة القانون والسيادة ص 250 - 251.

(15) قال أبو عبدالرحمن: كلمة (الفيتو) تعني النقض، وقد جاء في موسوعة السياسة 6-607 - 808 الطبعة الأولى: (النقض (الفيتو): حق الاعتراض على اتخاذ أو تنفيذ قرار ما، وهو في السياسة الخارجية يعني تخويل دولة أو جهة معينة بهذا (الصواب: هذا) الحق؛ ليكون أداة في يدها تستخدمه ضد قرار هيئة ما.. أما في القانون الداخلي المحلي فإنه يعني في الولايات المتحدة مثلاً حق رئيس السلطة التنفيذية في منع نفاذ تشريع أجازته السلطة التشريعية سواء كان المنع جزئياً أو كاملاً.. وفي معظم الأقطار حين يستخدم رئيس السلطة التنفيذية حق الاعتراض يعاد النظر فيه على أن تقرر الموافقة هذه المرة بنسبة معينة من الأصوات تزيد على النسبة الأولى التي تقرر عادة بالأكثرية العادية.. والنقض يعني الحق الذي تملكه الدول الكبرى الخمس في رفض أي قرار يتخذه هذا المجلس - وهذه الدول هي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، والصين الشعبية، وفرنسا، وبريطانية -، وهي تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن، ولعل الولايات المتحدة أكثر الدول استخداماً لحق الفيتو في مجلس الأمن لا سيما في القرارات التي تطالب بإدانة إسرائيل).

قال أبو عبدالرحمن: هذا الأخير ليس حقاً، ولكنه عدوان صارخ ينفي ضرورات الأديان والعقول وما تواضعت عليه الدول من الدساتير والقوانين والمعاهدات.

(16) جذور الاستبداد - قراءة في أدب قديم للدكتور عبدالغفار مكاوي - وما أملح مؤلفاته، وما نفع ترجماته! - عالم المعرفة عد 192 عام 1415هـ - الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت ص 70.

 

فواصلُ في مآزِق الربيع العربي: (2 - 10)
ابو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة