Thursday  07/07/2011/2011 Issue 14161

الخميس 06 شعبان 1432  العدد  14161

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

رؤية
القيم الكونية والشطحات البينية (2 - 2)
أ. د. فالح العجمي

رجوع

 

كنا نصف في حلقة الأسبوع الفائت كيفية نشوء التفسيرات غير المنطقية لحدوث الوقائع، وأثرها في تكوين الفكر الماورائي. ونضيف هنا، بأن هذا النوع من التفسيرات ليس خاصاً بالقرى الأفريقية - كما أسلفنا من قبل - في عشرينات القرن العشرين الميلادي (الفترة التي درس فيها الأنثروبولوجي إيفانز بريتشارد تلك المنطقة في السودان)؛ بل إن مناطق أخرى من العالم تنتج مثل هذا الفكر في هذا العصر أيضاً. فبعد إعصار تسونامي الذي ضرب منطقة جنوب شرق آسيا في ديسمبر 2004م، ادعى ملك كمبوديا أن بلاده قد نجت من ذلك الإعصار، لأنه (أي الملك) كان يصلي للإلهة إندرا بأن يحفظ بلاده من أن يجتاحها ذلك الإعصار. وبعد إعصار كاترينا الذي أحدث في مدينة نيو أورلينز أضراراً كبيرة، قال المسلمون: إنه غضب من الله على ما يفعله الأمريكيون في فلسطين والعراق وبلاد إسلامية أخرى؛ وقال اليهود: إنه غضب من الله على إجبار اليهود على الخروج من أرض غزة، التي هي منحة من الله لليهود؛ وقال المسيحيون: إن السبب هو غضب الله على السماح للأمريكيين بممارسة الإجهاض، بل إن القس بات روبرتسون (المذيع التلفزيوني الشهير والمرشح السابق للرئاسة الأمريكية) ذهب بعيداً بإعادته سبب حدوث الإعصار إلى وجود إحدى ممثلات الكوميديا السحاقية التي كانت تعيش في نيو أورلينز.

وفي كثير من بقاع العالم في العصر الحديث، مازال بعض الزعماء الدينيين يعلنون، بأن الإيدز عقاب رباني يصيب به مناطق توسعت في مفاهيم التحرر الجنسي، وعمدت إلى ممارسة الشذوذ الجنسي خلافاً للطبيعة البشرية التي أرادها الرب.

والواقع أن كل الأديان والثقافات الطقوسية تتفق في فكرة الإيمان بالخلاص. والخلاص - حسب صابر الحباشة - نوعان، حسب طبيعة المنظور: أحدهما خلاص يلهم الإنسان أن يسعى في طريق التطور، ويجعله يعتقد أنه ينعتق في عالم الزمان، مثل هذه النظرية للخلاص تشجع الإصلاحات الاجتماعية والمشاريع التي تبني حياة ثرية للإنسانية جمعاء. أما المنظور الثاني، فيتم النظر من خلاله إلى الخلاص بوصفه وراء عالم الزمان؛ يقع بعيداً تماماً عن عالمنا هذا، وهو أمر يجعل هذا العالم في أحسن الأحوال - امتحاناً عسيراً، وفي أسوئها بؤرة فساد ودائرة بؤس وجور، من الأفضل للإنسان أن يستبق التحرر منها - وهذه النظرية للخلاص تجعله فردياً خالصاً، ويمكن أن تشجع القمع والطغيان.

وليس من الغريب أن تشيع في فترات القنوط واليأس الروايات والأخبار المؤذنة بنهاية العالم، نظراً إلى حصول شعور عام بالإحباط سواء عبر فقدان الأمل - لدى معظم الناس - في تحقيق العدل أو الرفاه، أو نظراً إلى استشراء ضروب الفساد وظهوره في البر والبحر.

ويدفع الاعتقاد الديني الناس أحياناً إلى استخلاص نتائج بشأن الطبيعة والتاريخ: فالمحصول الجيد يتم تفسيره، بأنه نتيجة العبادة أو السلوك الحسن، أو نتيجة لكليهما معاً، أما القحط والجفاف فيفسر بكونه نتيجة لارتكاب المعاصي، سواء بالتخلي عن أداء العبادات أو بعدم التزام الأخلاق في المعاملات. وإذا جرى الاعتقاد بأن المعبود يتحكم في التاريخ، فإن أمة تعمل الحق وتتبع هدايته، كما دعا إلى ذلك الأنبياء أو غيرهم من الشخصيات الدينية، يتوقع أن تجني الأمة ثمرة ذلك ازدهاراً ونجاحاً. وفي أزمنة سابقة، عندما كان هذا لا يحصل، فإن البؤس اللاحق يُنسب إلى ارتداد الأجيال السابقة عن الصراط المستقيم.

الطريف أنه إذا كان الشخص الذي نزل به الضرر بعيداً عن كل الشبهات والمظالم، فإن مصابه يصبح حينذاك اختباراً من الرب لقوة إيمانه وتماسكه؛ فحسب موقف الموؤل يكون تفسير سبب ما حدث لفرد أو مجتمع.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة