Saturday  09/07/2011/2011 Issue 14163

السبت 08 شعبان 1432  العدد  14163

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إذا كان السلوك هو ترجمة للوعي وإذا كان الوعي هو حصيلة العلم والمعرفة والتجربة والطبائع الموروثة والمكتسبة، فإن ردة الفعل التلقائية في سلوك الإنسان وتصرفه قد يحكمها فطرية الإنسان الطبيعية الخالية من رقابة العقل المحكوم بعملية التحري والاستقصاء وتقديم النتائج وتفضيل الخيارات..

.. لذا ربما تكون ردة الفعل التلقائية الطبيعية السريعة هي أدق ترجمة وأصدق عنوان لكل فرد فينا.

كلنا مر بلحظة متشابهة أمام وردة أو زهرة، ومنا من دنى منها ليشتم رائحتها وآخر وقف يتأمل جمالها وثالث سارع في قطفها واستحواذها لنفسه ورابع لم يكتفِ بقطفها بل انتشلها وتربتها وما يحيط بها وأسرع لنقلها إلى فناء بيته لغرسها وسقيها ورعايتها وربما فينا من استهجن صرف ثواني من عمره من أجل وردة أو زهرة، وفينا أيضا من قد يعتبر القصة برمتها سخافة ومضيعة للوقت، وكذلك الحال أمام حادث عرضي في الطريق والشارع، إذ تختلف ردة الفعل بين فرد وآخر، فمنهم من يجد نفسه متورطا دون وعي فيما حدث وآخر يستمتع بما يشاهد وثالث يستهجن ما يرى وآخر يترفع عن إلحاح الفضول، وهكذا دون أن تمتلك صوابا لفعل على آخر أو حتى منطق واحد يمكن الاتفاق عليه لتفصيل الصواب والخطأ، باعتبار أن ردة الفعل هي منطقية لطبيعة الإنسان، لكن هذا بالنسبة للأفراد كأفراد أما الجماعات فالحال يختلف، فكل مجتمع يتجانس بغالبيته في ردة الفعل تجاه قضية ما يمنحنا فرصة التعرف على طبيعة ومنطق التكوين المنتج لهذا السلوك، فمثلا عندما نرى احترام غالبية الشعب الأمريكي لقوة الكيان الإسرائيلي رغم أنها تأتي على حساب الدم والحق العربي نستطيع أن نقول إن الشعب الأمريكي يؤمن بمبدأ القوة ولا عجب فأمريكا هي القوة العظمى، في حين تتعاطف بعض المجتمعات في دول العالم الثالث مع المظلومين والمضطهدين في العالم لأنهم ضحايا الظلم والاضطهاد، وكذلك الحال بالنسبة للأنظمة الحاكمة في الدول فتلك الأنظمة الديمقراطية تحترم الشعوب التي تنشد الحرية لأنها تؤمن بحرية الشعوب في حين تقف الأنظمة الشمولية والديكتاتورية ضد حركات التحرر باعتبارها خطرا على مكتسباتها.

لكن العلم بالشيء لا يفيد دون معرفة، والمعرفة ليست علم يلقن ويتوج بشهادة وإجازة بل هي أشبه ما تكون بعملية فيزيائية داخل جمجمة فردية مغلقة تشتغل معاملها بصمت لتنتج في النهاية شيئا نسميه فكرة، أي أن المعرفة فكر في ما هو معلوم لإنتاج علم جديد غير معلوم، وعندما يكون الإنسان مشغولا بالمعرفة فإنه بالتأكيد لن يقطف تلك الوردة ولا حتى يفكر في اقتلاعها بل سيكون مهتما بمعرفة خصائصها وما يمكن أن يستفيده من وجودها، وكذلك الحال في حادث عرضي في الطريق أو الشارع فهو لن يسعى لمشاهدته أو تجاهله للفضول أو اللامبالاة ولكنه سينشغل بما هو أهم، مثل البحث والتفكير عن حلول أو خيارات لتأمين الطريق أو الشارع من العوامل التي أدت لحدوثه إن كان ضارا أو العكس، وإن انتقلنا الآن في الرؤية من الأفراد إلى الجماعات فإن المجتمع الذي تسود غالبيته لناحية المعرفة سيكون إلى جانب المجتمعات الأخرى التي تتجه لهذا المسار والاتجاه، ومثال على ذلك نرى الشعب الأمريكي يحترم أو يحسد الشعب الياباني الدءوب في العمل والإبداع في حين يستهجن الشعب الكسول أو المتخلف جدية ذاك الشعب وحرصه على ما قد يظنه توافه أو تفاصيل، وكذلك الحال مع الأنظمة الحاكمة في الدول، فالولايات المتحدة الأمريكية تتعاون مع روسيا الاتحادية في تقنية المراكب الفضائية والأقمار الاصطناعية، وتعين الدول المتقدمة تكنولوجيا الدول الصديقة الراغبة في التقدم في هذا المجال في حين تعارض الدول المتخلفة تكنولوجيا الدول المشابهة لها في السعي للحصول على تقدم في هذا المجال وتراه خطرا عدائيا بدلا من اعتباره حافزا للنهوض والمنافسة للتقدم في المعرفة والتقنية.

قد يبدو واضحاً إن أي دولة في هذا العالم تتشكل من ثلاثة ركائز هي وعي الفرد وعقيدة الجماعة وسياسة النظام، وفي الغالب الأعم فان التجانس بين هذه الركائز الثلاث هو الذي يحكم طبيعة هذه الدولة وحيويتها بين الدول، ولن نكون صادقين في نعت نظام بالتخلف دون أن نضيف ونكمل ونقول لأن المجتمع متخلف ولأن الفرد متخلف، وبالتالي فإن الفرد هو الأس الحقيقي الذي من خلاله يبدأ تكوين المجتمع الذي يصوغ نظام يحكمه وكلما تقدم وعي الفرد تقدم إنتاج المجتمع وكلما تقدم إنتاج المجتمع تسهل لنظام حكمه أن يرتقي بدولته في مراتب الدول، على أن الحقيقة لها أكثر من وجه وما هذه السطور إلا لمحة خاطفة بدت من قراءة ردة فعل عفوية.

hassam-alyemni@hotmail.com
 

تلقائية ردة الفعل... ماذا تعني؟
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة