Saturday  09/07/2011/2011 Issue 14163

السبت 08 شعبان 1432  العدد  14163

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بين الصمت والكلام تكمن الحكمة.. يقول أحد الفلاسفة: (الأرض تدور.. ونحن أيضاً ندور عليها.. فلا هي تهرب من تحت أقدامنا ولا نحن نهرب من فوقها) أطروحة فلسفية تستدعي التأمل... ترى كيف نقرؤها؟ بالطبع لكل منا فلسفته الخاصة في قراءتها والتفكير فيها..وبالتالي تحليلها إلى جزيئتِها حسب منظوره الشخصي.. ومساحة تفكيره..

ولأن الإنسان له عقل يفكر ويستنتج ويبتكر إذن هو يتحرك في جميع الاتجاهات لتتسع مساحات فكره وفهمه لما يدور حوله... وتختلف مساحات التفكير من شخص لآخر حسب نظرته للحياة وتجربته فيها، أيضاً حسب قراءته لطبيعة الكون والبشر.... أما أنا فقد يندهش القارئ الكريم عندما أقول: بأن قراءتي لهذه الأطروحة الفلسفية يجعلني أعود بذاكرتي إلى (تفاحة نيوتن) وسر سقوطها.. الذي أوقد في نفسه حماسة معرفة هذا السر فاكتشفه بعد تأمل.. وتفكر.. وصمت طويل.. (قانون الجاذبية الأرضية).. قراءتي لهذه الفلسفة قادتني إلى هذا السؤال.. ترى أليس هناك رابط يجمع بين الجاذبية الأرضية وانجذاب الإنسان للحياة والتشبث بها كلما اقترب مصيره إلى بطنها..؟ (تفاحة نيوتن) لم تبق معلقة في الهواء عندما سقطت بل جذبتها الأرض وهذا ما تقوم به الجاذبية الأرضية.. فلولاها ما بقي الجميع على سطح الأرض بمحض إرادته.. بل سيكون هناك التنافر كما التجاذب، وسيكون هناك التشاحن كما الوئام وهذا ما يدعو للتأمل بعمق... جميع أجساد البشر تنجذب إلى الأرض.. ولكن تبقى نفوس البشر مختلفة عن بعضها البعض.. ويبقى التمايز بينها حسب طبيعتها وتكوينها... النفس البشرية إما ثائرة غاضبة.. أو حليمة وادعة.. وإما متطرفة بعيدة عن الطريق.. وإما ميالة لكثرة الكلام وحب الثرثرة.. أو أنها نفس تغوص في بحر من الصمت.. صمت يراوح بين سكون يسبق العاصفة وهذه مصيبة.. أو صمت يخفي وراءه حكمة وبلاغة وهذا هو محور ثرثرة قلمي ونبض حرفي لهذا الأسبوع.... في أحيان كثيرة يكون للصمت جمال يثير فينا الدهشة فيحرك الأفكار الراكدة.. وبالتالي يفرز العقل تساؤلات حول كنه هذا الصمت.. هل الصمت غموض..؟.. هل الصمت سلوك يتجلى فيه الدهاء حتى يخلع رداء الغموض..؟.. هل الصمت رد إيجابي أو سلبي ناتج من اختبار لقياس ردة فعل إزاء موقف أو قضية ما..؟.. هل الصمت كبح لجماح مفردات متأججة قد تنطلق في لحظة غضب..؟.. أو هو صمت يفرضه الجهل.. والجبن.. والخوف..؟.. أم أنه صمت يفرضه.. عقل.. وفكر.. وحكمة!!!؟ تساؤلات كثيرة ومحيرة.. وإجاباتها مختلفة باختلاف تفكير البشر.. وباختلاف الجزئيات الصامتة التي يملكونها.. فقد يكون لإيماءة صامت صوت أعلى وأبلغ من أي صوت.. أو إشارة ثاقبة تعبر كلمح البصر لكنها تحمل في ثناياها منطق حكمة، ورجاحة عقل.. وقد قالوا (إذا افتخر الناس بحسن كلامهم...فافتخر أنت بحسن صمتك) فللصمت صوت يتحدث به رغم الصمت.ولكن أولئك الذين يجيدون التحدث بصوت الصمت رغم ما فيه من بلاغة في التعبير عن احترام النفس لذاتها وللآخرين.. إنه قالب ممزوج بالأسرار الدفينة... والنفس البشرية المتزنة تتحكم أثناء الصمت بجدارة لتحقق المطلوب.. ولكن من الخطأ أن نعتبر الكلام والصمت نقيضين فكلاهما لغة وأداة للتعبير.. فكما أن الكلام يبوح عما بداخل النفس البشرية باستخدام مفردات اللغة المتوافقة مع كل موقف فالصمت نبض تعبيري بليغ في كثير من المواقف... وكثير من الحكماء نقشوا بالصمت أروع الكلمات.. وتحدوا بالصمت أشد الأزمات وعالجوا كثيراً من المواقف المتعثرة لا لأن سكوتهم يعني الجهل بما يدور حولهم.. أو أنهم عاجزون عن البوح بمكنونات الضمائر بل لإدراكهم بأن لكل وقت لغة.. ولكل موقف أداة تعبير خاصة به فاستأثروا الصمت لغة التفكير العقلاني.. وحكمة العاقل الحكيم. ولكن الصمت لا يعني لجم اللسان عن الكلام مطلقاً فهذا لن يكون أبداً.. ولعل حكمة نطق بها لسان خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز تغني عن التعبير حيث سئل ذات مرة (متى تحب أن تتكلم ؟ قال أحب أن أتكلم عندما أشتهي الصمت، قيل له: ومتى تحب أن تصمت؟ قال: أحب أن أصمت عندما أشتهي الكلام) منطق حكمة يحمل مغزى رائعاً محاطاً بالتعقل والتروي. ولكن الحكيم مهما صمت يعلم أن الصمت في بعض المواطن لا حكمة منه أبداً.. كالصمت عن حق.. أو الصمت في وقوع مظلمة يعلم أن نطقه بالحق قد يرفع هذه المظلمة.. يعلم متى تخرج الكلمة نقية هادفة ومؤثرة ...الحكيم هو الذي يفكر قبل أن يتكلم حتى لا تخرج الكلمات من فمه لكمات مؤلمة.. يقول أحدهم: (الكلمة مادامت في فمي ملكتها وإن خرجت مني ملكتني) ما أروع هذه المقولة.. وفي الحياة دروس وتجارب نستقي منها العبر.. وأجمل ما تعلمت من هذه الدروس أن الكلام بلا روية هو ثرثرة مبعثرة في طريق مسدود.. تعلمت أن الصمت هو لحظة سكون أحتاجها دائماً بل ويحتاجها جميع البشر للملمة شظايا النفس المتناثرة في دروب هذه الحياة.. تعلمت من لحظات الصمت أن أتجول داخل ذاتي أراجع وأحاسب مكنونات نفسي.. تعلمت أن الإنسان لن يخسر أبداً إذا سبق عقله لسانه، وعرف متى يجب أن يتكلم ؟ ومتى يجب أن يصمت؟ الصمت أقصوصة بحجم رواية عنوانها: (الصمت سلاح لا يدركه إلا العقلاء... ولا يجيده إلا الأذكياء)... تحياتي لكل من يجيد لغة الصمت.

 

عود على بدء
إن كان منطقُ ناطقٍ من فضةٍفالصمتُ درٌ زانه ياقوتُ
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة