Monday  11/07/2011/2011 Issue 14165

الأثنين 10 شعبان 1432  العدد  14165

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أقبل صيفُ هذا العام ينفثُ حِمَماً من القيظ اللاّهب، ترافقُه، في بعض الأماكن، هبّات من الريح الساخن، وقد يزْداد ضَراوةً حين يقْترنُ بإِعصار الغبار الخبيثِ الذي يكْتمُ الأنفاسَ ويَكادُ في بعض الحالات يقْبضُ الأرواح!

وقد بات مألوفاً أن يسْتصْحبَ هذا الموسمُ نشوءَ رغبة عارمة لدى كثيرين في (الهجرة) إلى داخل الوطن وخارجه، التماساً لنسْمةٍ باردة تطفِئُ الغليلَ، وتعيدُ للنّفسِ رُشدَها وهدْوءَها، ويسَاعد على ذلك تزامَنُ إجازاتِ المدارس والجَامعاتِ مع حُلولِ هذا الموسم لتَتأكّد الرغبةُ في الرحيل في كلّ الاتجاهات.

ولقد كانت سيدةُ الملاح باريس وما برحَتْ مقْصَداً هاماً (للطيور البشرية المهاجرة) إلى الخارج هَرباً من وعْثَاء الصيف، ويسْتَوي في ذلك ميسورُ الحَال من البشر ومالكُ البلايين منهم، وهكذا تَتنّوع (الجيوبُ) والقصدُ واحد!

وفي ظنَّي المتواضع أن مواطني الخليج العربي يتصدَّروُن شعوب الأرض تعلُّقاً بمدينة باريس، غير أنهم يتَباينُون في توقيتِ زيَاراتِهم لها، فمِنْهُم من يفضّلها صيفاً، وهم الشّريحةُ الأعظمُ، في الوقت الذي يهْجرُها الكثيرون من أهلها هَرَباً من (لظى الصيف) بها، بمقاييس أوروبا، خاصةً حين تبلغُ درجةُ (الحرارة الباريسية) الثلاثينياتِ أو تزيدُ قليلاً مِمَّا يعتبرُه معظم الباريسيين والبيئات الأوروبية الأخرى المشابهة صَيْفاً لاهباً، في حين ينْعمُ بها معْظمُ الخليجيين القادمين من أجْواءٍ تبلغ درجةُ (الاشتعال الصيفي) فيها نهاية الأربعينيات أو أوائل الخمسينيات في أسوأ الأحوال!

وبعد..

فإن (باريس) في تقدير المحبِّين لها (حُورية) كل الفصول، لأنها قادرة على تلبية احتياج قَاصِديها، مهْما سمَا ذلك الاحتيَاج أو دَنَا، ولذا، أستأْذنُ قاصدَ تلك الأرض من أهلنا الكرام لطرْح عَددٍ من (النَّصَائح) آملاً في جَعْل زيارتهم لباريس متْعةً للحسِّ والإحسَاسِ بامتياز!

من بين هذه النصائح ما يلي:

أولاً: ضَعْ لنفسِك أيها السائح الكريم ميزانيةً تَتلاءَم مع دخْلك، فلا تُرهقُك بعبْئِها، فتجْلبَ لك ولمن معك الحسَراتِ من قبلُ ومن بعد!

ثانياً: لا تفْرط في ملْبَسك على نحْوٍ يُغْري أبصَار ونوَايا الآخرين بك، لأنك بذلك تنْصَبُ لنفسِك بنَفسِك (فخّاً) يحرُّضُ الماكرين عليك، فيلحَقك منهُم أذىً، قد يتَجاوزُ جيَبك إلى حيَاتكِ، وباريسُ رغم فِتْنتها ليْسَتْ وطناً من الملائكة، بل تَعجُّ بأصنافٍ متباينةٍ من البَشَر، منهُم الطيُّبُ ومنهم الخبَيثُ، ومنهم مَنْ هو بين هذَا وذَاك، والكيّسُ من البشر مَنْ نَظر إلى موطِئ قدَمه وهو يسير، كيْلا يْعثُرَ، ثم يجْني من ذلك النَّدم على ما فعل!

ثالثاً: إذا ذهبتَ إلى مطعم لتناول وجبة عشاء أو غداء مع مَنْ معك من أهلٍ أو رفاق، فلا تُطْلقْ لصَوتكِ العنانَ، وكأنّك في ركن من أركان منزلك، فهناك آخروُن مثلكَ جَاؤوا إلى هذا المكان التماساً للحظة هدوء وشيء من طعام!

رابعاً: لا تحْمل معك في الأسواق أو مواقع الترفيه من السيولة النقدية إلاَّ ما تمليه الضَّرورةُ، لأنَّ كثرةَ المال والتَّظاَهرَ به أمامَ الناس قد يُعرِّضُك ومن معك لأذى بليغ!

خامساً: احرصْ على ضبط أصوات أطفالك وحَركتِهم ما أمكن، كيْلا يُحْرجُوك أمام الآخرين، بدْءاً من الطائرة، مرُوراً بمقر السكن، وانتهَاءً بمرَافقِ الطعام والترفيه والأسواق العامة، وهناك من الأطفال من قد يجدُ متعةً في العبث بأزرار المصعد في الفندق الذي يقطنه صُعُوداً أو هبُوطاً، أو يمَارسُ الركضَ في ممراته، مُحْدِثاً بذلك إزعاجاً لا مبرر له!

سادساً: لا (تستأجر) ذِمَّةَ نادلٍ في مقْهى، فتُغْريه بالمال كي (يحْجُزَ) لك مائدةً يضع عليها زجاجةً ماء وبضعةَ أكواب ليُوهمُ الناسَ أنها مشغولة في الوقت الذي قد لا تسْتخْدمها أنت ذلك المساء أبداً، فَتحْرِمَ بذلك مُرتَاداً آخر أو أكثر من نفعها، وتأكد أن ذلك مظهرٌ غير حضاري ولا إنساني، لا بلْ يستدرُّ كثيراً من السخط، والأمرُّ من ذلك أنه يُلصقُ السَّوءَةَ الأخلاقيةَ بالسائح الخليجي دُونَ سواه، لأنّ من أفراده من يفْعلُ ذلك عامداً متعمداً وبإصرار عجيب إمّا تظاهراً أو تفاخراً أو غروراً!

وبعد.. أيضاً

فإن هذه النصَائحَ المتواضعةَ لا تقتصرُ على مدينة باريس بل أزْعمُ أنها تَمتُّد إلى كلَّ مدن العالم، وقد طَرحتُها في سياق الحديث عن باريس.. حيث تتجه صَوبها (بوصلةُ) السياحة الخارجية من كلَّ حدْبٍ وصَوبٍ بأعدادٍ كبيرة كل عام، وما يهمني في هذا الصدد هو سمعةُ وطنَنا الغالي بوجْهٍ عام، ألاّ ينالهَ ضيمٌ أو أذى أخلاقيّ بسبب سلوكيات ليسَ مسؤولاً عنها ولا رَاغباً فيها!

 

الرئة الثالثة
همسة للسائح السعودي في باريس!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة