Monday  11/07/2011/2011 Issue 14165

الأثنين 10 شعبان 1432  العدد  14165

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

طرحت في المقال السابق تساؤلاً عن أسباب عدم احترام القانون، وسأحاول أن أتناول ما أفهمه عن ذلك البعد الغائب في الثقافة العربية، ولعل أبسط إجابة عن ذلك التساؤل المشروع لأنه -أي القانون- لا يعلو فوق سيادة البشر، وقد تختصر هذه الكلمات كثيراً من العناء في البحث بين أوراق الكتب القديمة، فالأمر ليس بسبب غياب الثقافة القانونية عند الناس، ولكن بسبب غياب تطبيقاتها بحيادية، وذلك لأن الناس يتعلمون حقوقهم من خلال الممارسة الفعلية لها، بالإضافة لذلك سأتناول بعض الأسس والهوامش في قضية علو القانون وسيادته.

تتميز تقاليد العرب بالعفو عن المقدرة، وتلك الصفة قد تفرض في بعض الأحيان أحكام ليس في الصالح العام، ومنها العفو عن القاتل مقابل مبلغ مادي كبير، والذي يتم الاحتفال بها كانتصار لسلوم العرب البدوية، وفي ذلك تحدٍ وإضعاف لسلطة القانون، و المفترض أن تحمي المجتمع من هذه العادة العربية غير القانونية، فالحق العام لا يجب أن يسقط مهما كان الثمن، وذلك منعاً من تسهيل أن يقتل الإنسان أخاه، ووجه الغرابة أن يتم استعمال آيات قرآنية لإنقاذ القاتل من العقوبة مثل {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.

يواجه طلّاب الحقوق الخاصة أحياناً معاناة بسبب العائق الإداري، الذي يرفض أن تُحال القضية إلى اللجنة القانونية، وقد يستعمل في بعض الأحيان سلطته الإدارية لمنع اللجنة القضائية من النظر في القضية، برغم من إجازة نظام المرافعات والسماح للمواطن أن يرفع قضيته بدون موافقة إدارية، لكن الإشكالية في هذا الاستثناء تكمن في أن بعض اللجان القضائية والقانونية المتخصصة لا تزال تحت سيطرة المسؤول الإداري، والمفترض أن تكون تابعة للمحكمة الإدارية القضائية، ولا يكون للمدير أو الوزير أي سلطة على منع النظر في القضية.

غياب الاجتهاد الفقهي كان خلف ذلك التقهقر في ثقافة القانون واحترامه وعلوه، فقد تم الاحتكام للجان إدارية لا ترتقي للمحاكم الشرعية التي تخضع لنظام المرافعات ولا تنتظر موافقة المدير العام للنظر في القضية، وفي ذلك تضييق على أصحاب الحقوق، وإذا كان نظام المرافعات يسمح بتجاوز أمير المنطقة، فلماذا إذن تظل اللجان القضائية أو القانونية تظل تحت سلطة المدير أو الوزير!...، في ناحية أخرى أدى غياب الاجتهادات القضائية وضعف الفقه المالي والبحث العلمي في المجال المالي إلى ضعف القضاء الشرعي في هذا التخصص، وإلى دخول غير متخصصين وهلاك استثمارات الناس، وكانت نتيجة ذلك ديون تقدر بمئات آلاف الملايين على الناس.

الإشكالية التي تقف خلف هذه الفصل أن المحاكم الشرعية لا تحتكم إلى القانون الوضعي، لذلك تم عزل بعض اللجان الإدارية والمالية عن محاكم الشرع، لكن ذلك فيه سوء فهم ومضرة كبيرة بالمصلحة العامة والخاصة، وأيضاً لأن مفهوم الشرع أوسع وأكثر مرونة من كونه يخضع فقط لاجتهادات الفقهاء في القرون الوسطى، ولذلك يجب احتواء القوانين الإدارية العامة التي تنظر في قضايا المتخصصين والتجار وأصحاب المهن وغيرها فيه، وقد كان المجتمع في الماضي يتجاوز غياب الاجتهاد بتعيين شيوخ لأهل المهن، ليحتكم الدلالون لشيخهم، وأهل الصناعة لشيخهم، ولعل أقرب مثال على ذلك في الوقت الحاضر تقدير حوادث السيارات والتي تتم من خلال تقدير مادي من «كبير» مهنيي ورش السيارات، لكن ذلك يتجاوز حجم الضرر العام، وفي ذلك مفارقة عجيبة وهل القضاء الشرعي لا ينظر إلا في قضايا الطلاق والقتل والسرقة والزنا وشرب الخمر!

نحتاج إلى حركة تطور في مجال القضاء والقانون أسرع من الزمن، وذلك لأن غياب الاجتهاد الفقهي وغياب ثقافة علو القانون الفقهية والمواكبة للعصر تكاد تصيب المجتمع بالشلل، وكما ذكرت في المقال السابق نحتاج إلى عقول قادرة على دمج التشريعات الإسلامية ومقاصدها العظيمة في مرجعية قانونية ضخمة، تغطي مختلف فعاليات المجتمع، و تظل كتابا مفتوحاً وقابلاً للتطور وللتجديد، والسبب أن الجرائم تتطور بتغير وتقدم الزمان، ولو قارنا الجريمة في عصر السلف بالجريمة في العصر الحديث لاكتشفنا مدى تخلفنا في مراجعنا الفقهية، وبإيجاز نحن متأخرون جداً ولابد من الإسراع في تدوين المرجعية القانونية لمختلف الجرائم والعقوبات، وذلك من أجل مستقبل ووطن أكثر أمناً.

 

بين الكلمات
لأن القانون لا يعلو فوق سيادة البشر..
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة