Friday  15/07/2011/2011 Issue 14169

الجمعة 14 شعبان 1432  العدد  14169

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أعشق هدوء الليل وسكونه... فالليل آية الله.. ورمز الصفاء.. ومهابة الصمت.. ورحلة التدبر والتفكر. في نزهة الليل الهادئ أستمتع بنسائم روحانية تحتاجها نفسي وروحي... ركعة.. ومناجاة.. ودعاء تمنحني نوراً ونشوةً وفرحاً. وفي مساحته الزمنية الهادئة أتفرد مع نفسي وذاتي.. أبحر فيها دون قيود.. وأهرب من صخب يوم مشحون مختبئة خلف صمت عباءته.. فصمته!! كتاب مفتوح لقراءة الذات.

ورغم عشقي للسهر، والتسامر مع وحدتي برفقة سكون الكون إلا أني اعتدت على الاستيقاظ مبكرة لأستمتع بإشراقة الصباح المنعشة.. أفتح أشرعة نوافذ بيتي.. فيتسلل ضوء الشمس بكل هدوء إلى منافذ القلب دون إذن... وتستعمر جدائل إشراقة الصباح المعتقة بخيوط الشمس الذهبية زوايا المكان لتعلن ميلاد يوم جديد.. وللقهوة في كل صباح عبق ومذاق يختلف باختلاف مذاقات الحياة. قهوتي الصباحية تعودت أن أحتسيها في حديقة بيتي.. فحديقتي هي محطة استعداد لي لالتقاط أنفاس تصاحبني فيه إشراقة أمل لبداية يوم جديد لا أدرك خباياه.. وتحت ظلال شجرة السنديان مكاني ومتكئي.. وعلى إيقاع نسيم خفيف!! أراقب أسراب الطيور وأطرب لترانيم زقزقتها المعطرة بنفحات الأمل.. تفرد أجنحتها استعداداً للتحليق في فضاء الأماني... أطرب وأنتشي لسمفونية خرير الماء وهو ينساب في تعاريج الجداول الترابية يدغدغ رحم الأرض ليروي بتلات أزهار حديقتي وأشجارها.. ماء رقراق يعانق ذرات التراب ويمتزج بها ليشكل مسرحية من طين وبقايا من أوراق صفراء ذابلة فقدت بريق الحياة، ووهج الطبيعة فتساقطت كما يتساقط بعض البشر من أعين وقلوب البشر عندما تتجلى حقائق ارتدت أقنعة مزيفة لوثت صفاء النفوس.. وطهارة القلوب.. وما أكثر الأقنعة المزيفة التي تحيط بنا!!!

(لا خيرَ في ود امرئٍ متلونٍ

إذا الريحُ مالت مال حيثُ تميلُ)

وبانحناءة التواضع ونبض الكبرياء.. وقمة الشموخ.. وتحدي الانكسار ورقة الشعور أنثني لألتقطها وأدفنها غير مأسوف عليها في أروقة الزمن.. فانحنائي وتواضعي لن يخدش شموخي وكبريائي. ورحم الله من قال:

(ملأى السنابل تنحني بتواضعٍ

والفارغات رؤُوسُهن شوامخُ)

هكذا هو عالم حديقتي... عالم يعبق برائحة الزنبق.. وصفاء الفل والياسمين.. ووفاء البنفسج.. ونبل النرجس.. وشموخ السنديان.. وتواضع السنابل.. وجمال الورد... إنه عالم قائم بذاته... عالم يرمز إلى الطبيعة الصامتة... النابضة بكل ألوان الحياة... صمتها يبوح بلغة بلا حروف... ولغتها لغة تعبيرية عندما يغيب الكلام. كم يبهرني ذلك العالم السحري البديع بما يحويه.. وكأني أرى من خلاله لوحةً فنية رائعة تكاتفت فيها مقومات الحياة فصنعت باقات أبدعتها يد الخالق لتكون ميداناً حسياً للجمال نرتمي في أحضانه بين الفينة والأخرى... نستنشق عبير أزهاره.. فماهو إلا متنفس لأحاسيسنا.. وبلسم لمتاعبنا.. وهناءة حالمة لأجسادنا. منظومة جمالية ذات أبعاد رائعة.. ألهمت الشعراء بنظم قصائدهم.. وأوحت لريشة الفنان مداعبة الألوان ليرسم منظومة حالمة وديعة تربعت على عرش مملكة المشاعر... واستحضرها الأدباء والفلاسفة في سرد وتدوين قصصهم فكم من زهرة أذكت عاطفة متأججة.. أو خففت من غيرة حمقاء.. ألوانها المضيئة تعكس التفاؤل والفرح.. ولكن!! رغم ما حباه الله لهذا الكائن الحي من مقومات الحياة إلا أنه لا يملك القدرة على التحكم في حياته.. فهبة الريح هي التي تقرر مصير الورقة الخضراء والزهرة المتفتحة والشجرة الشامخة دونما قدرة على أن تقول لا.. إنها تتضعف وتتخاذل أمامها وبكل سهولة تترك وظيفتها وتبرح مكانها دونما تشبث بغصنها الذي استفاقت عليه... وهكذا هي الزهرة بلمسة حانية تحفر الغصن لتعلن إطلالتها للطبيعة فتعانق روعة الفضاء بابتسامة الأمل... وتنفث عبقاً تستنشقه النفس البشرية.. وتغدق الكون بعطايا الفرح ولحظات السعادة...!! وفي لحظة!! يكون الوهن.. يلامسها خريف العمر فتتكسر أغصان الفرح وتذبل أوراق الربيع وتسقط.. أو تذروها الرياح وتسلبها الطبيعة الغصن الحنون فتختفي من الوجود وتكون النهاية. هذه هي حياة عالم الطبيعة النباتية.. الضعف والهوان في لحظة القوة والعنفوان فيحدث الانكسار.. ويهوى شموخ الأغصان ليعلن الرحيل من رحم الأيام..... فسبحان من أعطى وأخذ، له الحكمة في كل شيء.. حكمة تغيب عن بني البشر.. فبقايا متناثرة هنا وهناك من أوراق صفراء باهتة.. أو أغصان فقدت رونق الحياة وجففتها حرارة الصيف.. أو برودة الشتاء.. أو حتى خريف العمر.. تعود ربيعاً متألقاً.. بقايا تمتزج بتربة الحياة لتعيد دورتها في النمو والعطاء..!! فكيف ببني البشر؟!! في لحظة القة قد يسقط الإنسان.. فكثير من عظماء التاريخ سقطوا وهم في قمة القوة، بل إن بعضهم أسقط نفسه برصاصة قاتلة وهو في أوج قوته وعزه وشموخه. عظيمة أنت أيتها النباتات.. عظيمة في عطائك اللامحدود. كرم.. وظل.. جمال.. وعطاء.. رقة.. وشموخ.. عظيمة أنت حتى في تساقطك.. حين تؤدين رسالتك في الحياة لا تتشبثين بالأغصان كما يتشبث بعض البشر بمناصب الدنيا هي تسقط سقوطاً عظيماً يليق بعظمة عطائها في الحياة تغادر لتترك مكانها لأجيال قادمة تحيا لتتابع رحلة العطاء. لا.. لا تغرك صحةٌ أو ثروة تزهو بها أو تحتويك مناصبٌ أدمت سواك بنابها

وأعلم بأنك طينةٌ مُزجت بماء سرابها مهما أطلت من البناء فهناك بعضُ خرابها

 

عود على بدء
اللبيبُ بالإشارةِ يفهمُ
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة