Friday  15/07/2011/2011 Issue 14169

الجمعة 14 شعبان 1432  العدد  14169

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

الشيخ الغانم أناخت به ركابه في ملتقى الراحلين

رجوع

 

فرب ضرير قاد جيلاً إلى العلا

وقائده في السير عود من الشجر

وكم من كفيف في الزمان مشهر

لياليه اوضاحُ وأيامه غرر

بينما كنت أسرح طرفي في صفحات صحيفة الجزيرة الغراء بعد صلاة فجر يوم الثلاثاء 4/8/1432هـ، إذ فوجئت بنبأ رحيل الشيخ الأستاذ عبد الله بن محمد الغانم إلى الدار الباقية رحمه الله - فتأثرت كثيراً، وفي تلك اللحظة طوح بي الخيال إلى تصوره وتذكره يمشي متأبطاً كتاباً يحمل في ثناياه طريقة (برايل) وهو على مقربة من مسجد الحنبلي المجاور للقصر الطيني للملك فهد بن عبد العزيز - آنذاك - رحمه الله- وقال لي أحد الزملاء ترى هذا الكفيف يعرف لغتين، فعجبت منه رغم صغر سنه..، ولقد ولد رحمه الله في عام 1353هـ في مدينة جلاجل بمنطقة سدير وكف بصره وعمره ست سنوات، وتلقى تعليمه الأول في الكتّاب في جلاجل على يد الشيخ فوزان القديري - رحمه الله -، ثم شخص إلى الرياض مبكراً وهو بعامه العاشر لإكمال تعليمه حيث درس مبادئ العلم على يد فضيلة الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم، وعلى سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم مفتي الديار السعودية آنذاك - رحمهما الله - وفي عام 1372هـ التحق بالمعهد العلمي إلى أن تخرج من كلية الشريعة سنة 1380هـ، وفي تلك الفترة تعلم طريقة (برايل) - أي قبل الحصول على الشهادة العالية - حتى حذقها ثم قام بتعليم وتدريب مجموعة من المكفوفين أثناء الإجازة الصيفية عام 1377هـ تطوعاً واحتساباً للأجر من رب العالمين، وذلك في مقر معهد إمام الدعوة، حيث تكرمت الإدارة بإعارته فترة الإجازة... فتعلم على يده عدد كبير من المكفوفين في مدة لاتتجاوز الشهور الثلاثة، وكانت نواة مباركة لتعلم المكفوفين للقراءة والكتابة بطريقة (برايل) وفي عام 1378هـ وافقت وزارة المعارف -آنذاك - على فتح فصول مسائية في مدرسة جبرة الابتدائية بالرياض لتعليم المكفوفين تلك الطريقة بإشراف الأستاذ عبد الله الغانم، وخلال هذه الفترة تفضل جلالة الملك سعود - رحمه الله - بزيارة تلك الفصول:

وأحسن أخلاق الفتى وأجلها

تواضعه للناس وهو رفيع

وهذا التواضع لايستغرب على ولاة امر هذه البلاد وحبهم للتشجيع للنهل من موارد العلوم العذبة والمفيدة، وقد تبرع جلالته رحمه الله بمقر لها في حي الظهيرة الواقع شمال جامع الإمام تركي بمدينة الرياض، وبمبلغ كبير من المال للاستعانة به في تطويرها ومد الضعفة من الطلاب بشيء منه..،كما تبرع بمطابع خاصة لطباعة (برايل) - تغمده الله بواسع رحمته -، وكان لهذه الزيارة الأبوية صدى إعلامي كبير على مستوى المملكة، فالشيخ الغانم يعتبر المؤسس الأول لمعهد النورلتعليم المكفوفين بالمملكة عام 1380هـ وقد تولى إدارتها، ثم أسس إدارة التعليم الخاص بوزارة المعارف عام 1382هـ، وقد تسنم عدة مناصب ورأس الكثير من اللجان على المستوى العالمي لرعاية المكفوفين بالمملكة، فهو قامة عالية في المحافل الداخلية والدولية، كما انه أول كفيف عربي مثل حكومة خادم الحرمين الشريفين في الأمم المتحدة لمدة عشرة أعوام ما بين 1402- 1412هـ، وخطب في الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة مرات مشيداً بخدمات حكومة خادم الحرمين الشريفين والعناية بجميع طبقات المعوقين، ويعتبر من ابرز الموهوبين في تلك الحقبة البعيدة، ويمتازبقوة الذاكرة وسرعة الحفظ، وكان يفرح بمحادثة من يجيد اللغة الإنجليزية ليهيأ نفسه لقابل الأيام لعلمه بأهمية حفظ اللغات، وكم هو جميل قول الشاعر:

بقدر لغات المرء يكثر نفعه

وتلك له عند الشدائد أعوان

فبادر إلى حفظ اللغات مسارعاً

فكل لسان في الحقيقة إنسان

ولقد كافح (أبو مساعد) وأضاء دروب المعرفة والثقافة لمن حرموا نعمة الإبصار، وجعلهم يسيرون في مواكب الحياة مع نظائرهم المبصرين جنباً إلى جنب، يحدوهم الأمل الآن بأن تتقدم الوسائل الحديثة فتفتح لهم أبواباً جديدة تخدم عالم المكفوفين خدمة أوسع في عصر خلفه الدكتور الفاضل ناصر بن علي الموسى الذي وقف حياته خدمة لذوي الإعاقات عامة، وجلب كل حديث في تطوير مسيرة تعليم أولئك تطويراً عصرياً - وفقه الله - وأعانه على مواصلة دوره القيادي البناء في إسعادهم وإسعاد الأجيال اللاحقة المتتابعة في ظل حكومتنا الحبيبة إلى قلوبنا.

فالشيخ الغانم قد أنهى دوره في الحياة بكل جد وإخلاص وأمانة تاركاً ذكراً جميلاً في شعاب نفوس تلامذته وزملائه ومحبيه، ومما حز في نفسه فقد بصره وعمره لم يتجاوز السادسة، ورغم ذلك كله شق طريقه بكل عزم ومثابرة حتى تربع على مناصب هامة وعالية نفع الله به أجيالاً من ذوي الإعاقة البصرية والسمعية، بل والجسمانية والفكرية :

الناس ألف منهم كواحد

وواحد كالألف إن أمر عنى

ومع ذلك كله ظل هاجس حرمانه من نعمة البصر يساوره طيلة حياته، وكأني بلسان حاله يردد في نفسه هذين البيتين لأبي يعقوب الخريمي:

لله عيني التي فجعت بها

لو أن دهراً بها يواتيني

لو كنت خيرت ما أخذت بها

تعمير (نوح) في ملك قارون!!

ولقد وهبه المولى قوة الحس في سيره في بعض الطرقات التي تردد في المشي بها وكأنه مبصر، وقد قيل له لو اتخذت عاملاً يهديك الطريق إلى المسجد خاصة ليلاً فلسان حاله يرد عليه بقول أبي العلاء المعري:

عصاً في يد الأعمى يروم بها الهدى

أبر له من كل خدن وصاحب

- تغمده الله بواسع رحمته - وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته ومحبيه الصبر والسلوان.

عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف -حريملاء

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة